ثلاثون عاما على اتفاقية وادي عربة.. الأردن يتخلى عن فلسطين علنا
يخيم الاستياء والغضب على القطاع الأكبر من الأردنيين وهم يشهدون على تخلي بلادهم عن فلسطين علنا بعد مرور 30 عاما على توقيع اتفاقية وادي عربة لإشهار التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
يتذكر الأردنيون عندما هبطت طائرة الرئاسة الأميركية في عمان عام 1994، حيث كان الملك الراحل حسين في استقبال الرئيس بيل كلينتون والسيدة الأولى آنذاك هيلاري كلينتون ليشهدا توقيع اتفاقية تاريخية بين الأردن و”إسرائيل”.
وقعت الاتفاقية في وادي عربة، عند أحد المعابر الحدودية الجنوبية للأردن.
تحدث الملك حسين في كثير من الأحيان، عن كيف أن هذه القفزة للأردن لم تكن مجرد صفقة استراتيجية فحسب، بل كانت بمثابة استعادة حياة “خالية من الخوف… حياة سلام لـ”أبناء إبراهيم”.
أراد الملك حسين، كما دون بروس ريدل في كتابه “الأردن وأميركا: صداقة دائمة” فيما بعد “سلاماً دافئاً، وليس سلاماً بارداً كما هو الحال بين مصر و(إسرائيل)”.
الاتفاقية اليوم
تصادف هذه الاتفاقية هذه الأيام مرور ثلاثين عامًا منذ توقيعها، ورغم أنها لا تزال قائمة، إلا أنها باردة.
لقد فقد التفاهم والتقارب الذي طال انتظاره والذي كان يأمله الملك الراحل بين الشعبين طريقه بالتأكيد على مدى العقود الثلاثة الماضية بسبب حقيقة بسيطة مفادها أن معاهدة السلام الثنائية هذه مرتبطة جوهريًا بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي وبشكل خاص بتقرير المصير والحقوق الفلسطينية.
تنظر الغالبية العظمى من الأردنيين اليوم إلى العلاقات مع (إسرائيل) من خلال منظور احتلالها للأراضي الفلسطينية، وقمعها للفلسطينيين في الضفة الغربية، بالإضافة إلى المعاناة الهائلة التي تعرض لها الأبرياء في غزة بسبب حرب الإبادة الإسرائيلية في الأشهر الثلاثة عشر الماضية.
يقول الأستاذ كيرتس رايان من جامعة ولاية أبالاتشيان “أعتقد أن الملك حسين كان يرى معاهدة السلام كشيء ربما كان بإمكانه وحده تحقيقه ثم تركه كجزء من إرثه لخليفته”.
وتابع أن “جزءًا من الهدف كان إزالة هذه المشكلة الهائلة عن الطاولة بالنسبة للملك عبد الله الثاني والأجيال القادمة، لكن لا أعتقد أن الملك حسين كان ليتخيل المحنة اليائسة للشعب الفلسطيني بعد 30 عامًا. لقد بدا وكأنه يفترض أن السلام الإسرائيلي الأردني من شأنه أن يمهد الطريق للسلام الإسرائيلي الفلسطيني التالي”.
تمسك النظام الأردني بالمعاهدة مع دولة الاحتلال على مدى العقود الثلاثة الماضية وظلت قائمة حتى في خضم الحرب الوحشية الإسرائيلية في غزة، والتي قتلت حتى الآن أكثر من 43 ألف فلسطيني، أكثر من نصفهم من النساء والأطفال.
ومع ذلك، إذا كان هناك من شيء واحد يطالب به الأردنيون من جميع الخلفيات وفي مختلف التجمعات والاحتجاجات والمظاهرات التي عقدت منذ بدء الحرب، فهو إلغاء هذه المعاهدة مرة واحدة وإلى الأبد.
يقول مروان المعشر، وزير الخارجية الأردني السابق وأول سفير للأردن في (إسرائيل) إن “العديد من الأردنيين على المستويين الرسمي والعام يتساءلون عما تبقى من المعاهدة التي تبرر سبب توقيعها مع الحرب الإسرائيلية في غزة، والتي تقتل عشرات الآلاف من المدنيين، ومع التطهير العرقي الذي يمارسه المستوطنون في الضفة الغربية”.
ويزعم أن الهدف “الرئيسي” للأردن من توقيع المعاهدة في عام 1994 كان “تسهيل إقامة دولة فلسطينية على أرض فلسطينية” وكذلك “دفن” الحجة التي يتبناها اليمين المتطرف الإسرائيلي (الذي أصبح الآن جزءًا من حكومة نتنياهو)، بأن “الأردن هو فلسطين”، والتي تمثل بدورها تهديدًا وجوديًا وبالتالي للأمن القومي للأردن.
وقد عادت هذه الحجة إلى الظهور في السنوات الأخيرة، من قبل وزراء في مجلس الوزراء الإسرائيلي بعد أن كانت في السابق تدور على لسان مجموعة هامشية من السياسيين.
فقد ألقى وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش خطابًا في فرنسا قبل أشهر من أكتوبر 2023، عرض خلاله خريطة تضمنت الأردن والضفة الغربية المحتلة كجزء من (إسرائيل) وزعم أن الشعب الفلسطيني “مجرد اختراع”.
شكلت هذه التصريحات صفعة إسرائيلية جديدة للأردن، لكن (إسرائيل) لم تصدر اعتذارًا ولا بيانًا تدين فيه ما قاله سموتريتش، مما أضاف إلى العلاقات المتوترة بالفعل بين الحكومة الأردنية وحكومة بنيامين نتنياهو الأكثر تطرفًا في تاريخ البلاد.
وتطالب القطاعات الشعبية والأهلية في الأردن بأن معاهدة السلام يجب أن تُلغى، لا سيما مع تصاعد التحذيرات من أن يصبح الأردن جزءاً من (إسرائيل) الكبرى أو “الوطن البديل” للفلسطينيين.
التطبيع تدبير نفعي!
ومع ذلك، حتى مع استمرار الحروب التي تشنها (إسرائيل) في غزة والشهر الماضي في لبنان، فإن الموقف الرسمي الأردني كان ثابتًا وواضحًا: يظل الأردن ملتزمًا بالمعاهدة والتطبيع والتحالف مع دولة الاحتلال.
ويكتفي النظام الأردني بإعلان استمرار التزامه بحل الدولتين لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، على الرغم من أن هذا قد يبدو غير قابل للاستمرار اليوم، نظرًا للحقائق المتغيرة على الأرض مع التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، فضلاً عن الافتقار إلى الدعم لهذا المسار في السياسة والمجتمع الإسرائيلي.
زعم وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي بأن المعاهدة الأردنية الإسرائيلية “حققت جميع حقوقنا وخدمت مصالحنا”، مضيفًا أن “إلغائها لن يكون في مصلحة الأردن أو الفلسطينيين”.
كانت هذه رسالة متسقة كررها المسؤولون الأردنيون في جميع المجالات، وخاصة في الأشهر الثلاثة عشر الماضية وهو أمر انعكس على سياسات عمان في التحالف مع (إسرائيل) في كافة المجالات.
هناك أمر واحد مؤكد: لم يكن هناك إحياء لذكرى هذا اليوم، 26 أكتوبر/تشرين الأول 1994، الذي يصادف مرور ثلاثة عقود على المعاهدة.
وبحسب مراقبين فإنه “من الجانب الأردني، لا يبدو الأمر وكأن معاهدة التطبيع إنجاز عظيم ودائم، بل إنها أقرب إلى تدبير نفعي له استخداماته، وهي ببساطة مستمرة لأن البدائل قد تكون أسوأ” بالنسبة للنظام الأردني الفاقد للشرعية والشعبية.