أي غزو بري إسرائيلي في لبنان محكوم عليه بالفشل
يجمع مراقبون على أن أي غزو بري إسرائيلي في لبنان سيكون محكوما عليه بالفشل كونه مهمة أكثر تعقيدًا بكثير من الضربات التي تقودها الاستخبارات الإسرائيلية والتي تم تنفيذها حتى الآن ضد حزب الله.
وبحسب تحليل نشرته صحيفة “الجارديان” البريطانية فإنه لا توجد حربان متشابهتان، حتى تلك التي تدور رحاها بين نفس الطرفين المتحاربين على نفس الأرض. ولكن العديد من التحديات تظل كما هي.
أبلغ أعلى قائد عسكري إسرائيلي قواته أن الغارات الجوية ستستمر داخل لبنان في حين يستعد الجيش الإسرائيلي لعملية برية محتملة. وإذا عبرت قواته الحدود الشمالية فمن المرجح أن تواجه عقبات سبق أن واجهتها.
عندما دخلت الدبابات الإسرائيلية جنوب لبنان في عام 2006 (وليس للمرة الأولى) وجدت خصماً تغير بشكل كبير منذ الانسحاب الإسرائيلي من لبنان قبل ست سنوات.
وحتى في تلك الفترة القصيرة، نجح حزب الله في تنظيم قدراته وتطويرها. ففي منطقة الحدود الوعرة التي تطل عليها التلال الصخرية شديدة الانحدار، تم إعداد أنفاق قتالية. وتم تكييف تكتيكات وأسلحة جديدة من شأنها أن تزعج القوات الإسرائيلية عند دخولها.
وكانت الدبابات على وجه الخصوص عرضة للصواريخ المضادة للدبابات، في حين أطلق مقاتلو حزب الله وجماعته المتحالفة حركة أمل قذائف الهاون على وحدات المشاة الإسرائيلية المتقدمة أثناء شق طريقهم عبر البساتين وحقول التبغ.
بالنسبة لأولئك الذين شهدوا القتال عن قرب، فقد كان ذلك درساً مفيداً.
في تلك الحرب ــ كما في هذه الحرب ــ سيطرت الطائرات الإسرائيلية بدون طيار على الأجواء، وقصفت البنية الأساسية ومواقع حزب الله دون مقاومة.
وكانت الزوارق الحربية الإسرائيلية، التي كانت تحلق في الأفق في كثير من الأحيان، تقصف الساحل، وتهدد الطريق الساحلي الرئيسي يوميا. ولكن عند الاقتراب من الحدود، كانت الصورة مختلفة تماما.
في ذلك الوقت، كما هو الحال الآن، كان حزب الله يمتلك مواقع معدة جيداً. وكانت الصواريخ تنطلق من مواقع مخفية على سفوح التلال القريبة، فتستدعي ضربات مضادة من جانب “إسرائيل”، سواء من الطائرات النفاثة أو المدفعية على الحدود، ويبدو من المستحيل النجاة منها.
ولكن في كثير من الأحيان، بعد توقف لبضع ساعات، كانت الصواريخ تنطلق مرة أخرى من نفس المكان، فتبدأ دورة جديدة من الهجمات.
وفي تعليقاته أمام الجنود، بدا رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي هيرتسي هاليفي وكأنه يشير إلى حقيقة مفادها أن أي توغل بري، إذا أمر به، سيكون صعباً وسيواجه معارضة شديدة.
والحقيقة هي أن أي حملة برية ستكون مهمة أكثر تعقيداً بكثير من الهجمات التي تقودها الاستخبارات والتي تسعى “إسرائيل” إلى تنفيذها في مناوراتها باستخدام أجهزة الاتصال المتفجرة والغارات الجوية التي تلت ذلك.
إخفاقات حروب سابقة
إن إخفاقات حرب عام 2006 ــ التي حددتها لجنة فينوغراد اللاحقة ــ كان لها آباؤها الخاصون، بما في ذلك مجموعة ثلاثية من القادة الإسرائيليين عديمي الخبرة في زمن الحرب: رئيس الأركان آنذاك، دان حالوتس، الطيار المقاتل السابق الذي واجه صعوبة في تنسيق الحركات البرية، فضلاً عن رئيس الوزراء آنذاك إيهود أولمرت، ووزير الجيش عمير بيريتس.
وكما كتب المراسل العسكري لصحيفة هآرتس عاموس هاريل في عام 2016، بعد عقد من الحرب: “تم نقل فرق الجيش الإسرائيلي بلا هدف، مع عجز الحكومة والجيش عن تحديد المناورة التي من شأنها أن تمنحهم اليد العليا”.
ورغم أن جيش الاحتلال نجح في تحسين دروعه لكي يتمكن من الدفاع بشكل أفضل ضد الأسلحة المضادة للدبابات المتحركة والاستعداد للقتال في لبنان، فإنه يظل من غير الواضح ما إذا كان التوغل البري الإسرائيلي قادراً على تجنب نفس المزالق. أو ما إذا كانت أهدافه أكثر واقعية.
إن حزب الله الآن أفضل تسليحاً بكثير مما كان عليه في عام 2006، وأصبح مقاتلوه أكثر خبرة في القتال بعد سنوات من القتال في سوريا، ولكن يبدو أن “إسرائيل” تقع في نفس الفخ المفاهيمي المتمثل في سوء فهم طبيعة الحزب.
وفي حين نجحت عملية النداء والضربات الإسرائيلية في إزالة مستويات من القيادة والسيطرة، فإن جوهر حزب الله كقوة لبنانية لا يزال سليما في نهاية المطاف.
وفي جوهرها تظل قوة محلية متمركزة في المدن والقرى والريف ولديها مهمة واحدة ومفهومة جيداً: مقاومة القوات الإسرائيلية.
وبينما شهد حزب الله لحظة “الصدمة والرعب” في هجمات أجهزة النداء واللاسلكي والغارات الجوية، فإن “إسرائيل” تعاني من عيوبها الخاصة ــ ليس أقلها الإرهاق المتزايد ليس فقط في قدرتها العسكرية، بل وأيضاً في الإرهاق المتزايد في المجتمع الإسرائيلي بعد عام من الحرب على غزة.
لقد تم نقل العديد من الوحدات التي كانت تقاتل في غزة إلى الشمال. كما أن الأزمة المتفاقمة في الضفة الغربية تستنزف طاقات الشعب الفلسطيني مع استمرار حرب الإبادة في غزة.
لقد تباهى جيش الاحتلال منذ فترة طويلة بالقتال على جبهات متعددة، ولكن العملية الطويلة المروعة ضد المقاومة في غزة لم تكتمل بعد ولا توجد خطة واضحة لليوم التالي.
وقد أظهرت الحرب في غزة أوجه القصور في التفكير العسكري الإسرائيلي – ليس أقلها فكرة أن حرب المناورة يمكن أن تهزم الجهات الفاعلة غير الحكومية التي تتصرف أحيانًا مثل القوات التقليدية ولكنها قد تلجأ أيضًا إلى حرب غير تقليدية.
وخلصت صحيفة الجارديان: إذا كان للتاريخ أن يعلمنا أي شيء ــ وفي أعقاب غزوات “إسرائيل” السابقة للبنان في عام 1978، وفي عام 1985 (التي أدت إلى احتلال دام حتى عام 2000)، وفي عام 2006 ــ فإن أي غزو بري من المرجح أن يفشل في تحقيق أهدافه.