خطة ترامب بشأن غزة تزيد من تآكل مصداقية الولايات المتحدة

حذرت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية من أن خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن تهجير سكان قطاع غزة تهدد استقرار الشرق الأوسط برمته وتزيد من تآكل مصداقية الولايات المتحدة.
وقال الكاتب الأمريكي أندرو انغلاند في مقال له نشرته الصحيفة، إن القادة العرب كانوا ينتظرون بقلق لمعرفة كيف سيرد ترامب على أكبر أزمة يشهدها الشرق الأوسط منذ عقود، متوجسين من عدم القدرة على التنبؤ بتصرفاته، ومن افتقاره لفهم تعقيدات المنطقة، ومن انحيازه الصريح لإسرائيل.
وذكر انغلاند أنه لم يكن أحد يتخيل، حتى في أسوأ كوابيسه، الاقتراح المذهل والعبثي الذي كشف عنه ترامب أمام العالم المذهول عندما اعتلى المنصة في البيت الأبيض إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الثلاثاء.
فبعد أن تجاوز مجرد الدعوة إلى التوطين القسري والدائم لأكثر من مليوني فلسطيني في غزة، رفع ترامب الرهان بشكل دراماتيكي بإعلانه أن الولايات المتحدة تخطط للسيطرة على القطاع المحاصر، وأنه سيستخدم القوة العسكرية الأمريكية إذا لزم الأمر.
ويرى الكاتب أن الفكرة بحد ذاتها غريبة إلى درجة أن هناك إغراءً لرفضها باعتبارها مجرد جنون آخر من جنون ترامب، فهي انتهاك للقوانين الدولية التي طالما سعت الولايات المتحدة إلى الدفاع عنها، كما أنها قد تعيد القوات الأمريكية إلى القتال في الشرق الأوسط، وهو ما تعهد الرئيس الأمريكي نفسه بتجنبه.
ويلفت إلى أن الخطة ستثير غضب حلفاء واشنطن العرب، وشركائها الأوروبيين، والعالم الجنوبي، كما ستزيد من تآكل مصداقية الولايات المتحدة المتدهورة.
فضلا عن أنها ستنسف حلم ترامب في إبرام “صفقة كبرى” تؤدي إلى تطبيع السعودية ودول مسلمة أخرى علاقاتها مع إسرائيل، ما قد يضمن له جائزة نوبل للسلام.
والأهم من ذلك، أنها ستخلق كارثة أخرى للفلسطينيين الذين عانوا لعقود، والذين يعتبرون غزة وطنهم منذ أجيال. فإلى أين سيذهبون؟ لا أحد يعلم.
إذ لن تجرؤ أي دولة عربية على قبول سكان غزة، خشية أن يُنظر إليها على أنها متواطئة في التهجير القسري لأشقائهم الفلسطينيين.
إرث النكبة المرير
لا يزال الإرث المرير لعام 1948، عندما أجبر مئات الآلاف من الفلسطينيين على مغادرة منازلهم أو فروا من القتال الذي رافق تأسيس دولة الاحتلال الإسرائيلي، حاضرًا بقوة في الذاكرة الجماعية للعالم الإسلامي.
والفلسطينيون يطلقون على تلك الفترة اسم “النكبة”، وكثير من سكان غزة اليوم هم من نسل أولئك الذين شُردوا حينها.
وأبرز انغلاند أن لا أحد في المنطقة باستثناء اليمين الإسرائيلي المتطرف يمكنه أن يتقبل تكرار مأساة التهجير الفلسطيني.
مع ذلك، أشار انغلاند إلى “إننا نتحدث عن ترامب، رجل العقارات ومقدم برامج الواقع، الذي سبق أن هدد بالاستيلاء على قناة بنما وشراء غرينلاند”.
إذ لطالما نظر إلى الشرق الأوسط من منظور الصفقات العقارية، متأثراً بمستشارين موالين بشدة لإسرائيل، مثل صهره جاريد كوشنر، وبنيامين نتنياهو، الذي يترأس أكثر الحكومات الإسرائيلية تطرفًا في تاريخها.
وقبل عام، كان كوشنر يتحدث عن أن “الواجهة البحرية” لغزة يمكن أن تكون “ذات قيمة كبيرة”.
أما يوم الثلاثاء، فكان ترامب هو من قال إنه يتخيل هذا القطاع الفقير المدمر بالحروب، والمكتظ بالسكان، على أنه “ريفييرا الشرق الأوسط”.
وقال ترامب: “سنقوم بتطويره، سنخلق الآلاف والآلاف من الوظائف، وسيكون شيئاً يمكن أن يفخر به الشرق الأوسط بأكمله”.
في تلك اللحظة، بالكاد تمكن نتنياهو من إخفاء ابتسامته وهو يقف بجوار ترامب، مشيداً به باعتباره “أكثر رئيس مؤيد لإسرائيل في تاريخ الولايات المتحدة بسبب تفكيره خارج الصندوق”.
وبحسب انغلاند سيأمل القادة العرب القلقون أن يكون اقتراح ترامب مجرد خطوة افتتاحية أو ورقة مساومة ضمن خططه لعقد صفقة أوسع تؤدي إلى تطبيع المملكة العربية السعودية علاقاتها مع “إسرائيل”.
لكن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان شدد مرارًا على أن التطبيع لا يمكن أن يحدث إلا بعد إقامة دولة فلسطينية تشمل غزة والضفة الغربية المحتلة.
ويأمل كثيرون في العالم العربي أن تتمكن السعودية من استغلال العلاقات الاقتصادية مع ترامب لاحتواء سياساته الأكثر تطرفًا.
وقد أظهرت الرياض رفضًا سريعًا وحاسمًا لفكرة التهجير القسري للفلسطينيين يوم الأربعاء. ويشعر قادتها بالقلق من الغضب المتصاعد في المنطقة، حيث شاهد جيل كامل من الشباب العرب بذهول الاحتلال الإسرائيلي يقصف غزة على مدار أكثر من 15 شهرًا الماضية.
وستكون هناك ضغوط على السعوديين وشركائهم العرب لإقناع ترامب بالمخاطر التي ينطوي عليها مخططه الكارثي.
لكن ما يفشل ترامب عمدًا في فهمه هو أنه، رغم الدمار والفقر والمعاناة، فإن سكان غزة فخورون بكون القطاع وطنهم. فهو جزء لا يتجزأ من هويتهم والأرض التي ولدوا ونشأوا فيها، حيث دفنوا أحبائهم، وبنوا حياتهم وأعادوا بناءها وسط دورات متكررة من الصراع، وهم يريدون أن يعيشوا بسلام، لا أن يواجهوا نكبة أخرى.