“إسرائيل” أمام معضلة استنفاد قوتها العسكرية في حرب غزة
في حال اندلاع حرب جديدة على الجبهة الشمالية فإن دولة الاحتلال الإسرائيلي سوف تجد نفسها أمام معضلة وفي موقف حرج فيما يتصل بتحمل الصراع في لبنان لفترة طويلة.
فقد استنفدت قواتها العسكرية قواها بعد أكثر من عشرة أشهر من حرب الإبادة في غزة، حيث خدم العديد من جنود الاحتياط الإسرائيليين هناك عدة مرات. كما أن قطع الغيار والذخيرة وغير ذلك من الضروريات غير كافية لشن حرب طويلة الأمد.
وعلى هذا فإن أي حرب أكثر ضخامة من المرجح أن تكون محدودة المدة، الأمر الذي من شأنه أن يمكن حزب الله من الصمود في وجه العاصفة.
صراع إقليمي واسع
شكلت حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة جزءًا لا يتجزأ من صراع إقليمي أوسع نطاقًا، حيث تهاجم إيران؛ والحوثيون في اليمن؛ والأهم من ذلك حزب الله اللبناني أيضًا دولة الاحتلال.
وتهدد كل من هذه الصراعات الصغيرة بأن تصبح أكثر حدة بعد اغتيال الاحتلال لإسرائيلي للقائد الكبير في حزب الله فؤاد شكر في بيروت في أواخر يوليو/تموز والزعيم السياسي لحماس إسماعيل هنية في طهران.
والصراع في لبنان قد يتحول من حرب محدودة إلى صراع شامل، سواء بسبب سوء تقدير من “إسرائيل” أو حزب الله أو بسبب قرار متعمد من جانب أي من الطرفين بأن من مصلحتهما خوض ما يبدو أنه حرب حتمية عاجلاً وليس آجلاً.
وإذا شنت “إسرائيل” حرباً شاملة، فسوف تكون معركة صعبة ومدمرة لها وللبنان. وبعد أن تتوقف المدافع الناجمة عن هذا الصراع الضخم عن إطلاق النار، فقد تجد “إسرائيل” أن صراعها مع حزب الله لم يُحَل، ولن تكسب منه إلا القليل على المستوى الاستراتيجي حتى لو انتصرت عسكرياً.
وقبل هجوم طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تقبل الإسرائيليون على مضض وجود حزب الله على حدودهم الشمالية.
فقد أدى حشد حزب الله لنحو 100 ألف مقاتل بدوام كامل وجزئي، فضلاً عن ترسانته الصاروخية الضخمة، إلى إرساء حالة من الردع غير المريح، مع إدراك الجانبين أن الحرب ستكون مدمرة.
ويتذكر الجانبان صراعهما الذي دام 34 يوماً في عام 2006. وخلال تلك الحرب، أمطر حزب الله “إسرائيل” بالصواريخ باستمرار وألحق خسائر فادحة بالقوات البرية الإسرائيلية عندما دخلت لبنان، لكنه تكبد أيضاً خسائر فادحة في هذه العملية.
قلب السلام المضطرب
لكن هجوم طوفان الأقصى قلب هذا السلام المضطرب رأساً على عقب. فبالإضافة إلى آلاف الضربات المتبادلة عبر الحدود الإسرائيلية اللبنانية منذ ذلك الحين، فإن الغزو من غزة ترك ندوباً نفسية على “إسرائيل”، وهذا يعني أن حسابات المخاطر لها مختلفة تماماً.
إذ يتساءل الإسرائيليون، إذا كان الهجوم المفاجئ من غزة قد يكون مدمراً إلى هذا الحد، فما المعاناة التي قد يترتب على هجوم من جانب حزب الله الأكثر قوة؟ وإذا كانت الحرب تبدو محفوفة بالمخاطر في السابق، فإن السلام والرضا المرتبط بها يبدوان كذلك الآن.
وتضاف إلى هذا الخوف معضلة الستين ألف نازح إسرائيلي، الذين فروا من الشمال في مواجهة هجمات حزب الله، وقد لا يعودون إلا عندما يشعرون بالأمان.
إن حزب الله قادر أيضاً على إطالة أمد الحرب، ولبنان أكبر كثيراً من غزة، ولا تستطيع “إسرائيل” ببساطة أن تدفع قواتها إلى داخل البلد بأكمله في فترة قصيرة من الزمن.
ومن الناحية الواقعية فإن أفضل ما تستطيع “إسرائيل” أن تفعله هو إعادة احتلال أجزاء من جنوب لبنان، كما فعلت بين عامي 1982 و2000.
فخلال تلك الفترة كانت الهجمات المنخفضة المستوى تلحق خسائر ثابتة ب”إسرائيل”، الأمر الذي دفعها في نهاية المطاف إلى الانسحاب.
أما حزب الله اليوم فقد أصبح أكثر قوة، وحتى لو تكبد خسائر أكبر مما كان يعتقد أنه قادر على تحملها، فإن الجزء الأعظم من قواته قادر على الانسحاب بعيداً عن منطقة الحدود والعودة ببساطة عندما تغادر “إسرائيل”، أو شن هجمات حرب عصابات منتظمة في الوقت الذي يختاره إذا بقيت القوات الإسرائيلية.
إن “إسرائيل” سوف تواجه أيضاً موجة أخرى من الانتقادات الدولية والأميركية إذا ما نُظِر إليها باعتبارها المعتدي في الصراع الدائر في لبنان.
والواقع أن الرأي العام العالمي تجاه “إسرائيل” أصبح منخفضاً جدا بالفعل بسبب الحرب في غزة، كما أن العديد من الأميركيين الشباب ينتقدون دولة الاحتلال بشكل خاص.
إن الضغط الحقيقي على الحكومة الإسرائيلية لتطبيق وقف إطلاق النار في غزة من شأنه أن يخفف من حدة التوترات في مختلف أنحاء المنطقة.
وقد أشار حزب الله إلى أنه سيوقف الهجمات إذا كان هناك وقف لإطلاق النار في غزة.
كما من الضروري أن تواصل الولايات المتحدة وحلفاؤها الضغط على الحكومة الإسرائيلية لتجنب الحرب الشاملة من أجل منح القادة الإسرائيليين الغطاء السياسي اللازم لتجنب الحرب في لبنان التي قد تكون مكلفة وغير منتجة.
المصدر/ مجلة Foreign Policy