معالجات اخبارية

حرب غزة كارثة بيئية.. نفايات سامة وأمراض منقولة

تسبب القصف الإسرائيلي المتواصل لقطاع غزة على مدى الأشهر الحادي عشر الماضية في عواقب إنسانية لا يمكن وصفها، ولكنه سوف يخلف أيضاً آثاراً دراماتيكية ودائمة ويمثل كارثة على البيئة الطبيعية المهددة بالفعل في غزة بل وعلى المنطقة بأسرها.

وفي شهر يونيو/حزيران، نشر مركز الدبلوماسية البيئية التطبيقية في معهد أرافا للدراسات البيئية تقريراً جديداً موسعاً عن التأثير البيئي للهجوم الإسرائيلي المستمر على غزة.

ويغطي التقرير عدداً لا يحصى من الأضرار البيئية الناجمة عن الحرب من الكم الهائل من الغبار السام المنبعث من قصف المباني، إلى انهيار إدارة النفايات، وتدمير مرافق معالجة المياه وانتشار الأمراض المنقولة بالمياه.

ورغم أن الفلسطينيين في غزة هم الذين يواجهون أشد التهديدات خطورة، فإن التقرير يوضح أن المنطقة بأكملها الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط ​​تشكل جزءاً من نظام بيئي واحد، حيث تترابط الصحة والبيئة في توازن هش.

وقد تجلى هذا بشكل خاص في الاكتشاف الأخير لفيروس شلل الأطفال في مياه الصرف الصحي في غزة.

ولفهم التأثير البيئي للحرب بشكل أفضل، تحدثت مجلة +972 مع الدكتورة مريم عبد الحي، الباحثة في الديناميكيات الاجتماعية والتأثيرات البيئية للصراعات.

ما هو الوضع البيئي في غزة الآن؟

إن الوضع مقلق للغاية. فقبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، كانت البيئة في غزة بالفعل في حالة هشة للغاية.

فقد أدت سنوات من حملات القصف الإسرائيلي، والقيود الإسرائيلية والمصرية على الواردات، والحكم غير السليم إلى نقص مزمن في الكهرباء وتأخير بناء المرافق الأساسية.

وكان الوصول إلى المياه النظيفة منخفضا للغاية، حيث تعتمد غزة على ثلاثة خطوط أنابيب من “إسرائيل”، وكان 97 في المائة من مياه الشرب ملوثة وغير آمنة.

كما أن البنية الأساسية لإدارة النفايات والمياه هشة بالفعل، مما أدى إلى حرق النفايات دون سيطرة في مكبات النفايات، وتلوث الهواء والتربة، وتلوث المياه الجوفية بسبب تسرب النفايات.

لكن خلال الحرب، تفاقم التدهور البيئي في غزة بشكل كبير: فمع تدمير القصف الإسرائيلي للبنية الأساسية، تم إطلاق كمية هائلة من الغبار السام في الهواء، وانهارت إدارة مياه الصرف الصحي بالكامل بسبب نقص الوقود.

وبحلول شهر إبريل/نيسان، كان تدمير المباني في مختلف أنحاء قطاع غزة قد أسفر عن إنتاج ما يقدر بنحو 37 مليون طن من الأنقاض. ومع تضرر المباني أو انهيارها، فإنها تطلق سحباً من الدخان الضار والغبار السام والأبخرة في البيئة.

إن الانفجارات تسحق مواد البناء إلى قطع صغيرة، مما يؤدي إلى إطلاق جزيئات سامة في البيئة يمتصها البشر بعد ذلك.

وعلى الرغم من أن أعلى مستوى للتعرض لهذه السموم يحدث في وقت الانفجار، فإن الجسيمات الدقيقة من الغبار والرماد السام تنتشر بواسطة الرياح، وتلتقطها خطوات الأقدام والمركبات المتحركة. كما استخدم الجيش الإسرائيلي الفوسفور الأبيض، وهو سلاح حارق شديد السمية.

ونتيجة لذلك، وبينما يواجه سكان غزة أشد المخاطر الصحية، فإن الفلسطينيين والإسرائيليين وجميع الكائنات الحية الأخرى في المنطقة سيستمرون في معاناة العواقب لسنوات قادمة.

وبسبب الحرب الدائرة، أصبح من المستحيل التحقق من صحة النتائج التي توصلنا إليها ميدانياً، ولكننا نستطيع تقدير نوع وكمية المواد الكيميائية التي أطلقت في بيئة غزة نتيجة للقصف المكثف باستخدام معرفتنا بمواد البناء المحلية، والبيانات التاريخية من مناطق الصراع، والحوادث السابقة مثل هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول في نيويورك.

وبعد أكثر من عقدين من الزمان، لا يزال الناس يعانون من مشاكل صحية مرتبطة بالحطام والغبار، بما في ذلك أمراض الجهاز الهضمي والسرطان.

ما هي المخاوف البيئية والصحية المرتبطة بانهيار البنية التحتية لإدارة النفايات في غزة؟

تتراكم عشرات الآلاف من الأطنان من النفايات السكنية في الشوارع ومكبات النفايات غير الرسمية، بسبب نقص الوقود اللازم لتشغيل آلات إدارة النفايات.

ويمكن أن يؤدي هذا إلى تلوث التربة والمياه الجوفية، فضلاً عن المساهمة في ازدهار الطحالب المفرط على طول الساحل، مما يعرض الحياة البحرية والسباحين للخطر.

كما أن سوء إدارة النفايات يجذب الحيوانات، مثل الفئران، التي يمكنها أن تنقل الأمراض إلى البشر. ودرجات الحرارة والرطوبة المرتفعة في المنطقة خلال الصيف تخلق أيضًا ظروفًا مثالية لنمو وتكاثر البكتيريا.

ومع انهيار نظام الرعاية الصحية في غزة، أصبح الفلسطينيون غير قادرين على الحصول على الرعاية الصحية المناسبة منذ اندلاع الحرب. ومن المعجزات أننا لم نشهد حتى الآن أوبئة أسوأ في غزة وفي مختلف أنحاء “إسرائيل” وفلسطين، ولكن هذا أمر لا مفر منه.

هل نعلم كمية النفايات السامة التي تم إنتاجها؟

تشير التقديرات إلى أن الحرب الحالية أسفرت بالفعل عن إنتاج ما لا يقل عن 900 ألف طن من النفايات السامة.

وتظل هذه الملوثات ـ التي تشمل المواد المشعة والمسرطنة، والمعادن الثقيلة، والمبيدات الحشرية، وغير ذلك من المواد الكيميائية، التي تنبعث من خلال استخدام الذخائر العسكرية وفي تدمير المباني ـ باقية في البيئة، وتشكل تهديداً لكل أشكال الحياة، بما في ذلك الحيوانات والنباتات. وهي تلوث التربة والهواء ومصادر المياه، وتعرض النظم البيئية للخطر.

إن أحد الأنظمة البيئية المهددة بشكل خاص بسبب جريان النفايات السامة هو وادي غزة، وهو محمية طبيعية داخل القطاع.

يمتد هذا الامتداد من الأرض الغني بالتنوع البيولوجي، والذي يبلغ عرضه تسعة كيلومترات، غربًا من السياج الحدودي إلى البحر. وهو امتداد لنهر بيسور، الذي يتدفق من الخليل في الضفة الغربية عبر بئر السبع المحتلة إلى البحر الأبيض المتوسط.

تعتمد الطيور المائية المحلية والطيور المهاجرة التي تسافر عبر القارات على الأراضي الرطبة الساحلية في هذه المنطقة كموائل لها.

هل بإمكانك أن تقول المزيد عن وضع معالجة المياه في غزة؟

كان الوضع هشًا للغاية بالفعل نظرًا لسيطرة “إسرائيل” منذ فترة طويلة على إمدادات المياه في غزة، لكن الوضع ساء بشدة بسبب الحرب.

تشمل البنية التحتية المتضررة أو المدمرة الآن آبار مياه الشرب وشبكات المياه مثل المضخات والأبراج ومرافق الصرف الصحي والنظافة وشبكات الصرف الصحي ومحطات التحلية والبنية التحتية لمياه الأمطار ومنافذ الصرف الصحي البحرية ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي.

وعلاوة على ذلك، بحلول منتصف نوفمبر، أدى نقص الوقود إلى إغلاق جميع محطات معالجة مياه الصرف الصحي الخمس في غزة ومعظم محطات ضخ مياه الصرف الصحي البالغ عددها 65 محطة، كما ذكرت منظمة أوكسفام الدولية.

قبل الحرب، كان 13 ألف متر مكعب من مياه الصرف الصحي الخام تتدفق إلى البحر من غزة يومياً.

لكن الآن، يقدر برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن هذا الرقم ارتفع إلى 130 ألف متر مكعب يومياً.

وبسبب تعطل مرافق معالجة مياه الصرف الصحي، يضطر السكان في غزة إلى استهلاك المياه المالحة والملوثة واستخدامها للطهي والتنظيف والنظافة الشخصية.

إن العواقب الصحية المترتبة على شرب المياه الملوثة كارثية وخاصة بالنسبة للأطفال، الذين يشكلون 47% من سكان غزة.

كما أنها تزيد بشكل كبير من خطر الإصابة بالكوليرا والتيفوئيد وشلل الأطفال وغيرها من الأمراض المرتبطة بالمياه.

وقد حذرت منظمة الصحة العالمية من أن الأمراض المعدية المرتبطة بندرة المياه وتلوثها قد تؤدي في نهاية المطاف إلى قتل المزيد من الناس في غزة مقارنة بالعنف العسكري.

علاوة على ذلك، أثار الباحثون والمتخصصون في المجال الطبي مؤخرًا مخاوف بشأن ظهور وانتشار البكتيريا المقاومة للعلاج بالمضادات الحيوية، أو مقاومة مضادات الميكروبات.

كما يمكن للمياه الملوثة أن تسهل أيضًا الاتصال بين البكتيريا والمعادن الثقيلة المنبعثة من المتفجرات، والتي تعد عاملًا مساهمًا في مقاومة مضادات الميكروبات.

كيف تنتشر الأمراض المنقولة بالمياه؟

يمكن للبكتيريا المسببة لهذه الأمراض أن تعيش في مجاري المياه المالحة والمياه الساحلية، وبمجرد انتقالها إلى البشر، تنتشر عن طريق استهلاك المياه أو الطعام الملوث ببراز شخص مصاب.

إن مياه الصرف الصحي تتسرب إلى الطرق ومجاري المياه وتتسرب إلى التربة، فتلوث الغذاء وتتجاوز السياج الفاصل بين إسرائيل وغزة عبر وادي غزة والبحر الأبيض المتوسط ​​والحوض الساحلي للمياه الجوفية، وهو مصدر للمياه الجوفية يمتد من شبه جزيرة سيناء المصرية إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط ​​الشرقي. والحوض الجوفي نافذ وضحل وغير محصور، حيث تتدفق المياه الجوفية من المناطق الداخلية إلى البحر الأبيض المتوسط.

كما أن تدفق المياه الساحلية مهم هنا: فبسبب التيارات المتوسطية، تتدفق مياه الصرف الصحي التي تصل إلى ساحل غزة جنوبًا، ويمكن أن تصيب الناس على طول الساحل المصري.

هل يمكن شرح كيف ترتبط الحرب وانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري؟

إن الكوكب لا يستطيع ببساطة أن يتحمل الصراعات المسلحة. ذلك أن استخدام الأسلحة نفسها وتفجير المتفجرات يؤديان إلى إطلاق كميات كبيرة من الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي المحرك الرئيسي لتغير المناخ والجسيمات الدقيقة في الغلاف الجوي.

وتشير التقديرات إلى أن 5.5% من انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي ناجمة عن الأنشطة العسكرية.

في الشهرين الأولين فقط من الحرب، انبعث نحو 281 ألف طن متري من ثاني أكسيد الكربون نتيجة للقصف الجوي الإسرائيلي والغزو البري لقطاع غزة.

إن هذا الحجم من الانبعاثات التي تسبب فيها الجيش الإسرائيلي في هذين الشهرين الأولين يعادل حرق حوالي 150 ألف طن من الفحم، بما يمثل حوالي 24772 عامًا من استخدام الكهرباء لأسرة واحدة.

ومن السابع من أكتوبر/تشرين الأول إلى نهاية ديسمبر/كانون الأول وحده ألقت القوات الإسرائيلية أكثر من 89 ألف طن من المتفجرات على قطاع غزة. فضلاً عن ذلك، جرت 254.650 طلعة جوية عسكرية خلال تلك الأشهر الثلاثة الأولى.

ما هي العواقب البيئية المتوقعة للجهود المبذولة لإعادة إعمار غزة؟

من المتوقع أن تنتج غزة ما يقرب من 30 مليون طن إضافية من الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي خلال عملية البناء المتوقعة بعد الحرب في غزة لإصلاح 100 ألف مبنى متضرر.

وتتحمل صناعة البناء في مختلف أنحاء العالم نحو 11% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية، وتشمل أنشطة مثل إنتاج الخرسانة والصلب، ونقل المواد، وتشغيل الآلات، وهدم المباني.

وقد نشرت مبادرة “إشعال الأمل في غزة”، وهي تحالف بين منظمات غير حكومية وكيانات من القطاع الخاص، خطة لتوفير الطاقة والمواد المستدامة محلياً للحد من التأثيرات الخارجية الإضافية. ومن بين الأفكار على سبيل المثال تحويل الأنقاض الموجودة إلى طوب. ولكن كل هذا يتطلب بطبيعة الحال وقف إطلاق نار دائم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى