السلطة الفلسطينية في صدام مباشر مع الشعب خدمة لأجندات الاحتلال
تخاطر السلطة الفلسطينية على نحو غير مسبوق في وضع نفسها في صدام مباشر مع الشعب من خلال حملتها الأمنية التي تعد الأكبر منذ سنوات ضد فصائل المقاومة في جنين شمال الضفة الغربية المحتلة.
ويمكن بوضوح مراقبة التعليقات الشعبية على مواقع التواصل الاجتماعي لرصد حالة الغضب الشعبي المتنامية ضد السلطة وقيادتها في خضم حملتها الأمنية التي تقتل تلاحق المقاومين والمدنيين في جنين.
إذ تبدي هذه التعليقات في أغلبها دعما كبيرا لفصائل المقاومة وتندد بحملة أجهزة أمن السلطة ضد المقاومة وتجمع على اعتبارها خدمة للاحتلال وسط تساؤلات عن تحرك السلطة في وقت يسرع فيه الاحتلال ضم الضفة الغربية بكاملها للسيادة الإسرائيلية.
وما هتاف “الشعب يريد كتيبة جنين” الذي تصدر مشهد المسيرات الشعبية المتلاحقة في جنين سوى دليلا على الوضع المنبوذ للسلطة وأن جنين ومخيمها يمثل حاضنة شعبية لا تنكسر للمقاومة وعناصرها.
بموازاة ذلك اعتدت أجهزة السلطة في جنين يوم أمس الأحد، على مسيرة لأمهات الشهداء في المدينة، لدعم المقاومة والتعبير عن رفضهن لعمليات الاستبداد التي تنفذها الأجهزة الأمنية ضد المقاومين.
وقد خرجت مسيرة حاشدة من ديوان التركمان باتجاه مخيم جنين، وشاركت أمهات الشهداء في المخيم بالمسيرة الداعمة للمقاومة، وحاولن طرد عصابات السلطة، فيما اعتدت الأجهزة الأمنية على المسيرة وألقت القنابل المسيلة للدموع على النساء المتظاهرات.
وطوال السنوات الماضية عمل الاحتلال الإسرائيلي على محاولة كسر هذه الحاضنة الشعبية بتدمير منازل وتحفير الطرق وهدم المحال التجارية فيما حاولت السلطة كذلك كسر هذه الحاضنة ببث الإشاعات عن أفراد الكتيبة وعن المقاومين لكن دوى جدوى.
المواجهة مع كل مكونات المقاومة
سعت أبواق السلطة الفلسطينية إلى الترويج أن المواجهة في جنين تستهدف عناصر من حركتي حماس والجهاد الإسلامي وهي محاولة مفضوحة للتغطية على انتساب عناصر من كتائب شهداء الأقصى المنبثقة عن حركة “فتح” لمجموعات المقاومة المختلفة.
ويبرز المراقبون أن المقاومة في جنين وشمال الضفة الغربية تضم عناصر من فتح يعتبرون بمثابة متمردين على السلطة، بل هم الذين فتحوا المجال للتأكيد العلني لقضية تواجد عناصر من فصائل أخرى في مجموعات المقاومة.
وبحسب المراقبين فإن مشكلة السلطة في جنين والشمال أن قسم كبير من فتح تمرد عليها وطلقها بالثلاثة، وهي لا تستطيع فعل الكثير بدون حضانتها الشعبية.
وشمال الضفة كان تاريخًا معقل قوي وقاعدة جماهيرية صلبة لفتح، وما حصل خلال الأعوام الثلاثة الماضية (وتسارع بعد السابع من أكتوبر) أن هذه القاعدة الجماهيرية انفصلت عن السلطة واصطفت تحت مظلة المقاومة.
وبرأي المراقبين فإن ذلك ما دفع بعض قادة الأجهزة الأمنية إلى التحفظ على الحملة الأمنية في جنين لأنهم يعلمون أنها مخاطرة كبيرة على مستقبل السلطة وقد تؤدي لانهيارها.
ويشدد المراقبون على أن المقاومة في جنين وغيرها من مدن الضفة الغربية المحتلة هي من كل أطياف الشعب الفلسطيني وهي تحارب من أجل إسناد غزة ومجابهة خطط الاحتلال وجرائمه وهو ما يتسق مع هدف الشعب والمشروع الوطني الفلسطيني.
أخطاء قاتلة للسلطة
بحسب الكاتب محمد علان دراغمة فإن السلطة الفلسطينية ترتكب أخطاء قاتلة في حملتها الأمنية في جنين، مثل إطلاق اسم “حماية وطن” في تشابه لمسميات العمليات الأمنية المرتبطة بالذهن الفلسطيني من عمليات وسياسة الاحتلال.
وأبرز دراغمة أن مسمى العملية الأمنية “حماية وطن” حمل المستوى السياسي صاحب القرار، والمؤسسة الأمنية الجهاز التنفيذي ما ليس بمقدورهم القيام به للدفاع عن مخاطر جمة تواجه الوطن وتجاهل كل الظروف الموضوعية والذاتية المحيطة.
وشدد على أن الخطاب الرسمي للمستويات السياسية والأمنية في السلطة خلال العملية لم يكن موفق سواء من حيث لغة التحشيد، أو لغة الاتهامات بأن المقاومين في جنين “خارجين عن القانون”.
وقد يرتبط ذلك بتساؤلات المواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي حول لماذا تنحرف أولويات السلطة عن الدفاع عن الأرض والمقدسات وصد هجمات المستوطنين ووقف مخطط الضم بدلا من تركيز أسلحتها وأجهزتها في ملاحقة المقاومين.
الحل سياسي وليس أمني
يؤكد مدير مركز مسارات للأبحاث والدراسات هاني المصري أن الهدف المعلن للسلطة بشأن مزاعم منع الفوضى والاقتتال والفلتان الأمني، فإن الحل يجب أن يكون سياسي وطني وليس أمنيا، محذرا من أن اعتماد القوة يفاقم الأمر.
ويشدد المصري أن على السلطة أن تكف عن مساعيها لإثبات الجدارة للاحتلال وحكام واشنطن، لإن نجاحها بقمع المقاومة سيضعفها وسيغضب شعبها، وفشلها سيضعفها أكثر، ولن يساعد على عودتها لغزة.
ويقول إن على السلطة أن تفرق تماما بين المقاومين والخارجين عن القانون، مع تأكيده أن المقاومة يجب أن تستند على استراتيجية وقيادة واحدة وتخضع لهما، وليست مقاومة من أجل المقاومة بل لتحقيق أهداف وطنية.
وقد استنفرت السلطة أعلى مستوياتها السياسية والأمنية إلى مدينة جنين، لا لمواجهة “إسـرائيل” ومستوطنيها – لا سمح الله-، إنما للقضاء على كتـيبة مخـيم جنين التي بقيت عصية على جيش الاحتلال منذ تأسيسها قبل أربع أعوام.
وبوحدتي العمليات الخاصة الأعلى جهوزية في أجهزة السلطة: 101 التابعة لجهاز الأمـن الوطني، و”كتيبة أسد” التابعة لجهاز حرس الرئاسة، وغيرها من الوحدات التي لم يكشف عنها بعد، تشن السلطة عمليتها العسـكرية على مخيم جنين.
وتستعين في ذك بمئات العناصر الملثمة التي تحمل أسـلحة الكـلاشـنكوف والـ M16، وعشرات الجيبات الجديدة شديدة التحصين، وطائرات مسيرة إسرائيلية ترصد سماء المخيم.
وقد بدأت العملية باغتيـال أحد قادة كتـيبة جنين، الشهيد يزيد جعايصة (28 عاماً) الذي نجا مرات عدة من محاولات الاغتيال السابقة، وقتـل الطفل محمد العامر ابن عم الشـهيدين أيهم وأيسر العامر، واقتحام منازل لعوائل شـهداء، ومنع الطواقم الصحفية وطواقم الإسعاف من الدخول إلى المخيم.
يأتي ذلك فيما تكشف بعض مخططات الاحتلال عن نيته إلغاء السلطة وتحويلها إلى بلديات صغيرة تُدير بعض القرى والبلدات وهو ما يعبر عن محاولات السلطة المستميتة النجاح بالامتحان الإسرائيلي متوسلة بقاءها كشركة أمنية.