رصاصات “الفراشة الحديدية” المتفجرة.. أسلحة الاحتلال الفتاكة ضد الفلسطينيين
يخلف الاستخدام المتزايد للرصاص المتفجر من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، على الرغم من حظره دوليا، خسائر فادحة في صفوف المدنيين في الضفة الغربية المحتلة.
وقد كان الطفل محمد حوشية (12 عاماً) متوجهاً إلى الملعب الرياضي المجاور لمنزله في مدينة رام الله، عندما تفاجأ فجأة بمركبات عسكرية إسرائيلية اقتحمت حي أم الشرايط في وضح النهار يوم 14 حزيران/يونيو الماضي.
حاول محمد التراجع قليلا، إلا أن جنديا إسرائيليا أطلق عليه رصاصة متفجرة اخترقت بطنه، ما أدى إلى سقوطه على الأرض، وبدلا من إسعافه، بقيت المركبة في وسط الشارع، ومنعت أحدا من مساعدته.
وبدأ الاحتلال الإسرائيلي يكثف بشكل متزايد من استخدام هذا النوع من الرصاص المحظور دوليا بسبب الأضرار الخطيرة التي يسببها للجسم، حيث يؤدي إلى إصابات بالغة والوفاة في كثير من الحالات.
وهذا النوع من الرصاص يُعرف بين الفلسطينيين بـ”الفراشة الحديدية” أو “سلاح الشفرة” لأن الرصاصة تدخل الجسم ثم تفتح داخله، وتسبب أجنحتها الحديدية أضراراً بالغة لكل ما تلمسه.
أجنحة الدمار الحديدية
وقالت حنين حوشية والدة محمد لموقع “كرونيكل فلسطين” إن ابنها بقي ملقى على الأرض لأكثر من 40 دقيقة قبل أن يتمكن أحد الجيران من نقله إلى المستشفى، بسبب استمرار تواجد جيش الاحتلال في المنطقة.
وأضافت “لم أتمكن من الذهاب إلى المستشفى للاطمئنان عليه بسبب الغارات الإسرائيلية المستمرة، وعلمت من والده أنه أصيب برصاصة في البطن، فطمأنني الأمر قليلاً، ولم أكن أعلم أنها رصاصة متفجرة ستدمر جسده”.
وفي الساعة السابعة مساء خضع محمد لعملية جراحية، تلقى خلالها عشر وحدات دم بسبب النزيف الشديد، وانتهت العملية عند منتصف الليل، حيث تمكنت والدته من الوصول إلى المستشفى.
خرج الطبيب وأخبر والديه أن حالته حرجة، وأن الرصاصة أصابت البنكرياس والطحال والكبد والشريان الرئيسي للقلب، وقد حاول الأطباء إصلاحها ولكن دون جدوى.
والأمر المثير للدهشة هو أن محمداً لم ينزف أبداً وهو ملقى على الأرض.
وأوضح الطبيب أن هذه الرصاصة تخلق ثقبًا صغيرًا جدًا حيث تدخل، ثم تفتح شفراتها الحديدية الحادة لتدمر كل ما أمامها، وإذا خرجت من الجسم فإنها تخلق ثقبًا كبيرًا.
أمضى محمد ثمانية أيام في العناية المركزة قبل أن يموت متأثراً بجراحه، مودعا طفولته وعائلته.
ويسبب هذا النوع من الرصاص أيضًا تلفًا وتفتيتًا في العظام، وإصابات في الشرايين والعضلات في نفس منطقة الكسر.
قد تحتاج العظام إلى ما يصل إلى ثلاثة أشهر للشفاء، في حالة عدم وجود مضاعفات مثل الالتهاب أو عدم الشفاء أو التأخير.
أضرار لا يمكن تصورها
هناك نوعان من الرصاص المتفجر: “توتو” الذي يطلق من بندقية خاصة تسمى روجر، و”دمدم” وكلاهما ينفجران عندما يصطدمان بالجسم، ويتحولان إلى شظايا في الداخل، مما يسبب إصابات خطيرة.
وتقول منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية “بتسيلم” إن الجيش الإسرائيلي يستخدم على نطاق واسع رصاص “التوتو” لتفريق المتظاهرين الفلسطينيين، رغم أن هؤلاء لا يشكلون تهديداً للجيش، ورغم نفي الجيش استخدامه له.
وأعربت المنظمة في أحد تقاريرها عن استخفاف إسرائيل الصارخ بأرواح الفلسطينيين وأجسادهم وسلامتهم.
لا يزال عبد الرحمن حسن يعاني من آثار الرصاصة المتفجرة التي أصيب بها قبل عشرين عاماً.
وكان عمره حينها 16 عاماً، وكان برفقة أصدقائه بالقرب من المدخل الشمالي لمدينة بيت لحم عندما أطلق جندي إسرائيلي النار عليه، ما أدى إلى إصابته في رأسه.
تسببت الرصاصة في نزيف حاد رغم أنها لم تستقر في الرأس، وتم نقله إلى المستشفى حيث أصيب بجرح قطعي في منطقة الصدغ الحساسة.
وقال حسن “بقيت في العلاج لمدة شهر كامل في المستشفى، وبعد ذلك بدأت في التعافي”.
وتابع “لكنني حتى الآن أعاني من آلام في مكان الإصابة بسبب البرد، وأضطر إلى ارتداء قبعة طوال اليوم في الشتاء، حتى عندما أنام، لحماية مكان الإصابة من الألم”.
والرصاصة المتفجرة التي أصابت حسن، بحسب ما وصفه الأطباء له، كانت بحجم ضعفي حجم الرصاصة العادية، وعادة ما تحتوي على قنبلة متفجرة صغيرة داخلها، تخترق الجسم ثم تنفجر.
وتكمن خطورة هذا النوع من الرصاص في أنه يمزق الأنسجة والأوردة والعضلات، مما يؤدي إلى بتر العضو الذي يصيبه.
وقال الطبيب لحسن إنه كان محظوظاً للغاية لأن الذين يصابون بمثل هذه الرصاصة في الرأس عادة ما يموتون على الفور أو بسبب نزيف حاد.
ويركز قناصة الاحتلال الإسرائيلي على الجوانب العلوية عند استهداف الفلسطينيين خلال المظاهرات بهذا النوع من الرصاص، كما يضيفون إليه اليورانيوم المنضب لجعل الرصاصة أكثر فتكًا وتدميرًا واختراقًا.
وحشية بلا عقاب
وقال عمر رحال مدير مركز شمس لحقوق الإنسان إن الجيش الإسرائيلي يجرب أنواعًا مختلفة من الأسلحة على الفلسطينيين على مدى العقدين الماضيين، ففي البداية استخدم الرصاص المطاطي، ثم الرصاص البلاستيكي، والآن الرصاص المتفجر.
وأوضح رحال أن “إسرائيل” تستمر في تجاهل القانون الدولي الذي يحظر استخدام مثل هذه الأسلحة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أنها تتجنب العقاب بفضل حماية الولايات المتحدة التي تستخدم باستمرار حق النقض في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
وأضاف أن المجتمع الدولي لم يصل قط إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يسمح بفرض عقوبات مثل التدابير الاقتصادية والتجارية، بل إن كل قرارات مجلس الأمن كانت تستند إلى الفصل السادس الذي لا يقدم سوى التوصيات.
وذكر أن “عدم محاكمة الضباط والجنود والسياسيين أمام المحاكم الجنائية الدولية أو القضاء الدولي هو أحد الأسباب التي تدفع دولة الاحتلال إلى استخدام هذا السلاح المحرم دوليا”.