تحليلات واراء

وكالة “معا” تتحول إلى بوق إسرائيلي في خضم حرب الإبادة

تعبر السقطات المتتالية لوكالة “معا” المحلية ومقرها الضفة الغربية المحتلة عن تحولها إلى بوق إسرائيلي بشكل فاضح وذلك في خضم حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة.

ولم يكن غريبا على وكالة معا ما نشرته في الساعات الأخيرة من خبر جاء في عنوانه “نقل 60 مقاتلا من حماس والجهاد الإسلامي من مشفى كمال عدوان إلى المستشفيات الإسرائيلية”.

الخبر المذكور للوكالة جاء فيه تبني كامل لرواية جيش الاحتلال الإسرائيلي ومشاركة في التحريض الإسرائيلي السافر ضد كامل المنظومة الصحية العاملة في قطاع غزة.

ويأتي نشر هذا الخبر في ظل تقاطع مستمر للتقارير التي تتحدث عن تمويل مالي مشبوه تتلقاه وكالة معا وتبعيتها لجهات أمنية بارزة في المخابرات الفلسطينية على تعاون وثيق مع أجهزة الأمن الإسرائيلية.

والواقع أن مثل هذا الخبر يتكرر بشكل دوري على واجهة أخبار وكالة معا وغالبيتهما يتم نشرها بناء على ترجمة وسائل الإعلام العبرية من دون تدقيق أو تفحيص لتصبح الوكالة بوقا للاحتلال وراويته.

والمتتبع لأداء وكالة معا في تعاطيها خصوصا مع أخبار وسائل الإعلام الإسرائيلية يجد أنها لا تعبّر عن إعلام فلسطيني من المفترض أن يدعم مظلومية الشعب الفلسطيني، وكذلك لا يُعبّر عن أنه إعلام مستقل، بل إنه إعلام مُنحاز إلى رواية الاحتلال الإسرائيلي، ويظهر منه في كثير من الأحيان التَّشفّي ضد المقاومة وفصائلها.

ويرى المختص بمواقع التواصل الاجتماعي محمود حريبات، أن الإعلام الإسرائيلي هو في الواقع “يخدم رواية الاحتلال، من ينشر الأخبار ويقدمها هم جنود سابقون ولهم علاقة بجيش الاحتلال بشكل مباشر، وبالتالي فإن هذا الإعلام ليس إعلاما مهنيا وإنما إعلام يخدم نظرية الاحتلال ومصطلحاته، وطمس الهوية الفلسطينية والغطرسة وتشريع القتل”.

ويبرز حربيات أن التعامل مع المصطلحات الإسرائيلية ونقل أخبارها من أكبر المشاكل والمصائب التي يقع بها الإعلام الفلسطيني في ظل التسرع بالترويج للرواية الإسرائيلية من دون تدقيق وتفحيص.

ونوه إلى أن هناك العديد من الصفحات الإسرائيلية مثل “0404” الخاصة بجيش الاحتلال، وهي ناطقة باسمه وغيرها الكثير، وقال: “للأسف الشديد هذه الصفحات نعتبرها مصدرا للمعلومات ونأخذ الأخبار منها كما هي دون التأكد من الحدث أو الخبر”.

ولا يتوقف الأمر عند ذلك، فالترجمة بشكل حرفي أيضا مشكلة يقع بها الإعلام الفلسطيني بحسب حريبات، الذي يقول: “هناك الكثير من المصطلحات التحريضية التي يستخدمها جيش العدو بهدف تشريع القتل ضد الفلسطينيين، لكن مواقعنا الإخبارية والصحفيين أيضا يستخدمون هذه المصطلحات دون التأكد ودون إدراك لخطورة الأمر”.

بدوره قال محاضر الإعلام فريد أبو ظهير، إن قضية الاعتماد على المصادر الإسرائيلية تحتاج إلى مهنية عالية ومهارة ووعي في النتائج وما يترتب عليها، وهذا يتطلب برأيه صحفيا محترفا ولديه مهارة عالية في النقل والكتابة والتعامل مع الأخبار.

ويوضح سبب ذلك، بأن نقل الأخبار وخاصة الإسرائيلية تأتي في سياق حرب نفسية، وفي سياق خطة موجودة لدى الحكومة وأجهزة الأمن الإسرائيلية للتأثير على المواطن الفلسطيني بشكل أساسي.

وفي رؤيته لعلاقة الإعلام الفلسطيني بالإسرائيلي في ما يتعلق بالاعتماد عليها مصادر للأخبار قال: “أعتقد أننا في الغالب ننشر كل ما ينشر في الإعلام الإسرائيلي في ما يتعلق بالجانب الفلسطيني، الصحفي قد يحصل على جميع المعلومات من الإعلام الإسرائيلي ولكن المهم هو ما يختاره من هذه المعلومات لنشرها في الإعلام”.

والمؤسف أن انخراط وكالة “معا” وغيرها من وسائل الإعلام المحلية في الترويج للرواية الإسرائيلية يأتي في وقت تكثيف فيه دولة الاحتلال من خططها لنشر أكبر لروايتها واستثمار عشرات الملايين في ذلك.

فقد خصّصت دولة الاحتلال 150 مليون دولار إضافية لميزانيتها لعام 2025 وفقاً للكنيست، وذلك لإعادة تشكيل الدعاية الإسرائيلية للرأي العام العالمي بشأن إبادتها الجارية في غزة.

وتمثّل الميزانية الجديدة زيادة بمقدار 20 ضعفاً عن السنوات السابقة، وتهدف إلى تعزيز الدعاية الإسرائيلية المعروفة بالعبرية باسم “هسبراه”، وهو مصطلح يشير إلى جهود “إسرائيل” لشرح وتبرير سياساتها، والتحكم في الروايات المحيطة بأفعالها، بهدف تصوير النضال الفلسطينيّ “إرهاباً” “لاسامياً” و”نازياً” يهدف إلى القضاء على اليهود وقطع الطريق أمام أيّ تعاطف أو مناصرة للقضيّة الفلسطينيّة، وتبرير جرائم الإبادة في غزة.

وبدعم من المنظمات الصهيونية الأميركية، تهدف الميزانية الموسعة إلى التأثير في منصات مختلفة واستهدافها، بما في ذلك الجامعات الأميركية، التي شهدت انتفاضة غير مسبوقة تضامناً مع الفلسطينيين وانتقاداً للاحتلال وكل العلاقات معه.

وتستهدف الميزانية طبعاً وسائل الإعلام، التي ما انفكّت تبرّر جرائم الاحتلال أو تتستّر عليها منذ عقود، بالإضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعي، المصدر الرئيسي للأخبار بالنسبة إلى الجيل الشاب.

وبينما تُحكِم جماعات الضغط سيطرتها على كل منافذ الأخبار والصور والمشاهد التي يمكن أن تفضح جرائمها، تتسلّل هذه الأخيرة على أية حال متسبّبة في أضرار غير مسبوقة لصورة دولة الاحتلال التي بذلت الجهود لعقود لتلميعها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى