
بينما تستمر جرائم الاحتلال في الضفة وغزة، وتتعالى صرخات الفلسطينيين تحت القصف والاعتقالات، يبدو أن قيادة السلطة الفلسطينية منشغلة بأمور أخرى بعيدة كل البعد عن آلام الشعب.
فقد استقبل رئيس السلطة محمود عباس، اليوم الثلاثاء، قائد الارتباط العسكري اللواء ناصر البوريني ووفدًا من قيادة الجهاز، في مشهد يؤكد استمرار سياسة التنسيق الأمني رغم جرائم الاحتلال المستمرة.
وخلال اللقاء، قدم البوريني التهاني لعباس بمناسبة عيد الفطر، متمنيًا تحقيق “الحرية والاستقلال”، وكأن السلطة نفسها لم تكن العقبة الأكبر أمام تحقيق ذلك، بممارساتها المستمرة في التعاون الأمني مع الاحتلال الذي يواصل حصار غزة، وقتل الفلسطينيين، واجتياح مدن الضفة بشكل يومي.
قادة التنسيق الأمني
ولم يكن تعيين ناصر البوريني في منصب قائد الارتباط العسكري سوى حلقة جديدة في مسلسل الفساد داخل السلطة، حيث تتكرر مشاهد تعيين المقربين من عباس ومحيطه في مناصب حساسة، دون أي اعتبار للكفاءة أو النزاهة.
فالبوريني لم يكن ضابطًا بارزًا في العمل العسكري أو الأمني، بل بدأ مسيرته كحارس شخصي لرئيس الوزراء السابق محمد اشتية، وسلفه رامي الحمد الله، ثم حارسًا لمحمود عباس نفسه، قبل أن يُكافأ بهذا المنصب الرفيع.
لكن الأخطر من ذلك، أن موقع قائد الارتباط العسكري يتطلب بالضرورة علاقات وثيقة مع الاحتلال، وهو ما يطرح تساؤلات خطيرة حول طبيعة هذه التعيينات ومدى ارتباطها باستمرار التنسيق الأمني الذي يُستخدم ضد المقاومة والشعب الفلسطيني.
علاقات مشبوهة واستغلال النفوذ
ولا تتوقف علامات الاستفهام حول البوريني عند التعيين المشبوه فقط، بل تتعداها إلى ممارساته داخل السلطة نفسها.
فقد استغل منصبه وقربه من القيادات العليا في السلطة لفرض نفوذه، حتى على موظفي السلطة ذاتها.
وكان أبرز تلك الحوادث في عام 2022، حينما تسبب بشجار مع رئيس وحدة العلاج في الخارج بوزارة الصحة، هيثم الهدري، بسبب رفض الأخير تمرير طلب مالي شخصي للبوريني.
ولم يمضِ وقت طويل حتى تم نقل الهدري من منصبه، في دليل آخر على أن سلطة عباس تدار بعقلية الولاءات الشخصية لا الكفاءة الإدارية.
المفارقة أن هذه القضية وصلت إلى الإعلام العبري، حيث كشفت قناة “كان” العبرية أن الشجار مع البوريني كان السبب الحقيقي لنقل الهدري، وليس فضيحة وفاة الطفل سلمان النواتي التي كان متورطًا فيها.
وهذا يكشف مدى سطوة البوريني داخل حكومة اشتية، ومدى تغلغل الفساد في أروقة السلطة.
السلطة تواصل التنسيق الأمني رغم المجازر
وتأتي هذه اللقاءات في وقت تعيش فيه الضفة الغربية حالة غير مسبوقة من العدوان الإسرائيلي، حيث تتواصل الاقتحامات الليلية، والاعتقالات، وهدم المنازل، وسط صمت رسمي مخزٍ من قبل السلطة الفلسطينية.
ومع ذلك، لا يزال محمود عباس وقيادة السلطة يكرسون جهودهم لاستقبال قادة الأجهزة الأمنية، بدلًا من اتخاذ خطوات حقيقية لحماية الفلسطينيين أو وقف التعاون مع الاحتلال.
وإن استمرار سياسة التعيينات المبنية على الولاء الشخصي، بدلًا من الكفاءة، إلى جانب احتضان شخصيات مشبوهة مثل البوريني، يؤكد أن السلطة ليست معنية بأي إصلاح حقيقي، وإنما هي مستمرة في خدمة أجندات لا تصب في مصلحة الشعب الفلسطيني.