عام من حرب الإبادة على غزة حول “إسرائيل” إلى دولة معزولة
مع بدء حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة في تشرين أول/أكتوبر 2023، قيل لدولة الاحتلال الإسرائيلي من حلفائها الغربيين “أنتم لستم وحدكم”، لكن عام من الحرب جعلها دولة معزولة ومنبوذة.
كان أول رئيس وزراء لدولة الاحتلال الإسرائيلي “ديفيد بن جوريون”، قال ذات مرة: “إن مستقبلنا لا يعتمد على ما سيقوله غير اليهود، بل على ما سيفعله اليهود”. وكانت حجته أن الشعب اليهودي لم يعد بوسعه أن يعتمد على الآخرين كما كان الحال منذ ألفي عام. بل أصبح الشعب اليهودي مستقلاً ويعتمد على نفسه ويصنع مصيره بنفسه.
واليوم، في مواجهة العزلة الدبلوماسية المتصاعدة التي تواجهها إسرائيل بسبب حربها في غزة ــ إلى الحد الذي أصبحت فيه إسرائيل الآن في نظر بعض الدول دولة منبوذة ــ اكتسبت مقولة بن جوريون زخماً متجدداً بين العديد من الإسرائيليين.
ومن بين هؤلاء وزير المالية اليميني المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، الذي استشهد بها عندما دحض حكم محكمة العدل الدولية الذي أمر “إسرائيل” بوقف عمليتها العسكرية في مدينة رفح بجنوب قطاع غزة.
يقول مسؤول في وزارة الخارجية البريطانية إن كل ما تتحدث عنه “إسرائيل” من دبلوماسية عامة هو أن الغريزة داخل جيشها كانت دائماً تعتمد على نفسها، وليس على الصراع من أجل كسب الرأي العام العالمي.
ولم يكن هذا الأمر أكثر وضوحا من الأيام الأخيرة مع الاغتيالات الإسرائيلية لقيادات في حزب الله اللبناني، والذي تم تنفيذه دون دعم سياسي من الولايات المتحدة والذي يصوره الآن بنيامين نتنياهو كجزء من هدف معلن حديثا “لتغيير توازن القوى في المنطقة لسنوات”.
إن العلاقات الدولية، مثل كل السياسات، هي صراع على السلطة، ويعتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي أنه يفوز في هذا الصراع.
ورغم هذا فإن العديد من الإسرائيليين، بما في ذلك بعض المشاركين في الدفاع عن الحكومة على المستوى المهني، يعترفون بأنهم يشعرون بعدم الارتياح.
فهم لا يسمعون من نتنياهو أي نهاية واقعية للصراع باستثناء المزيد من الصراع، ويعترفون بأنهم أصيبوا بصدمة بسبب السرعة التي فقدت بها إسرائيل التعاطف العالمي، والعواقب المترتبة على ذلك على مستقبل البلاد.
لقد بدأت الأمور بوضوح شديد. ففي الثامن من أكتوبر/تشرين الأول، في اليوم التالي لهجوم “طوفان الأقصى”، أضيئت العديد من المعالم الأكثر شهرة في العالم، من برج إيفل إلى داونينج ستريت، باللونين الأزرق والأبيض اللذين يمثلان علم البلاد.
وقد سافر الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى دولة الاحتلال ليحتضن دولة في حالة صدمة، وتعهد بالقول: “لقد أتيت إلى إسرائيل برسالة واحدة: أنتم لستم وحدكم. أنتم لستم وحدكم. طالما أن الولايات المتحدة صامدة – وسوف نقف إلى الأبد – فلن ندعكم تكونون وحدكم أبدًا”.
كما زار دولة الاحتلال أولاف شولتز، مستشار ألمانيا وقدم وعدا مماثلا بالتضامن غير المشروط: “في الأوقات الصعبة، لا يوجد لألمانيا مكان إلا إلى جانب (إسرائيل)”.
إبادة جماعية
بعد ستة أشهر من بدء الحرب الانتقامية التي شنتها إسرائيل على غزة، أصدرت محكمة العدل الدولية حكماً مؤقتاً يفيد بوجود خطر انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني في الحماية من الإبادة الجماعية.
لقد جفت ينابيع التعاطف. والآن، بعد مرور عام كامل، يبرز سؤال رئيسي يتلخص في الكيفية التي تتعامل بها القيادة والمجتمع الإسرائيلي مع حقيقة مفادها أن أغلب دول العالم تبنت قضية الفلسطينيين المهملة.
لا شك أن قائمة الإدانة من جانب حلفائها السابقين تبدو ضارة. فقد حذر تشاك شومر، وهو ديمقراطي من نيويورك وأعلى مسؤول يهودي منتخب في الولايات المتحدة، من أن النسيج السياسي والأخلاقي لإسرائيل أصبح متهالكا بسبب زعامة نتنياهو.
وأضاف: “لا يمكن لإسرائيل أن تبقى على قيد الحياة إذا أصبحت منبوذة”. وحتى ترامب، حليف نتنياهو، قال إن (إسرائيل) “تخسر الكثير من الدعم” حول العالم، وفي تطور آخر ألقى باللوم على اليهود الأميركيين لتعريض انتخابه كرئيس للخطر.
وفي يوليو/تموز، قالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك إن ألمانيا لا تدعم سياسة الاحتلال الإسرائيلية، وفي رفض لأولويات نتنياهو قالت إن الاعتماد على الضغط العسكري فقط يعرض حياة الأسرى للخطر.
وجاء في مذكرة لوزارة الخارجية الأميركية حصلت عليها الإذاعة الوطنية العامة، أن الإسرائيليين “يواجهون أضرارا جسيمة، ربما تمتد لأجيال، لسمعتهم”، وهو تقييم يردد صدى تحذير بايدن في ديسمبر/كانون الأول من أن (إسرائيل) تفقد الدعم بسبب قصفها لغزة.
إن إشارات نبذ (إسرائيل)، ثقافيًا واقتصاديًا، أصبحت عميقة. فقد واجه الوفد الإسرائيلي في مسابقة الأغنية الأوروبية موجة من الانتقادات والنبذ من دول أخرى. وأدار مشجعو كرة القدم الإيطاليون ظهورهم للنشيد الوطني الإسرائيلي.
ومنعت إندونيسيا وجزر المالديف حاملي جوازات السفر الإسرائيلية من دخول البلاد. وقطعت تركيا جميع الروابط التجارية.
وفي النصف الأول من هذا العام، انخفضت السياحة الوافدة إلى (إسرائيل) بنسبة 76٪ مقارنة بالعام السابق.
وفي توقعاته لشهر يوليو 2024، عدل بنك (إسرائيل) توقعاته للنمو إلى 1.5٪ لعام 2024، من توقعاته السابقة البالغة 2.8٪. وخفضت وكالة موديز للتصنيف الائتماني التصنيف الائتماني لإسرائيل درجتين.
كما انتشرت حركات سحب الاستثمارات، التي كانت الحكومة المحافظة السابقة في المملكة المتحدة قد قررت حظرها، في الجامعات. كما أدت الاحتجاجات في مختلف أنحاء أوروبا إلى تسييس جيل جديد.
وقد وجد استطلاع أجرته شركة مورنينج كونسلت على الناس في 43 دولة انخفاضًا متوسطًا في صافي التأييد لإسرائيل بنسبة 18.5 نقطة مئوية بين سبتمبر وديسمبر من العام الماضي.
ووجد استطلاع أجرته شركة إبسوس ومعهد السياسة في كينجز كوليدج لندن في يونيو شمل 23800 شخص في 31 دولة أن (إسرائيل) كانت الدولة التي قال معظم الناس إنها “استخدمت نفوذها في الشر”.
ووجد استطلاع أجرته مجموعة السياسة الخارجية البريطانية ونشر هذا الشهر أن 62٪ من البريطانيين لا يثقون في (إسرائيل) للتصرف بمسؤولية في العالم، وهو أقل بتسع نقاط مئوية فقط من نسبة البريطانيين الذين لا يثقون في الصين (71٪).
وفي مايو/أيار، وجدت دراسة أجراها مركز بيو للأبحاث أنه على الرغم من أن معظم الأميركيين ما زالوا يتعاطفون مع (إسرائيل)، فإن من هم دون سن الثلاثين لا يتعاطفون معها، وأن سبعة من كل عشرة ديمقراطيين ومستقلين ذوي ميول ديمقراطية (71%) لديهم ثقة ضئيلة أو معدومة في نتنياهو.
في هذه الأثناء فإن المحاسبة القانونية، لدولة الاحتلال ربما بدأت للتو. ففي يوليو/تموز، أصدرت محكمة العدل الدولية حكماً آخر يقضي بأن احتلال (إسرائيل) لفلسطين غير قانوني، ولكن هناك خلاف حول الالتزامات التي يفرضها هذا الحكم على الدول الأخرى لتطبيق هذا الرأي.
وما زال المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية ينتظر الموافقة القضائية التي تسمح له بالسعي إلى اعتقال نتنياهو ووزير جيشه يؤاف جالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب.