تحليلات واراء

الحرب على غزة تدخل شهرها الـ16: صمود المقاومة وسط انحدار إقليمي

تدخل حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على قطاع غزة شهرها السادس عشر في ظل تصاعد صمود المقاومة وسط انحدار إقليمي لدول الطوق الوازنة فضلا عن انقسام دولي بشأن أولوية حل القضية الفلسطينية.

ويرى الباحث الفلسطيني حيان جابر أن أهم العوامل الفاعلة والمؤثرة في استمرار اعتداءات الاحتلال تنحصر في جبهة الاحتلال الداخلية (حاضنته الاجتماعية وقواه السياسية)، والدعم الدولي (سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وإعلامياً)، والموقف الإقليمي، والموقف الشعبي عالمياً وإقليمياً، وفاعلية قوى المقاومة وقوتها.

وأبرز جابر، تنامي قوة المقاومة الفلسطينية وفاعليتها، التي تكبد الاحتلال خسائرَ بشريةً وماديةً لم يعهدها، كما تكيفت مع ظروف إقليمية ودولية لا تساعد في البقاء أصلاً، ما مكنها من تطوير إمكاناتها القتالية واستراتيجياتها.

وهذا الأمر منع الاحتلال (حتى الآن) من سحق قوى المقاومة رغم طول مدة العدوان (ليس على قطاع غزة فقط، بل في فلسطين كلها)، ناهيك عن الدعم الغربي والأميركي الكبير والمتنوع، والمناخ الإقليمي الرسمي (وللأسف الفلسطيني الرسمي أيضاً) الداعم للعدوان، بل تمنيه نجاح الاحتلال في سحق مجمل قوى المقاومة، وفي مقدمتها حركة حماس.

بموازاة ذلك يشير جابر إلى تنامي الدعم الشعبي الدولي لصالح فلسطين، كما جسدته التظاهرات المنددة بالاحتلال وداعميه حول العالم أجمع.

كما ينبه إلى انقسام المجتمع الدولي بشأن فلسطين وقضيتها، والاحتلال الصهيوني بين معسكرَين، معسكر قانوني أخلاقي بقيادة جنوب أفريقيا (ما زال يتوسع)، ومعسكر غربي بقيادة أميركا، الذي لا يعبأ بصورته الأخلاقية والقانونية محلياً ودولياً.

والجدير بالملاحظة هنا؛ أن دعم هذا المعسكر الداعم لدولة الاحتلال لم يتحول دعماً فجاً وعلنياً فقط، بل تضاعف تضاعفاً غير مسبوق في الحجم والنوع والفاعلية.

في هذه الأثناء يبرز انحدار دور النظام الإقليمي انحداراً هائلاً ومرعباً، خصوصاً دول الطوق (مصر والأردن وسورية تحديداً، مع الأمل بتغير دور سورية إيجاباً بعد هروب بشار الأسد، بما ينسجم مع إرادة الشعب السوري)، وتصاعد واضح في الدعم الإيراني، إلى جانب تردد تركي مال قليلاً في الآونة الأخيرة إلى التصعيد سياسياً في مواجهة الاحتلال.

دعم شعبي مستتر

تحدث جابر عن دعم شعبي مستتر عبر عنه تصاعد المقاطعة وفعاليتها، فضلاً عن تصاعد الدعم الإعلامي والتقني والتوعوي، خصوصاً عبر منصات التواصل الاجتماعي.

وذلك في مقابل تراجع الحراك الشعبي الميداني إقليمياً، وبالتالي تراجع الضغط الشعبي على النظام الرسمي العربي، وعلى الولايات المتحدة، وعلى الاحتلال، الذي تربطه علاقات سياسية واقتصادية وأمنية مع جملة من دول الإقليمي المؤثرة في الوضع الفلسطيني.

من ذلك كله، نلحظ تغييراً في جميع العوامل المتحكمة في طبيعة اعتداءات الاحتلال ومدتها وطريقتها، منها تغيرات كابحة وأخرى مُعززة، فمن ناحية نجد تصاعداً في تأثير ثلاثة عوامل تدعم الاحتلال هي الدعم الغربي، والدعم الإقليمي، وتماسك حاضنة الاحتلال واستعدادها إلى تقديم المزيد.

وفي مقابل ذلك، نجد عاملين يكبحان اعتداءات الاحتلال هما تصاعد قوة المقاومة وفاعليتها، وتصاعد الدعم الشعبي عالمياً في مقابل تأرجح عامل شعوب المنطقة، بين تراجع دورها الظاهر عبر التظاهر والاحتجاج والضغط على الحكومات وتنامي دورها عبر المقاطعة ومنصات التواصل الاجتماعي.

بناءً عليه، وبحسب جابر فإنه من أجل وقف عدوان الاحتلال الحالي، نحن أمام أحد احتمالَين، إما نجاح الاحتلال في سحق قوى المقاومة كلياً، وهو ما تتبعه كوارث كُبرى، ليس على فسطين فقط، بل على مجمل شعوب الإقليم أيضاً، وربما أوسع من ذلك.

أو إجبار الاحتلال على وقف العدوان كلياً، وإرغامه على دفع ثمن باهظ أيضاً، سياسياً وأمنياً، وربما قانونياً، وهو الاحتمال الأفضل، لكن حصوله يتطلب زيادةَ فاعلية عوامل كبح الاحتلال واعتداءاته، كما في زيادة فاعلية قوى المقاومة الفلسطينية مثلاً.

فعلى الرغم من صعوبة تطوير المقاومة الآن، التي ربما وصلت إلى أعلى درجاتها في المرحلة الحالية، نلحظ أن المقاومة السلمية (داخل فلسطين) لم تبلغ بعد مستوياته المعتادة، التي كانت عليها قبل “طوفان الأقصى”، سواء في الضفة الغربية والقدس، أو في داخل الخط الأخضر.

وبحسب جابر فقد يتحقق ذلك أيضاً من خلال زيادة فاعلية الحراك الشعبي العالمي، بالتركيز أكثر على الفاعليات الاحتجاجية التي تضغط اقتصادياً على داعمي الاحتلال لوقف الدعم كلياً أو جزئياً، كما في الضغط على الصناعات العسكرية، وخطوط الشحن، خصوصاً البحرية، وكما في تعزيز مقاطعة الاحتلال اقتصادياً وثقافياً وسياسياً وإعلامياً، وملاحقته قانونياً، وملاحقة داعميه سياسياً واقتصادياً وإعلامياً.

وقد تساهم زيادة فعالية الدول الداعمة للحق الفلسطيني، على المستويات الميدانية والسياسية والقانونية، في إجبار الاحتلال على وقف عدوانه، كما في الإصرار على كسر الحصار عملياً، ودعم حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال، وصولاً إلى الدعم اللوجستي والسياسي الكامل.

ومن ذلك منح المقاومة الفلسطينية منصةً سياسيةً وإعلاميةً دوليةً، تفند من خلالها أكاذيب الاحتلال وداعميه، فضلاً عن إمكانية توظيفها لإعادة المسار الفلسطيني الرسمي إلى مساره الطبيعي باعتباره مسارَ حركةِ تحرر وطني.

وأخيراً، يعول على عودة فاعلية شعوب المنطقة في التعبير عن رفضها سلوك الاحتلال وداعميه، والأكثر أهميةً في رفضها سلوك النظام الإقليمي، إن نجحت في تجاوز/ تحدي السطوة الأمنية الهائلة المفروضة عليها، وما دون ذلك، يبدو الاحتلال مستعداً للاستمرار في عدوانه أكثر وأكثر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى