السعودية والإمارات في صف “إسرائيل” أملا بالقضاء على المقاومة
يجمع المراقبون على أن كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة تقفان في صف دولة الاحتلال الإسرائيلي أملا بالقضاء على المقاومة سواء في فلسطين أو لبنان.
ويبرز الموقفان الإماراتي والسعودي في الدعم الخفي لحرب الإبادة الإسرائيلية على غزة ولبنان في وقت يَصعُب الزعم بأن ثمة رؤية أو استراتيجية واضحة تتشكل من خلالها المواقف السياسية لدول مجلس التعاون تجاه الحرب الإسرائيلية الدائرة منذ عام ونيف.
وإذا كانت مواقف كل من الإمارات والبحرين تبدو أكثر قربًا وانسجامًا، فإن باقي الدول الأخرى تنزاح إلى مواقف مُغايرة، على أن ذلك لا يمنع القول بأن كلاّ من قطر والسعودية وسلطنة عُمان هي أكثر الدول تفاعلاً وحضورًا؛ مقارنة بالكويت، بحسب ما أبرز مركز البيت الخليجي للدراسات والنشر.
وفيما تبرز عديد التكتيكات التي يمكن رصدُها من خلال مواقف دول مجلس التعاون الخليجي، إلا أن أيًا من هذه التكتيكات لا يتسم بالاستمرارية أو الصلابة بما يكفي لتكون استراتيجية يمكن الوقوف عندها أو البناء عليها.
وتعبر مواقف دول الخليج المتضاربة والمتقلبة، عن أن هذه المواقف والخطابات السياسية هي عرضة للتغيير أو التراجع في أي لحظة.
تتكررُ مواقف دول المجلس المُنددة بالحرب الإسرائيلية على غزة منذ بدء 7 أكتوبر 2023، بالتوازي، لا يبدو أن هناك اجماعًا بينها حول الحرب الدائرة في لبنان بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله منذ سبتمبر الماضي.
في نوفمبر 2023، دعت السعودية إلى قمة عربية إسلامية مشتركة طارئة في الرياض، وذلك استجابةً للظروف الاستثنائية في غزة.
كما تنشط الإمارات بشكل ملحوظ من خلال “دبلوماسية المساعدات” ويعتبر فريقها الإغاثي الأهم عربيًا ودوليًا. بالتوازي، تقود قطر، بالشراكة مع مصر وتحت غطاء أمريكي، مسار المفاوضات المتعثر للوصول إلى إيقاف دائم لإطلاق النار وإتمام صفقة تبادل للأسرى.
السعودية الإمارات: رؤية واحدة بمسارين
رغم هذا الحضور الوضاء لدول الخليج، لا يمكن إغفال أن الدبلوماسية الخليجية لا تمارس أي ضغوط حقيقة على واشنطن لإنهاء هذه الحرب.
ورغم أن هذا الزعم يبقى فرضية تحتاج إلى تأكيد إلا أن المحتوى الإعلامي لأذرع بعض دول الخليج، وبالخصوص السعودية والإمارات، يؤكد أن هذه الدول ترى في هذه الحرب فرصة لا تفوّت لإضعاف، وربما القضاء على المقاومة وما تعتبره أبوظبي والرياض أذرع إيران النافذة في المنطقة، وبالخصوص حزب الله اللبناني.
ويشير التناقض بين المواقف السياسية الصادرة عن وزارات الخارجية والبيانات الحكومية ومحتوى وسائل الإعلام الحكومية والخاصة في هذه الدول، وفي مقدمتها قناتي العربية وسكاي نيوز عربية، إلى أن هناك سردية/ رواية يتم التركيز عليها تتلخص في تحميل محور الممانعة، مسؤولية ما يحدث.
وتنطلق هذه الرؤية من أن لجوء المقاومة للعمل العسكري، كان ولا يزال، السبب في تعقيد المشهد وتعريض آلاف الفلسطينيين للقتل والتشريد، يُضاف لذلك، أن هذه المقاومة من تعطل تطبيع العلاقات الخليجية الإسرائيلية.
ورغم ما يجمع السعودية والإمارات والبحرين من قواسم مشتركة إلا أنه يمكن التنبه إلى نقاط الاختلاف ورصدها.
إذ أن الرياض تبدو أكثر حذرًا في ما يتعلّق بملف التطبيع مع “إسرائيل” وأكثر ميلاً إلى استلام أثمان أي صفقة سياسية مقدمًا، وهو ما لا يتناسب مع أبوظبي التي تراهن على القفز المبكر في ملف التطبيع وتشبيك العلاقات مع تل أبيب.
وقد برز ملف تطبيع العلاقات بين دول الخليج و”إسرائيل” باعتبار الأخيرة بديلًا يُمكنه تعويض خروج الولايات المتحدة من المنطقة والاتجاه شرقًا، نحو روسيا والصين.
على الأرض، لا تزال الولايات المتحدة تحتفظ بقواعدها العسكرية في جميع دول الخليج، ويفقد هذا الزعم كثيرًا من وجاهته، بالنظر إلى مساعي دول الخليج الحثيثة لتوقيع المزيد من الاتفاقات الدفاعية مع واشنطن من جهة ولتصحيح مسار علاقاتها مع إيران من جهة أخرى.
ويبرز ذلك بالخصوص من خلال إعلان دول الخليج بوضوح، في الأيام القليلة الماضية، عن أنها لن تسمح باستخدام أي من قواعدها العسكرية أو أجوائها في توجيه أي ضربة عسكرية إسرائيلية أو أمريكية على إيران.
تاريخيًا، وقبل دخول بريطانيا إلى الخليج عام 1820، استطاعت دول الخليج وقد كانت آنذاك مشيخات ضعيفة إدارة علاقاتها مع إيران لنحو قرنين من الزمان.
إن ما يتبدّى اليوم، أكثر من أي وقت مضى، هو أن دخول “إسرائيل” إلى الخليج لا يمثل ضمانة لأمن دوله قبالة إيران بقدر ما يزيد المشهد تعقيدًا. إن تحويل مدن وموانئ دول الخليج العربية لمنصات إسرائيلية أو مسرحًا لعمليات الموساد وصراعات طهران وتل أبيب، يُعرض أمن هذه الدول للمزيد من المخاطر.
بالرجوع إلى مشهد الحرب في غزة ولبنان، وبافتراض أن الثلاثي، السعودية والإمارات والبحرين، يرسم مواقفه ببراغماتية تقوم على الاستفادة من تصفية “إسرائيل” حماس وحزب الله، نجد أن خروج تل أبيب بانتصار ساحق لا ينطوي على أي مصلحة لدول الخليج.
إذ أن خروج “إسرائيل” من هذه الحرب وهي آمنة، داخليًا وعلى حدودها، يحررها تمامًا من مناقشة حل الدولتين فضلًا عن القبول به. أكثر من ذلك، هو يُحرر واشنطن من حاجتها للضغط على تل أبيب لتقديم أي تنازلات لتطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب.
وعليه، تصبح سلة الحوافز التي اشترطتها الرياض لتطبيع علاقاتها مع تل أبيب قد انتهت.
قطر: تكتيكات مخنوقة
منذ 7 أكتوبر 2023، تتحرك مكنة قطر الدبلوماسية للوصول إلى اتفاق ينهي الحرب في غزة دون جدوى، لم تستطع قطر الوصول لهذا الاتفاق، بسبب تعنّت الإسرائيليين الذين وضعوا المتاريس في عجلة التسوية، واحدًا تلو الآخر.
تقف الدوحة في مواجهة تل أبيب إعلاميًا، أثارت ذراع قطر الإعلامية، قناة الجزيرة، ولا تزال، غضب الإسرائيليين من خلال تغطياتها المباشرة وتركيزها على الانتهاكات التي يمارسها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة.
تتبنى قناة الجزيرة سياسة تحريرية واضحة تُجرم إسرائيل وعملياتها وتعتبر ما يحدث إبادة جماعية للفلسطينيين في القطاع، وهي بذلك، تقدم سردية مغايرة لما تبثه قناة العربية (السعودية) وسكاي نيوز عربية (الإمارات) تماماً.
سياسياً، تبدو التحركات الدبلوماسية التي يقوم بها رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية القطري عاجزة عن أن تكون فعّالة ومؤثّرة.
فيما الاشتباك الإعلامي بين تل أبيب والدوحة حول قناة الجزيرة على أشده، كما أن الدعاية الإسرائيلية، القديمة الجديدة، التي تروّج لقطر باعتبارها تدعم قوى الإسلام السياسي المتطرفة في المنطقة، تؤثر على القطريين الذين يخشون أن يؤدّي المزيد من الضغط على العواصم الغربية لإيقاف الحرب إلى تأكيد هذه الدعاية التي تستثمر فيها “إسرائيل” ودول خليجية أخرى بتركيز واهتمام.
يبذل القطريون جهدًا مضاعفًا في ترتيب وضبط خطواتهم ومواقفهم السياسية والإعلامية، ويراهنون في تفنيد هذه الدعاية على تعزيز علاقاتهم الثنائية مع واشنطن باعتبار الدوحة الحليف الأقرب والأهم لواشنطن في المنطقة، وهو تكتيك ناجح نسبيًا، لكنه في المقابل، يحدّ من النفوذ القطري ويُحجمه.
الكويت وعُمان: تبادل أدوار
لعقود، كانت الكويت إحدى أبرز الدول الخليجية والعربية الداعمة للقضية الفلسطينية. من الواضح أن الموقف الكويتي يبدو أكثر انكفاءً على مستوى الدولة ومؤسساتها السياسية.
قد يعود ذلك إلى أن البلاد تمر بمرحلة تغيير سياسي عميق، كما أنه قد يكون له مسببات أخرى، لعل من أهمها التناسق مع الموقف السعودي الذي تهتم الكويت بتكييف سياساتها الخارجية معه.
وقبالة تراجع الكويت، يمكن ملاحظة الموقف العماني الذي يبدو أكثر حضورًا واشتباكًا مع الحرب الدائرة في غزة.
تجدر الإشارة إلى أنه يوجد تغيّر جذري في الخطاب الحكومي في السلطنة، وبالتحديد ما يتعلق بالخطاب الحكومي والادانات المتتالية لإسرائيل، وهو ما ينسجم مع موقف شعبها والمؤسسة الدينية، وهو الموقف الذي يمكن تصنيفه ضمن المواقف الأكثر مساندة ومؤازرة للشعبين الفلسطيني واللبناني على المستوى الخليجي والعربي أيضًا.
لكنّ تبادل الأدوار بين عمان والكويت فيما يتعلّق بمستوى الاهتمام بالحرب، لا يُغير من مستوى التأثير، خصوصًا وأن هذه المواقف لا تنطوي على استراتيجيات أو تكتيكات خاصة.
افتقاد الاستراتيجية
خلصت الدراسة إلى أن دول الخليج تفتقر لاستراتيجية أو رؤية تنظم مواقفها السياسية وجهودها الدبلوماسية وخطاباتها الإعلامية تجاه الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، وهو ما يشير إلى أن اختلاف الرؤى والتباينات السياسية بين دول المجلس لا تزال فاعلة.
ولا تزال دول الخليج تدير ملف علاقاتها مع كل من “إسرائيل” وإيران بالاعتماد على يوميات الصراع بين طهران وتل أبيب لا على استراتيجيات وتكتيكات صلبة وجامعة تضمن مصالح دول الخليج العربية واستقرار المنطقة، وهو ما يحيل إلى تناقض لافت في السياسات وفي الخطاب الإعلامي لدول المجلس.
وإن تراجع دول الخليج عن لعب دور سياسي ودبلوماسي مؤثر وفارق في الأزمة، قد يحدُ من أدوارها المستقبلية ويجعلها رهينة بالفراغات التي تتركها كل من “إسرائيل” وإيران لها، وهو ما قد يؤدي إلى تراجع نفوذها.
بموازاة ذلك لم يمنح تطبيع العلاقات مع “إسرائيل” أي أفضلية لدول الخليج في التأثير على السياسات الإسرائيلية في الحرب، كما أنه لم يمنح تل أبيب القدرة على الاستفادة من دول الخليج في صراعها مع إيران.