سحق العمل الإغاثي.. نهج إسرائيلي مستمر لتكريس الإبادة في غزة
يصعد الاحتلال الإسرائيلي من نهج سحق العمل الإغاثي لتكريس الإبادة والتطهير العرقي في قطاع غزة وتعزيز استخدامه التجويع كسلاح حرب بحق المدنيين الفلسطينيين.
نتيجة مباشرة لذلك أعلنت الأمم المتحدة عن تعليق الأنشطة الإنسانية في قطاع غزة وسط تحذيراتها المتكررة من أن معدلات المجاعة في صفوف المدنيين ترتفع إلى مستويات ضخمة وتنذر بكارثة إنسانية شاملة.
وصرح رئيس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) اليوم الأحد بأن الوكالة أوقفت تسليم المساعدات عبر معبر كرم أبو سالم التجاري الخاضع للسيطرة الإسرائيلية بسبب مخاوف أمنية.
وقال رئيس الأونروا فيليب لازاريني: “لقد أوقفنا تسليم المساعدات عبر معبر كرم أبو سالم، المعبر الرئيسي للمساعدات الإنسانية إلى غزة. لم يكن الطريق للخروج من هذا المعبر آمنًا منذ أشهر. في 16 نوفمبر، سرقت عصابات مسلحة قافلة كبيرة من شاحنات المساعدات”.
وأضاف “بالأمس حاولنا إدخال عدد قليل من شاحنات الطعام على نفس الطريق، ولكن تم الاستيلاء عليها جميعا”، محذرا من أن الجوع “يتفاقم بسرعة” في غزة.
قيود وهجمات إسرائيلية مستمرة
أكد لازاريني أن العملية الإنسانية في غزة أصبحت “مستحيلة بلا داع” بسبب “الحصار المستمر، والعقبات التي تفرضها السلطات الإسرائيلية، والقرارات السياسية لتقييد كميات المساعدات، وانعدام الأمن على طرق المساعدات، واستهداف الشرطة المحلية”.
وطالب المسئول الأممي دولة الاحتلال الإسرائيلي بضمان تدفق المساعدات إلى غزة وأن تمتنع عن الهجمات على العاملين في المجال الإنساني.
ويأتي ذلك في أعقاب غارة إسرائيلية يوم السبت أسفرت عن قتل ثلاثة متعاقدين مع مؤسسة ” وورلد سنترال كيتشن” الخيرية (WCK)، أثناء نقلهم مواد غذائية على طريق صلاح الدين جنوب قطاع غزة.
وعندما حاول اثنان من المارة مساعدة عمال الإغاثة بعد الضربة، تم استهدافهما أيضًا وقتلهما.
وبحسب الأمم المتحدة الشهر الماضي إن 333 عامل إغاثة قتلوا منذ بدء حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، منهم 243 موظفا في الأونروا.
وجدد لازاريني دعوته لوقف إطلاق النار “الذي من شأنه أيضا ضمان تسليم المساعدات بشكل آمن ودون انقطاع إلى المحتاجين”.
وتفرض دولة الاحتلال حصارا مشددا على قطاع غزة منذ بدء حرب ال إبادة، في وقت تروج فيه بإلقاء اللوم على عدم قدرة منظمات الإغاثة على التعامل مع كميات كبيرة من المساعدات وتوزيعها.
“صراع يومي مروع للبقاء”
صرح مدير مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة، أجيث سونغاي بأن الحصول على الضروريات الأساسية في غزة أصبح صراعا يوميا مروعا من أجل البقاء، محذرا من التهديد بالموت جوعا أو مرضا أو قصفا بات أمرا حقيقيا.
وقال سونغاي الذي زار قطاع غزة لمدة أسبوع نهاية الشهر الماضي إنه شعر بالقلق الشديد إزاء انتشار الجوع فيما يزداد مستوى الدمار سوءا، ويشاهد العشرات من النساء والأطفال يبحثون في مكبات النفايات الضخمة.
وشدد على ضرورة دخول مساعدات إنسانية كبيرة إلى غزة، لكن “هذا ليس هو الحال. ومن الأهمية بمكان أن تعمل السلطات الإسرائيلية على تحقيق هذا”، منبها إلى أن “الشعب الفلسطيني غاضب ومحبط وخائب الأمل ويعاني على نطاق لا بد من رؤيته حتى يتم إدراكه حقا”.
وحذر المسؤول الأممي من أن انهيار النظام والسلامة العامة يؤدي إلى تفاقم الوضع مع انتشار النهب والقتال على الموارد الشحيحة.
وقال إنه “مع ارتفاع أسعار السلع الأساسية الهزيلة المتاحة، قُتل الناس برصاص رجال مسلحين مجهولين أثناء محاولتهم شراء قوت بسيط مثل الخبز. هذه ليست حوادث معزولة”.
وتابع “الفوضى في غزة التي حذرنا منها قبل أشهر موجودة هنا. يمكن التنبؤ بها بالكامل ويمكن توقعها بالكامل. وكما حدث مع كل الموت والدمار الذي رأيته خلال رحلاتي السابقة إلى غزة، يمكن منعها بالكامل”.
وتحدث سونغاي عن لقاءاته بالعديد من الشباب والشابات الذين عبروا له عن مشاعر اليأس حيث تُركوا محرومين من أي أمان أو أمن أو أمل في ظل تدمير على كل المستويات من مجتمعهم بما في ذلك النظام التعليمي، ونظام الحكم، وأماكن العبادة، وشبكات الدعم المحلية.
وقال: “أكدت لي الشابات، اللاتي نزحن عدة مرات، على الافتقار إلى أي مساحة آمنة وخصوصية في الخيام المؤقتة والإقامة التي أجبرن على العيش فيها. لقد أخبرتني إحدى الشابات أنها تشعر وكأنها متسولة وأنها فقدت كل ثقتها بنفسها”.
لكنه شدد على أنه رغم كل ذلك “فإن قلب المجتمع ينبض بقوة. هناك أشخاص يتدخلون للمساعدة”. وأشار إلى مستجيبي الحماية من الشباب والذين قال أحدهم له “لقد فقدت كل شيء، بما في ذلك أفراد الأسرة والمنزل وكل الممتلكات، ولكنني أستمر في مساعدة الآخرين المحتاجين”.
ونبه إلى أنه ما بين بداية فصل الشتاء وهطول الأمطار، هناك حاجة ملحة إلى ملاجئ مناسبة وملابس شتوية، مشيرا إلى أن “الأوضاع في مدينة غزة مروعة”.
وأضاف أن آلاف النازحين حديثا، وخاصة من جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون، يعيشون في مبان مدمرة جزئيا أو مخيمات مؤقتة في ظروف غير إنسانية مع نقص حاد في الغذاء وظروف صحية مروعة.