موسم الشتاء يفرض ضريبة أكثر قسوة على النازحين في غزة
يفرض موسم الشتاء لهذا العام ضريبة أكثر قسوة على النازحين في غزة والذين أصبحت أجسادهم أكثر ضعفاً، وأجهزتهم المناعية أضعف، وخيامهم غارقة في مياه الأمطار ومياه الصرف الصحي فضلا عن نقص شديد في الإمدادات الإنسانية اللازمة للبقاء على قيد الحياة.
ومع نزوح 90% من سكان القطاع البالغ عددهم 1.2 مليون نسمة، ومعظمهم لا يملكون سوى الملابس التي يرتدونها، أصبح سكان غزة عُرضة للخطر الشديد بعد أكثر من 14 شهرا على حرب الإبادة الإسرائيلية.
وصرح جوناثان كريكس، المتحدث باسم منظمة اليونيسيف الدولية: “تتساءل فرقنا على الأرض عما إذا كان الأطفال يرتجفون من الخوف من القصف أو البرد”.
وقال كريكس إن الشتاء الثاني الذي حل في غزة كان أكثر قسوة، لأن معظم البنية الأساسية في غزة كانت لا تزال قائمة في العام الماضي. أما الآن فقد دمرت بالكامل تقريبا.
وأضاف “عندما ضربت الحرب غزة العام الماضي، نزح معظم السكان إلى رفح. لم تكن المدينة مجهزة لاستضافة هذا العدد الكبير من الناس، ولكن لا يزال هناك بعض المباني والمدارس التي تحولت إلى ملاجئ”.
وضع أسوأ بكثير
في العام الماضي، كان سكان غزة يتمتعون بصحة أفضل بشكل عام. أما الآن، ومع سماح لاحتلال الإسرائيلي بدخول مساعدات أقل شهرياً مما كان مطلوباً لبضعة أيام في غزة قبل الحرب، فقد أصبح المدنيون أكثر ضعفا.
يقول السيد كريكس: “الناس في غزة متعبون للغاية. ونظامهم المناعي يتدهور. لقد تعرضوا للجوع لفترة أطول بكثير مما كانوا عليه في بداية الحرب. الوضع أسوأ بكثير من الشتاء الماضي”.
وفي أحد مراكز الأمم المتحدة في دير البلح، ذكر كريكس أنه تم اكتشاف 300 حالة إصابة بجدري الماء بسبب مزيج من نقص المياه والصابون للنظافة الشخصية والمساحة الضيقة.
في نوفمبر/تشرين الثاني، أطلقت منظمات الإغاثة ناقوس الخطر، واصفة الشتاء في غزة بأنه “قنبلة موقوتة”. فقد جرفت الأمطار الغزيرة الشهر الماضي الخيام، بينما غمرت مياه البحر مناطق أخرى في المناطق الساحلية بعد المد العالي.
وقالت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) إن نحو مليون شخص معرضون لخطر التعرض للعوامل الجوية في حين يتم تلبية ما يزيد قليلاً على 20% فقد من الاحتياجات الإنسانية.
وقالت لويز ووتريدج مسؤولة الطوارئ في الأونروا، إن متوسط وقت الانتظار للشاحنات التي تدخل غزة كان 74 يومًا، وبعضها عالق منذ آب/أغسطس الماضي.
وأوضحت أن “هناك الكثير من عدم اليقين هذا العام من يوم إلى آخر أو حتى من ساعة إلى أخرى”.
وتابعت “بالمعدل الذي يُسمح به بدخول المساعدات، فإن الأمر سيستغرق حوالي عامين حتى تدخل جميع الإمدادات الشتوية.
ذكريات مجمدة
تتذكر تهاني حمد (25 عاماً)، التي نزحت مع عائلتها من جباليا في الشمال إلى رفح في الجنوب، كيف كانت تنتظر المطر ذات يوم، حتى تتمكن من الجلوس في نافذتها ومشاهدة العاصفة.
لكن اللحظات التي كان أهل غزة العاديون يستمتعون بها في السابق لم تعد تجلب لهم الفرح. وتقول حمد: “الآن إذا سمعت أن المطر قادم، لا أستطيع النوم خوفًا من أن يغمر المطر ممتلكاتنا”.
لقد استأجرت منزلاً بعد أن أجبرت على الفرار من منزلها، لكنها انتهى بها الأمر في الخيمة التي تعيش فيها الآن بعد أن بدأ القصف الإسرائيلي المكثف في أيار/ مايو 2024.
وقالت حمد إن لا شيء كان ليمنع وصول المياه إليها. وبعد خمسة أيام فقط من هطول الأمطار حتى الآن هذا الموسم، غمرت المياه خيمة السيدة تهاني بالفعل، وجعلها البرد تشعر بالعجز وعدم القدرة على حماية أطفالها. وأضافت: “لقد سرقت الحرب دفء منازلنا وقلوبنا”.
وقال محمد أبو الجديان الذي يعيش في خيمة مع زوجته وثلاث بنات في مدينة غزة إن القلق لا يقتصر على المياه التي تدخل المخيمات، بل ويمتد إلى ما تحمله معها. وأضاف: “عندما تهطل الأمطار الغزيرة، تتضرر الأشياء وتنهار، وتتدفق مياه الصرف الصحي إلى المخيمات”.
وقالت لجنة الإنقاذ الدولية إن القيود التي فرضتها دولة الاحتلال الإسرائيلي على الوقود أدت إلى توقف خدمات أساسية مثل جمع النفايات وإدارة مياه الصرف الصحي، مما جعل الفيضانات أرضا خصبة للأمراض.
وذكر أبو الجديان أن قلبه ينفطر عندما يرى بناته يخرجن إلى الخارج ليلاً لاستخدام الحمام. وأضاف: “إنهن يرتجفن من البرد القارس، وأخشى عليهن في كل مرة يخرجن فيها من الخيمة دون ملابس دافئة، ولا أغطية ثقيلة، ولا شيء يحمينا من قسوة الشتاء”.
تعيش منيرة أبو عوض، 37 عاماً، وهي أم لخمسة أطفال، في منزل في المغازي. ولا تزال ذكريات شتاءات الماضي التي جلبت لها البهجة واضحة في ذهنها.
تقول: “في أيام السلام قبل الحرب، كنا نجتمع كعائلة، ونطهو أشهى الوجبات الدافئة ونتقاسمها في جو مريح ومبهج”.
لكن لقد تغير كل شيء منذ بدء الحرب؛ حتى أن طهي الطعام أصبح صراعاً وأزمة معقدة للعائلات النازحة.
أطفال دون مأوى
حذرت اليونيسيف من أن حوالي مليون طفل في غزة يواجهون الشتاء دون مأوى مناسب وطعام وماء وحماية.
وقالت أبو عوض: “ليس كل شيء متوفراً في الأسواق بسبب الحصار والقيود الإسرائيلية. كما أنه لا يوجد غاز أو حطب للطهي”.
وأضافت أن الأسوأ من كل ذلك هو الافتقار الدائم لراحة البال الذي حرمها من القدرة على إيجاد السعادة في الأشياء البسيطة.
وتتابع قائلة: “لحسن الحظ، ما زلنا نعيش في منزلنا، على الرغم من تعرضه للدمار. وبالمقارنة مع العديد من الأشخاص الذين يعيشون في الخيام خلال ليالي الشتاء الباردة، فإن وضعنا أفضل”.
وتضيف “مع ذلك، اختفت العديد من جوانب الحياة بطريقة مرعبة، ولا يمكننا إعادتها لأن الاحتلال دمر كل شيء”.
من جهته أحمد مصطفى (34 عاماً)، الذي يعيش في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة مع عائلته المكونة من ستة أفراد، يفتقد الأصدقاء الذين اعتاد رؤيتهم في أغلب أمسيات الشتاء.
ويقول: “لقد حرمتنا الحرب من طعامنا ومشروباتنا والأشخاص الذين اعتدنا أن نقضي معهم تلك الليالي الدافئة. بعض هؤلاء الأشخاص أصبحوا الآن شهداء، والبعض الآخر نزحوا. كنا نعتقد أن تلك الأيام لن تنتهي أبداً”.