تصاعد الحرب في غزة يزيد المخاوف من صراع إقليمي أوسع نطاقاً
مع استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة لشهرها العاشر، ينظر المجتمع الدولي بقلق متزايد إلى احتمال اندلاع صراع إقليمي أوسع نطاقاً.
وقد أدت الأحداث الأخيرة، بما في ذلك اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران والهجمات الجوية الإسرائيلية المتفشية، إلى تفاقم المخاوف من تصاعد العنف الذي قد يجر دولاً مختلفة إلى الصراع.
وتثير عملية اغتيال هنية مخاوف من تعرض محادثات وقف إطلاق النار الهشة لأضرار لا يمكن إصلاحها. وفي ظل هذا الوضع المتوتر، تستمر العمليات العسكرية الإسرائيلية بلا هوادة.
ترسم البيانات التي جمعها مشروع بيانات مواقع وأحداث الصراعات المسلحة صورة مقلقة لتوسع الصراع.
فمنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، نفذت دولة الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 17 ألف عملية عسكرية في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، مما أثر على لبنان وسوريا واليمن وإيران.
وقد تحمل قطاع غزة العبء الأكبر من هذا العنف، حيث تم تسجيل أكثر من 10 آلاف حادث وسط استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية.
وردًا على الدعم لنضالات التحرير الفلسطينية، صعدت القوات الإسرائيلية بشكل منهجي من ضرباتها في لبنان.
وتشير الهجمات الأخيرة التي أعقبت الرد العسكري لحزب الله على العمليات الإسرائيلية إلى أزمة متفاقمة، حيث تؤدي الخسائر المدنية إلى تفاقم الوضع الإنساني المتدهور بالفعل.
الاستخفاف الصارخ بحياة المدنيين
ولم يقف حزب الله مكتوف الأيدي في هذا الصراع، حيث كثف الضربات الانتقامية رداً على الانتهاكات والجرائم الإسرائيلية.
ومنذ الثامن من أكتوبر/تشرين الأول، عندما رد حزب الله لأول مرة على إسرائيل، ارتفع عدد الضربات الإسرائيلية على الأراضي اللبنانية، مما أسفر عن قتل المئات من المدنيين.
وقد لفتت الأحداث المتلاحقة انتباه وسائل الإعلام، وخاصة الهجوم المأساوي على المرافق المدرسية في غزة، والذي أسفر عن سقوط العديد من القتلى بين الأطفال الأبرياء.
ويرى كثيرون أن هذا الاستخفاف الصارخ بحياة المدنيين يشير إلى نمط أوسع من العنف يتجاهل الاعتبارات المتعلقة بحقوق الإنسان.
وبينما تستمر الحرب، يتغير الخطاب السياسي داخل الولايات المتحدة أيضًا.
تدرس جيل ستاين، المرشحة للرئاسة الأمريكية عن الحزب الأخضر، الآن قائمة من المدافعين عن حقوق الفلسطينيين لمنصب نائب الرئيس.
وتأتي هذه الخطوة الاستراتيجية في الوقت الذي يتزايد فيه خيبة الأمل في وجهات النظر الديمقراطية السائدة بشأن (إسرائيل)، وخاصة في ضوء حملة الرئيس جو بايدن التي تم تعليقها الآن.
ويرى خبراء الاستراتيجية السياسية أن وجود مدافع صريح عن حقوق الفلسطينيين على قائمة المرشحين لا يمكن أن يحفز الناخبين المحبطين فحسب، بل ويرفع من مستوى الحوار المحيط بالسياسة الخارجية الأميركية فيما يتصل بالعلاقات الإسرائيلية الفلسطينية.
والواقع أن كل المرشحين قيد النظر يتمتعون بتاريخ من الدعوة ضد الدعم الأميركي الحالي ل(إسرائيل) ومجمعها الصناعي العسكري.
تأثير غير مسبوق بالولايات المتحدة
إن التداعيات الأوسع نطاقا للصراع في غزة تتسرب إلى المشاعر الانتخابية في الولايات المتحدة، وتؤثر بشكل خاص على المجتمعات التي تضم أعدادا كبيرة من السكان العرب الأميركيين.
وتشير البيانات إلى أن مكانة بايدن تراجعت بشكل حاد بين هذه المكونات في أعقاب اندلاع الصراع.
ويزعم أصوات بارزة بين هذه التركيبة السكانية أن التحالفات السياسية المحتملة داخل الحركات التقدمية يجب أن تعكس نهجا أكثر شمولا للسياسة الخارجية، وهو النهج الذي يتردد صداه بشكل أصيل مع تجاربهم وتطلعاتهم إلى السلام.
لقد نشأت حركات شعبية تدعو إلى تسليط الضوء على الظروف المزرية التي يواجهها الأسرى والمعتقلون السياسيون الفلسطينيون في ظل العمليات العسكرية الجارية.
وتكشف التقارير عن انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان داخل مرافق الاحتجاز الإسرائيلية، مما يثير الإنذارات بشأن الظروف التي تتجاوز بكثير المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
أكد رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين في فلسطين قدورة فارس على ضرورة التضامن العالمي ضد ممارسات الاحتلال الإسرائيلي، مطالبا المجتمع الدولي بالاعتراف بالانتهاكات الممنهجة التي يتعرض لها الأسرى السياسيون، بما في ذلك الاكتظاظ والتعذيب وأشكال أخرى من العقوبة الجماعية.
وتشير التقارير إلى أن العنف الجنسي وسوء المعاملة وصلا إلى مستويات مثيرة للقلق في السجون الإسرائيلية، حيث يتعرض المعتقلون لظروف وحشية تذكرنا بالفظائع التاريخية التي ارتكبت في مراكز الاحتجاز سيئة السمعة في جميع أنحاء العالم.
وتثير هذه الاكتشافات تساؤلات خطيرة بشأن أخلاقيات وقانونية ممارسات دولة الاحتلال الإسرائيلي تجاه الأسرى الفلسطينيين.
ودعت التحالفات إلى تنظيم احتجاجات حاشدة لرفع مستوى الوعي على مستوى العالم، وحثت الدول على فرض العقوبات ومحاسبة الحكومة الإسرائيلية على أفعالها.
وقد أثارت الحاجة الملحة إلى معالجة الأزمة الإنسانية في غزة استجابة جماعية، حيث حشدت المنظمات الدعم وطالبت المجتمع الدولي بالتدخل.
وفي ضوء الإهمال التاريخي لحقوق الفلسطينيين في الخطاب العالمي، يرى كثيرون أن اختيار شتاين المحتمل لمنصب نائب الرئيس يشكل فرصة لتحدي المعايير الراسخة في السياسة الأميركية فيما يتصل بالسياسة الخارجية.
ومن خلال وضع مدافع صريح عن حقوق الفلسطينيين على قائمة المرشحين، يأمل المؤيدون إعادة تشكيل المحادثات وتحفيز المحاسبة الأكثر جوهرية للعواقب المترتبة على التواطؤ الأميركي في العنف المستمر.
ومع ارتفاع عدد الضحايا وتدهور الأوضاع الإنسانية في غزة، تستمر الفجوة بين الروايات السياسية والحقائق على الأرض في الاتساع.
إن الحواجز النظامية التي تعوق السعي إلى السلام لا تؤدي إلا إلى تكثيف الدعوة إلى العمل الجماعي العالمي ضد الظلم الذي يواجهه الشعب الفلسطيني.
وإن استمرار الحرب الإسرائيلية يثير تساؤلات ملحة حول مستقبل المنطقة. فمع كل ضربة، يتضاءل الأمل في التوصل إلى حل؛ ومع كل اغتيال، تتعزز دورة الانتقام.
ولعل الدور الذي تلعبه الأطراف الدولية المعنية في السعي إلى تحقيق حل الدولتين يحمل المفتاح إلى تمكين الأجيال القادمة من التعايش السلمي.
وفي ظل هذا المشهد الجيوسياسي المتوتر، يراقب العالم بفارغ الصبر، في انتظار علامات التغيير التي قد تنير الطريق نحو الحل، وتمنع المزيد من الخسائر في الأرواح، وتعزز مشهدا أكثر عدالة وإنصافا لجميع الأطراف المعنية.
ومع استمرار المناقشات بشأن مستقبل دولة الاحتلال الإسرائيلي وسياساتها تجاه فلسطين، أصبح من الواضح بشكل متزايد أن الأصوات التي تنادي بالعدالة والسلام لا يمكن إسكاتها. بل إنها بدلاً من ذلك ترتفع أكثر فأكثر، وتسعى إلى الاعتراف بالكرامة والحقوق والحياة الإنسانية في ظل مشهد محاصر.