خسائر غزة تتجاوز 30 مليار دولار بعد عام من حرب الإبادة
تجاوزت خسائر قطاع غزة مبلغ 30 مليار دولار بعد عام من حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية في وقت وصف أبرز تقرير صادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “الحجم المذهل للدمار الاقتصادي والانحدار غير المسبوق في النشاط الاقتصادي”.
وبحسب تقرير صادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) في سبتمبر/أيلول، انخفض الناتج المحلي الإجمالي في غزة بأكثر من 80% بحلول نهاية عام 2023، وهو يتراجع بشكل مستمر منذ ذلك الحين.
ومع دخول الحرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية عامها الثاني، يشن جيش الاحتلال الإسرائيلي هجماته الجوية والبرية العنيفة مستهدفاً كافة محافظات قطاع غزة، مخلفاً المزيد من الخسائر البشرية والمالية.
ومنذ اليوم الأول للحرب، استهدف جيش الاحتلال الإسرائيلي بشكل منهجي القطاع الاقتصادي في القطاع الساحلي المحاصر، عبر هجمات عشوائية على المواقع المدنية والتجارية والمنازل والمصانع والمزارع وأسواق الأسماك.
ووصف أصحاب الأعمال الفلسطينيين في غزة كيف تكبدوا خسائر فادحة غير مسبوقة بسبب الحرب الإسرائيلية المستمرة، حيث أكد البعض أنهم لا يملكون الأموال ولا الوقت لإعادة بناء أعمالهم مرة أخرى في غزة.
وأشار العديد منهم إلى أنهم سيحاولون مغادرة غزة مع عائلاتهم ومحاولة إنشاء مشاريعهم الخاصة في دول عربية أخرى مثل مصر وعمان والمغرب وغيرها.
“الاحتلال قصف كل شيء”
على مدار عام من الحرب الإسرائيلية، تسبب جيش الاحتلال الإسرائيلي في خسارة رجل الأعمال الفلسطيني شاهر العجلة المقيم في غزة أكثر من 85% من ثروته من خلال مهاجمة 90% من ممتلكاته التجارية والسكنية، وهو ما يعادل خسائر تزيد عن 8 ملايين دولار أميركي.
وعلى مدى أكثر من أربعة عقود، عمل الأب لستة أبناء والبالغ من العمر 65 عاماً في تجارة الماشية، وكان يمتلك سلسلة متاجر متخصصة في بيع اللحوم والدواجن المستوردة.
وبدلاً من العيش داخل فيلته الكبيرة والفاخرة التي كانت تقع على شاطئ بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، يضطر العجلة الآن إلى العيش في خيمة أنشأها في بلدة الزوايدة وسط قطاع غزة.
وقال العجلة الذي فقد أكثر من 30 كيلوغراماً من وزنه إنه لا يملك المال لتوفير الطعام لأسرته.
وأضاف التاجر المسن: “كنت أحد التجار الرئيسيين في غزة الذين كانوا يسمحون لأهلنا بالحصول على احتياجاتهم من اللحوم والدواجن […] والآن بالكاد أستطيع توفير الغذاء الأساسي لأسرتي”.
وتابع “حاولت عدة مرات إنعاش عملي واستيراد اللحوم المجمدة، إلا أن عدم توفر السيولة النقدية حال دون ذلك، وباتت أعتمد فقط على الغذاء الذي تقدمه لي مؤسسات الأمم المتحدة”.
وبسبب خسائر العجلة، خسر أكثر من 250 من عماله أيضًا مصدر دخلهم الوحيد.
ويقول كريم أبو سلامة، أحد عمال العجلة “أشعر بالقهر بسبب الوضع الذي نعيشه حالياً، ففي كل مرة أقابل صاحب العمل أبكي على حاله وحالتي وحال كل سكان غزة بسبب هذه الخسائر التي نتكبدها يومياً، حتى من دون أن نعرف متى ستنتهي هذه الحرب”.
“خسرنا كل شيء”
وخسر سامح عجور، صاحب شركة عجور للتجارة والصناعة المتخصصة في بيع الأواني والأدوات المنزلية، نحو 70% من رأس ماله وممتلكاته بسبب القصف الإسرائيلي المتواصل.
“لقد خسرنا كل شيء في هذه الحرب، قضيت أكثر من 40 عامًا من حياتي في بناء شركتي، متحديًا كل الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة في قطاع غزة، ولكن الآن ليس لدي أي من أموالي لأن الجيش قصف كل ما أملك”، هذا ما قاله عجور البالغ (69 عاما).
وأضاف “لقد تكبدنا خسائر كبيرة بسبب الحروب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، ولكننا كنا نعمل جاهدين لتعويضها من خلال التجارة ونصر على إنعاش اقتصاد بلدنا، ولكن الآن معظمنا لا يملك المال أو حتى الحياة لإعادة البناء من الصفر مرة أخرى”.
وقد خلفت الحرب الإسرائيلية دماراً كبيراً في اقتصاد قطاع غزة، كما أدت إلى ارتفاع معدلات التضخم والفقر والبطالة، وأدت إلى انهيار الدخل المحلي والقيود المالية. وقد أدى هذا إلى شل كافة مناحي الحياة بالنسبة للشعب الفلسطيني، وفقاً لتقرير الأونكتاد.
وأضافت الأونكتاد في أحدث تقرير لها أن “الحجم المذهل للدمار الاقتصادي والانحدار غير المسبوق في النشاط الاقتصادي تجاوز بكثير تأثير جميع المواجهات العسكرية السابقة في القطاع منذ عام 2008”.
وأشار إلى أن الناتج المحلي الإجمالي لغزة انخفض بنسبة 81 في المائة في الربع الأخير من عام 2023، مما أدى إلى انكماش بنسبة 22 في المائة للعام بأكمله، وبحلول منتصف عام 2024 انكمش اقتصاد غزة إلى أقل من سدس مستواه في عام 2022.
وأشارت الأونكتاد إلى أن ما بين 80 و96 في المائة من الأصول الزراعية في الجيب الساحلي المحاصر [بما في ذلك أنظمة الري ومزارع الماشية والبساتين والآلات ومرافق التخزين] قد تضررت، مما أدى إلى شل القدرة على إنتاج الغذاء وتفاقم مستويات انعدام الأمن الغذائي المرتفعة بالفعل.
وفي الوقت نفسه، تم تدمير نحو 82 في المائة من الشركات في غزة، والتي تعد المحرك الرئيسي للاقتصاد، في حين يستمر الضرر للقاعدة الإنتاجية وسط العمليات العسكرية الإسرائيلية المستمرة.
وتقدر الخسائر المباشرة للاقتصاد الفلسطيني بأكثر من 35 مليار دولار، بسبب توقف أنماط الإنتاج وتدمير المنازل والبنية التحتية والمرافق الخدمية وغيرها، بالإضافة إلى مليارات الدولارات من الخسائر غير المباشرة جراء فقدان الوظائف وتوقف الصادرات والعجز في المجال الإداري، بحسب الخبير الاقتصادي أحمد أبو قمر المقيم في غزة .
وأكد أبو قمر أن “القطاع الصناعي الذي يعتبر الأهم تعرض لحرب إسرائيلية قبل بدء العدوان من خلال الحصار المستمر منذ 17 عاماً”.
وذكر أن نحو 84 بالمائة من الشركات “استطاعت التغلب على صعوبات الحصار وتثبيت أقدامها، إلا أنها انهارت مجدداً خلال العدوان الحالي وخرجت عن الخدمة وتواجه مشاكل تتعلق بإعادة ترميمها وعودتها للعمل خلال الفترة المقبلة”.
وأضاف أنه “بعد انتهاء الحرب من المهم أن تتبنى الحكومة الفلسطينية [التي ستدير غزة] خطة استراتيجية ترتكز على إنعاش الحياة الاقتصادية في قطاع غزة والعمل على إقامة مشاريع اقتصادية إنتاجية تسمح لرجال الأعمال بتعويض خسائرهم وكذلك خلق بيئة عمل جديدة للسكان المحليين”.