نتساريم وفيلادلفيا.. قصة وهم السيطرة الإسرائيلية على غزة
تركزت مفاوضات وقف إطلاق النار في الأسابيع الأخيرة لإنهاء حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، حول منطقتين عازلتين تسيطر عليهما قوات الاحتلال الإسرائيلي حاليا هما نتساريم وفيلادلفيا.
وبحسب مراقبين فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وفريق الحاكم يريدون تحقيق ما يعتقد أنه جوهر السيطرة العسكرية الدائمة على قطاع غزة عبر وهم السيطرة على المنطقتين المذكورتين.
وفي الواقع فإن نتنياهو يعتمد على نسيان الرأي العام الإسرائيلي كيف انهارت قبل نحو 20 عاما اسطورة السيطرة على محور نتساريم رغم اعتبار أهميته كأهمية تل أبيب نفسها قبل ذلك.
تكرار فشل شارون
محور نتساريم (مفرق الشهداء) ممر يفصل مدينة غزة وشمالها عن المنطقة الوسطى وجنوب قطاع غزة، سمي على اسم مستوطنة كانت قائمة قبل 2005 في مكانه.
أنشئت مستوطنة نتساريم عام 1972، وكان الممر المرتبط بالمستوطنة ضمن خطة الأصابع الخمسة التي قدمها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرييل شارون عام 1971 عندما كان قائدا للمنطقة الجنوبية، وكان الهدف منها تسهيل السيطرة الأمنية على القطاع بتقسيمه إلى 5 كتل استيطانية.
في العام 2002 أطلق شارون تصريحه الشهير بأن مستوطنة نتساريم مثلها مثل تل أبيب.
لكن يوم 15 أغسطس/آب 2005 وبأمر من شارون نفسه، أخليت مستوطنة نتساريم وشهدت نهاية الوجود الإسرائيلي في قطاع غزة بخروج آخر جندي إسرائيلي من بوابة كيسوفيم يوم 12 سبتمبر/أيلول 2005.
قبل ذلك أراد الاحتلال الإسرائيلي فرض سيطرته العسكرية الدائمة والمطلقة على قطاع غزة لكن تحت ضربات المقاومة الفلسطينية على بساطتها وبدائية عملياته في حينه، تم إجباره على الانسحاب الأحادي الجانب.
واليوم نتنياهو والذي كان من أشد المعارضين للانسحاب من غزة، وبعد عقدين من الزمن، يحاول أن يعيد الكرة والسيطرة على غزة من خلال محور نتساريم بالاعتماد أن الجمهور الإسرائيلي نسى ما جرى.
وصرح نتنياهو بأنه لن يكون هناك انسحاب إسرائيلي من ممرات فيلادلفيا ونتساريم في إي اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى مع المقاومة الفلسطينية.
وممر فيلادلفيا، هو منطقة عازلة بين مصر وغزة، موجود منذ أكثر من أربعة عقود، وتم الحفاظ عليه على أساس اتفاقيتين ثنائيتين بين القاهرة ودولة الاحتلال.
وفي الوقت نفسه، يخترق ممر نتساريم وسط قطاع غزة، وأنشأته قوات الاحتلال الإسرائيلية مجددا في الأشهر الأخيرة لفصل القطاع والتمركز العسكري فيه.
ورفضت الفصائل الفلسطينية بشدة المطالب الإسرائيلية بالإبقاء على وجود عسكري في الممرين.
ما هو ممر نتساريم؟
ممر نتساريم هو امتداد من الأرض يبلغ طوله 6 كيلومترات ويقسم شمال غزة إلى جنوبها.
تم إنشاؤه من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال حرب الإبادة الحالية ويمتد من الحدود الإسرائيلية مع مدينة غزة إلى البحر الأبيض المتوسط.
وتم تسمية هذا الخط التعسفي على اسم مستوطنة نتساريم، إحدى المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية التي كانت موجودة في قطاع غزة قبل الانسحاب الإسرائيلي في عام 2005.
وقد يكون هذا الاسم إشارة إلى إعادة إنشاء المستوطنات غير القانونية في القطاع – وهو الأمر الذي دعا إليه وزراء إسرائيليون من اليمين المتطرف بشكل متكرر منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
يقع ممر نتساريم بين مدينة غزة والمحافظة الوسطى، يبدأ من المنطقة المقابلة لكيبوتس “بئيري” شرقا، وصولا إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط غربا، يبلغ طوله حوالي 7 كيلومترات، وسمي على اسم مستوطنة “نتساريم” السابقة التي كانت مقامة فيه.
تجاوره منطقتا جحر الديك والمغراقة، ويقطعه شارع صلاح الدين من المنتصف، وتحده مدينتا الزهراء والأسرى من جنوبه الأوسط وجنوبه الغربي، كما يشغل حي الزيتون المساحة الكبرى من حدوده الشمالية، أما الجهة الشمالية الغربية فتجاوره منها منطقتا الصبرة والشيخ عجلين.
وتعد منطقة نتساريم شبه خالية من السكان فمعظمها أراضٍ زراعية، وبها قليل من المؤسسات والمنشآت
يتألف ممر نتساريم من قواعد عسكرية، وتستخدمه قوات الاحتلال الإسرائيلية لمراقبة وضبط حركة الفلسطينيين بين شمال وجنوب غزة. كما تم استخدامه لشن عمليات عسكرية.
ويقول المحللون إن السيطرة الإسرائيلية على الممر الذي تم إنشاؤه حديثا هي محاولة لفرض سيطرة دائمة على الحياة في غزة بعد الحرب، دون احتلال الأراضي بالكامل بالضرورة.
ما هو ممر فيلادلفيا؟
يعد ممر فيلادلفيا منطقة عازلة منزوعة السلاح يبلغ طولها 14 كيلومترًا وعرضها 100 متر وتمتد على طول الحدود بين مصر وغزة بالكامل.
ويمتد من البحر الأبيض المتوسط إلى معبر كرم أبو سالم عند نقطة التقاء غزة ومصر ودولة الاحتلال.
تم إنشاؤها لأول مرة بموجب معاهدة السلام عام 1979 بين مصر ودولة الاحتلال وتم تسميتها على اسم الرمز العسكري الإسرائيلي للمنطقة منزوعة السلاح.
وفي ذلك الوقت، وافقت دولة الاحتلال على إنهاء احتلالها لشبه جزيرة سيناء المصرية الذي دام 12 عاما، لكنها استمرت في احتلال قطاع غزة في فلسطين.
ويشير المصريون إلى المنطقة باسم ممر صلاح الدين، نسبة إلى مؤسس الدولة الأيوبية الذي هزم الصليبيين في القدس عام 1187.
ويشمل ممر فيلادلفيا معبر رفح، وهو نقطة العبور الوحيدة بين مصر وقطاع غزة.
وبموجب اتفاق عام 1979، سُمح ل(إسرائيل) بنشر قوات مسلحة محدودة في الممر، تتكون من أربع كتائب مشاة، ومنشآتها العسكرية، والتحصينات الميدانية، إلى جانب مراقبين من الأمم المتحدة.
ولم يُسمح بنشر الدبابات أو المدفعية أو الصواريخ المضادة للطائرات، باستثناء الصواريخ الفردية أرض-جو. وكان الهدف المعلن لهذه القوات الإسرائيلية هو منع دخول الأسلحة إلى غزة عبر مصر.
متى خرجت (إسرائيل) من المنطقة العازلة؟
في عام 2005، سحبت دولة الاحتلال قواتها المسلحة من غزة كجزء من “خطة فك الارتباط”، بما في ذلك من ممر فيلادلفيا ومنطقة نتساريم.
كما سحبت 9 آلاف مستوطن إسرائيلي كانوا يعيشون في 25 مستوطنة غير قانونية.
وبعد ذلك أصبح ممر فيلادلفيا تحت سيطرة مصر والسلطة الفلسطينية، التي كانت تسيطر على الجانب الغزي من المنطقة العازلة.
وبموجب اتفاق تم توقيعه عام 2005 بين مصر و(إسرائيل)، والمعروف باسم اتفاق فيلادلفيا، يُسمح لمصر فقط بنشر 750 من حرس الحدود لحراسة الممر بزعم منع التهريب والتسلل.
وبعد عامين، سيطرت حماس بشكل كامل على قطاع غزة، مما أنهى الإدارة المشتركة للسلطة الفلسطينية للمنطقة العازلة.
ومنذ ذلك الحين، فرضت دولة الاحتلال الإسرائيلي حصارًا بريًا وجويًا وبحريًا على قطاع غزة.
وكان معبر رفح – وهو جزء من محور فيلادلفيا – يفتح بشكل متقطع من قبل القوات المصرية خلال تلك الفترة.
ونتيجة لذلك، تزايدت الأنفاق التي تم بناؤها بين غزة وسيناء في مصر بعد عام 2007، سواء لنقل البضائع أو من أجل لم شمل العائلات.
وقامت السلطات المصرية بتدمير أكثر من 2000 من هذه الأنفاق التي تربط سيناء بغزة بين عامي 2011 و2015، مستشهدة بمخاوف أمنية.
ماذا حدث للممر خلال الحرب الحالية؟
كان معبر رفح هو نقطة الدخول والخروج الوحيدة إلى الجيب المحاصر الذي لا تسيطر عليه دولة الاحتلال لكن هذا تغير في وقت سابق من هذا العام.
في يناير/كانون الثاني، بعد ثلاثة أشهر من بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، أعلن نتنياهو أن الهدف الإسرائيلي هو إعادة احتلال المنطقة العازلة.
وقال في ذلك الوقت: “إن ممر فيلادلفيا – أو لنقل بشكل أكثر دقة، نقطة التوقف الجنوبية [لغزة] – يجب أن يكون في أيدينا ويجب إغلاقه”.
وردت مصر بأن مثل هذا الإجراء من شأنه أن ينتهك المعاهدة المبرمة بين البلدين عام 1979.
بعد أشهر من التهديد بشن عملية برية في رفح جنوب قطاع غزة، سيطرت دولة الاحتلال على الجانب الفلسطيني من معبر رفح في السابع من مايو/أيار.
وبعد أيام، سيطرت على الجانب الفلسطيني من ممر فيلادلفيا أيضًا، مسجلة بذلك أول تواجد للقوات الإسرائيلية في المنطقة العازلة منذ عام 2005.
وتعهد نتنياهو بأن تحتفظ (إسرائيل) بالسيطرة العسكرية على الممرين، وكذلك معبر رفح، وأضاف هذه المطالب إلى مفاوضات وقف إطلاق النار.
وبحسب ما ورد، أبلغ المفاوضون الإسرائيليون نتنياهو هذا الأسبوع أن إصراره على الحفاظ على الوجود في ممر فيلادلفيا يشكل العقبة الرئيسية أمام التوصل إلى اتفاق هدنة.
ولم تتضمن مقترحات وقف إطلاق النار التي أقرها الرئيس الأمريكي جو بايدن في خطاب ألقاه في 31 مايو/أيار، وقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة اللاحق في 10 يونيو/حزيران، هذه الشروط.
وأشار قرار مجلس الأمن والخطة التي وافق عليها بايدن إلى المفاوضات التي من شأنها أن تؤدي إلى الانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة.
وصرح قادة حركة حماس بأن الحركة رحبت بالفعل بقرار مجلس الأمن و”أكدت استعدادها للتنفيذ الفوري” في أوائل يوليو/تموز لكن نتنياهو رد بـ”مزيد من المجازر والقتل” ومحاولة فرض “شروط جديدة” بما في ذلك عدم الانسحاب من الممرين ومعبر رفح، وتفتيش النازحين الفلسطينيين العائدين إلى شمال غزة، وتغيير شروط صفقة تبادل الأسرى المتفق عليها، من بين تعديلات أخرى.
وشدد قادة حماس على أي مقترح لا يتضمن الانسحاب الإسرائيلي الكامل من ممري نتساريم وفيلادلفيا سيعقد الأمور وهدفه إفشال مفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.