
في خطوة مفاجئة، شنت السلطة الفلسطينية ومؤسساتها ووسائلها الإعلامية حملة تحريضية ضد المبادرة الإنسانية التي أطلقتها مؤسسات خيرية كويتية بالتعاون مع شخصيات مؤثرة في غزة، والتي تهدف إلى إعادة بناء مستشفى النصر للأطفال الذي دمره الاحتلال الإسرائيلي في نوفمبر 2024.
تبرعات بالملايين.. وسخط في رام الله
وتمكنت الحملة التي وضعت هدفًا بجمع 10 ملايين دولار، خلال أيام قليلة من جمع أكثر من 6 ملايين دولار، وسط توقعات بوصولها إلى المبلغ المطلوب خلال الأيام المقبلة.
وهذا النجاح اللافت أثار حفيظة السلطة الفلسطينية، التي أصدرت بيانًا تحريضيًا عبر وزارة الصحة في رام الله، زاعمة أنها لم تعطِ أي إذن لإطلاق الحملة، بينما أكد وكيل وزارة الصحة في غزة، يوسف أبو الريش، دعم وزارته الكامل لها.
لماذا تعارض السلطة حملة التبرعات؟
بدلًا من دعم المبادرة الإنسانية، حاولت السلطة التشويش عليها والتحريض ضدها، ويبدو أن السبب الرئيسي وراء ذلك هو عدم سيطرتها على أموال التبرعات. فالسلطة إما أرادت توجيه الأموال عبرها أو دفع المتبرعين للتراجع بعد فشلها في الاستحواذ عليها.
وتأتي حملة إعادة بناء مستشفى النصر للأطفال بمبادرة من الجمعية الكويتية للإغاثة، وهي مؤسسة خيرية مستقلة، في إطار التزام الكويت المستمر بدعم الشعب الفلسطيني، لا سيما في ظل الأوضاع الإنسانية الصعبة في القطاع.
وأعلن المشرف العام على الحملة، عمر الثويني، أن التبرعات تجاوزت حتى الآن 6 ملايين دولار، فيما تستهدف الحملة الوصول إلى 10 ملايين دولار لإعادة بناء المستشفى وفقًا لأفضل المعايير الطبية، مؤكدًا أن الحملة ستستمر حتى تحقيق الهدف.
سيناريو مستشفى خالد الحسن
وهذه الحملة تعيد للأذهان فضيحة أموال مستشفى خالد الحسن لعلاج السرطان في رام الله، حيث تم جمع أكثر من 11 مليون دولار لإنشائه، لكن المشروع لم يرَ النور حتى اليوم، واختفت الأموال في ظروف غامضة.
وتبرع رجل الأعمال حسيب الصباغ بأرض مساحتها 220 دونمًا بقيمة 120 مليون دولار لإنشاء مدينة طبية، فيما صدر مرسوم رئاسي من محمود عباس لجمع التبرعات، ليتم لاحقًا صرف 4 ملايين دولار على الحفريات والتصاميم، بينما تبخر باقي المبلغ، وانفرط مجلس المؤسسة الذي ضم شخصيات بارزة مثل انتصار أبو عمارة ومحمد اشتية.
ورغم مرور أكثر من 6 سنوات على وضع حجر الأساس للمستشفى، لم يُنفذ المشروع، وسط مطالبات بالكشف عن مصير التبرعات ومحاسبة المسؤولين.
وحتى بعد تدخل رجال أعمال فلسطينيين، مثل منيب المصري، الذي تبرع بمليون دولار لصالح المشروع، لم يحدث أي تقدم يُذكر، بل تم تغيير مجلس الإدارة ليخضع لصندوق الاستثمار الفلسطيني، مما يثير تساؤلات حول تحويل المشروع إلى استثمار ربحي بدلًا من مؤسسة طبية غير ربحية.
فساد بمرسوم رئاسي
وطالب مركز الإنسان للديمقراطية والحقوق حكومة محمد اشتية السابقة بالكشف عن مصير أموال التبرعات، داعيًا إلى تشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في تأخير تنفيذ المستشفى، ومحاسبة المسؤولين، وضمان نزاهة العمل بعيدًا عن سيطرة السلطة.
وارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان في فلسطين، وقلة التحويلات الطبية للخارج بسبب تكاليف العلاج الباهظة، زادا من مأساة المرضى الذين فقدوا الأمل في الحصول على رعاية طبية مناسبة، بينما تتجاهل السلطة معاناتهم وتستمر في نهج الفساد والسرقات.
وتُظهر هذه الأحداث أن السلطة الفلسطينية لا تمانع في تعطيل المشاريع الإنسانية إذا لم تكن تحت سيطرتها، حتى وإن كانت هذه المشاريع تهدف إلى إنقاذ أرواح الأطفال.
وإن محاولاتها لعرقلة حملة مستشفى النصر، كما حدث مع مستشفى خالد الحسن، تكشف عن أولوياتها الحقيقية التي تضع المصالح الشخصية والمالية فوق المصلحة الوطنية والصحية للشعب الفلسطيني.