السلطة الفلسطينية حين تنصب نفسها مقاولا أمنيا للاحتلال
يؤكد مراقبون أن المسار الحالي للسلطة الفلسطينية، من خلال تنصيب نفسها مقاولا أمنيا لقمع الاحتلال الإسرائيلي للمقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال وعنف المستوطنين، لا يقوض التطلعات الفلسطينية لإقامة الدولة فحسب، بل ويخاطر أيضًا بتحويل “الوطن” الذي تدعي حمايته إلى بانتوستانات ومستوطنات إسرائيلية.
وقد غزت دولة الاحتلال الإسرائيلي مخيم جنين للاجئين عدة مرات منذ اتفاقات أوسلو عام 1993. تقع مدينة جنين والمخيم المجاور لها في ما يعتبر المنطقة (أ) من الاتفاقيات.
وتتكون هذه المنطقة من حوالي 18 في المائة من الضفة الغربية، أو 18 في المائة من 22 في المائة فقط من فلسطين، ومن المفترض أن تكون تحت السيطرة الكاملة للسلطة الفلسطينية. وهذا يعني أن السلطة تدير الشؤون المدنية والأمن داخل هذه المنطقة.
وفي مخيم جنين للاجئين، شن الاحتلال الإسرائيلي غارات متكررة منذ المذبحة المشينة التي وقعت في إبريل/نيسان 2002.
وفي نهاية شهر مايو/أيار الماضي، داهمت قوات الجيش الإسرائيلي المخيم وقتلت العديد من الفلسطينيين قبل أن تستعين بجرافات أميركية الصنع ممولة من الولايات المتحدة لحفر الطرق وتدمير البنية الأساسية وهدم المنازل.
وبرفض السلطة الفلسطينية مسؤولية المنطقة (أ) بموجب اتفاقيات أوسلو، يعمل الجيش الإسرائيلي بحرية، فيغزو ويعتقل الفلسطينيين في أي مدينة أو بلدة أو مخيم للاجئين في جميع أنحاء الضفة الغربية.
وفي أغسطس/آب، شن جيش الاحتلال توغلات واسعة النطاق في المدن والبلدات داخل المنطقة (أ)، مما أسفر عن مقتل العشرات من الفلسطينيين.
وفي مخيم جنين، قطع الجيش الإسرائيلي المنطقة تمامًا عن العالم الخارجي، وحجب الاتصالات، ومنع الصحفيين من الخارج، وقيد الوصول إلى الغذاء والماء.
وبعد أسبوع على الأقل من المداهمات، استشهد أكثر من 30 فلسطينيًا واعتقل العشرات دون توجيه تهم إليهم . ووفقًا لتقرير للأمم المتحدة ، في العام الماضي وحده، استشهد ما لا يقل عن 630 فلسطينيًا برصاص الاحتلال في الضفة الغربية المحتلة.
وعلاوة على ذلك، تزايدت الهجمات التي يشنها المستوطنون اليهود الإسرائيليون في الضفة الغربية والقدس الشرقية بشكل كبير منذ انتخاب الحكومة الأكثر عنصرية في دولة الاحتلال على الإطلاق.
ووفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، تم توثيق ما لا يقل عن 1423 هجومًا للمستوطنين العام الماضي، بمعدل أربعة هجمات يوميًا.
إن القوات الإسرائيلية لديها سجل حافل في تمكين العنف الاستعماري، والوقوف إلى جانب هذه الهجمات الوحشية أو المشاركة فيها.
وهذا العنف المنهجي والعنصري الذي يمارسه المتعصبون اليهود الإسرائيليون هو جزء من استراتيجية صهيونية مدروسة لبث الخوف وتحقيق التطهير العرقي ” الطوعي ” للفلسطينيين.
وفي الوقت نفسه، يواجه القرويون الفلسطينيون الذين يحاولون الدفاع عن ممتلكاتهم الاعتقال أو يواجهون إطلاق النار الحي من قبل جنود جيش الاحتلال.
ويجسد هذا النظام القانوني المزدوج الصارخ ــ حيث يتصرف المستوطنون دون عقاب بينما يتحمل الفلسطينيون الحكم العسكري القاسي ــ ظروف الفصل العنصري التي وثقتها منظمات حقوق الإنسان الرائدة، بما في ذلك منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش ، فضلاً عن منظمة بتسيلم التابعة لدولة الاحتلال .
وفي الأسبوع الماضي، شن جيش الاحتلال الإسرائيلي حملة عسكرية واسعة النطاق في مخيم بلاطة للاجئين في نابلس، وطوباس، وبلدات خارج رام الله وقلقيلية في الضفة الغربية.
وفي الخليل، بدأت القوات الإسرائيلية بتجريف طريق استعماري جديد جنوب المدينة، واقتلاع الأشجار وتجريف ومصادرة الأراضي الفلسطينية لصالح المستوطنات اليهودية الجديدة.
ولنقارن الآن بين هذا وبين العملية الأمنية التي أطلقتها السلطة الفلسطينية تحت مسمى “حماية الوطن” والتي تهدف إلى نزع سلاح المقاتلين الفلسطينيين داخل مخيم جنين للاجئين.
ومن الصعب ألا ننظر إلى أنشطة السلطة الفلسطينية في المخيم باعتبارها امتداداً لنفس الجهود الإسرائيلية التي فشلت في سحق المقاومة منذ عام 2002.
إن حماية الوطن بالنسبة للسلطة الفلسطينية يجب أن تعني الدفاع عن المدن الفلسطينية من جيش الاحتلال الغازي، وحماية المزارعين الفلسطينيين من هجمات المستوطنين، ومقاومة بناء الطرق الاستعمارية ومصادرة الأراضي الفلسطينية، وليس نزع سلاح القوات الوحيدة التي تتحدى الاحتلال الإسرائيلي وسياساته العنصرية.
ومع تنامي الإحباط إزاء الوضع الراهن، فمن المؤكد أن المطالبات بتبني استراتيجية جديدة تعطي الأولوية للمقاومة وتقرير المصير على التسوية سوف تكتسب زخماً متزايداً.
وتعكس الحركات الشعبية رغبة في زعامة أكثر خضوعاً للمساءلة أمام الشعب الفلسطيني وأقل خضوعاً لإسرائيل والجهات المانحة الدولية.
وفي نهاية المطاف، يسلط تعاون السلطة الفلسطينية مع إسرائيل الضوء على التحديات العميقة التي تواجه الحكم الفلسطيني في ظل الاحتلال. والتحرر من هذه الديناميكية لن يتطلب الإصلاح الداخلي فحسب، بل يتطلب أيضاً إعادة تنشيط حركة وطنية قادرة على توحيد الفلسطينيين، في الوطن والشتات، حول رؤية مشتركة للعدالة والحرية وتقرير المصير.