القصة بدأت منذ سنوات: أسباب حظر الاحتلال الإسرائيلي الأونروا
في 28 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أقر الكنيست الإسرائيلي القراءة الثانية لمشروعي قانونين يؤديان عمليات إلى حظر أنشطة وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في دولة الاحتلال وفلسطين المحتلة.
بعبارة بسيطة، فإن هذا القرار كارثي، لأن الأونروا هي الهيئة الدولية الرئيسية المسؤولة عن رعاية ملايين الفلسطينيين في جميع أنحاء الأراضي المحتلة، وفي مختلف أنحاء المنطقة.
وتبعت إسرائيل قرارها بمهاجمة وإتلاف مكتب (الأونروا) في مخيم نور شمس للاجئين في الضفة الغربية المحتلة، وكانت هذه طريقة الحكومة الإسرائيلية لإظهار جديتها في التعامل مع هذه المسألة.
وهذه ليست المرة الأولى التي تتبنى فيها إسرائيل أجندة معادية للأونروا، وعلى عكس ادعاءات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومسؤولين إسرائيليين آخرين، فإن القرار لا يرتبط بالحرب الإبادة الجماعية الحالية على غزة، أو الادعاءات التي لا أساس لها من الصحة بأن الوكالة تدعم المقاومة.
إن الخطاب المعادي للأونروا لا يزال فعالاً بالنسبة لإسرائيل. وبفضل تضخيم وسائل الإعلام السائدة في الولايات المتحدة، تمكنت دولة الاحتلال من إبقاء اسم الأونروا في الأخبار، وربطها دائمًا بـ “دعم الإرهاب”.
لذا، عندما صوت الكنيست الإسرائيلي لصالح مشاريع القوانين المناهضة للأونروا، نقلت وسائل الإعلام السائدة الخبر كما لو كان الاستنتاج العقلاني الوحيد لقصة ملفقة في الأساس.
المشكلة في التمثيل السياسي
إن مشكلة “إسرائيل” مع الأونروا لا تتعلق بالمنظمة نفسها، بل بتمثيلها السياسي الأساسي ككيان تابع للأمم المتحدة تقوم مهمته على تقديم “المساعدة والحماية للاجئين الفلسطينيين”.
تأسست الأونروا في عام 1949 بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 302 (IV). وبدأت عملياتها في الأول من مايو/أيار 1950، ومع مرور الوقت أصبحت تشكل عنصراً أساسياً في بقاء عدد كبير من مجتمعات اللاجئين الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا والأردن.
لقد انتقد كثيرون الأمم المتحدة بحق لفشلها في استكمال التفويض الإنساني للأونروا بمعادل سياسي من شأنه في نهاية المطاف أن يساعد الفلسطينيين على تحقيق حقهم في العودة وفقا لقرار الأمم المتحدة رقم 194. ولكن بالنسبة لإسرائيل، ظلت الأونروا تمثل مشكلة.
وبحسب تفكير تل أبيب، فإن وجود الأونروا يشكل تذكيراً مستمراً بوجود مجموعة متميزة من الناس تسمى اللاجئين الفلسطينيين. ورغم أن الأونروا ليست منظمة سياسية، فإن أزمة اللاجئين الفلسطينيين وكل القرارات ذات الصلة الصادرة عن الأمم المتحدة والتي تؤكد على الحقوق “غير القابلة للتصرف” لهؤلاء اللاجئين هي سياسية للغاية.
استغل الاحتلال التعاطف الأولي، وإن كان قصير الأمد، مع دولة الاحتلال في مختلف أنحاء العالم، والحملة الضخمة من التضليل التي تشنها “إسرائيل” وحلفاؤها، فاستغل السابع من أكتوبر/تشرين الأول كفرصة لشيطنة الأونروا بشكل أكبر. ولكن حملته كانت قد بدأت قبل ذلك بكثير.
وكان جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، أحد اللاعبين الرئيسيين في الحرب على الأونروا.
فقد جعل كوشنر، الذي استثمر الكثير من الوقت في مساعدة “إسرائيل” على هزيمة الفلسطينيين مرة واحدة وإلى الأبد، الأونروا نقطة رئيسية في خطته. وكشفت رسالة بريد إلكتروني مسربة أنه تعهد ببذل “جهود صادقة لتعطيل” عمل المنظمة.
لكن بسبب الرفض والتضامن الدوليين، فشل كوشنر في نهاية المطاف. وحتى حجب الأموال من جانب الإدارة الأميركية لم يجبر المنظمة على الإغلاق، رغم أنه أثر سلباً على حياة الملايين من الفلسطينيين.
لقد شكلت الحرب الدائرة على غزة والدفع نحو ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية فرصة ذهبية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته المتطرفة لزيادة الضغوط على الأونروا.
وقد تمكنوا من ذلك بفضل الدعم الأميركي غير المشروط، واستعداد الحكومات الغربية المختلفة للتصرف بتهور بناءً على مزاعم إسرائيلية كاذبة بشأن المنظمة الأممية.
ومن خلال السماح لإسرائيل بنزع الشرعية عن المنظمة المسؤولة عن إنفاذ القانون الدولي، تصبح أزمة الأمم المتحدة أعمق بكثير.
إن النداء العاطفي الذي وجهته المقررة الخاصة للأمم المتحدة، فرانشيسكا ألبانيزي، في 30 أكتوبر/تشرين الأول يعكس الإحباط الذي يشعر به العديد من المسؤولين التابعين للأمم المتحدة إزاء عدم أهمية الأمم المتحدة على نحو متزايد.
وفي كلمتها، أشارت ألبانيز إلى أنه إذا استمرت إخفاقات الأمم المتحدة، فإن تأثيرها سيصبح “غير ذي صلة على نحو متزايد ببقية العالم”، وخاصة خلال هذه الأوقات المضطربة.
إن هذا الإهمال بات يشعر به بالفعل ملايين الفلسطينيين، وخاصة في غزة، ولكن أيضاً في الضفة الغربية. ورغم أن الفلسطينيين ما زالوا يقاومون ويرفضون العدوان الإسرائيلي، فإنهم سئموا النظام الدولي الذي يبدو وكأنه لا يقدم لهم سوى الكلمات، ولكن القليل من العمل.
إن حظر إسرائيل للأونروا يجب أن يمثل فرصة لأولئك المهتمين بمكانة الأمم المتحدة، لتذكير “إسرائيل” بأن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة التي لا تحترم القانون الدولي تستحق نزع الشرعية عنها. وهذه المرة، يجب أن تكون الكلمات مصحوبة بالأفعال. ولن يكون هناك أي شيء آخر كافيا.