في غزة: احتماء من قنابل الموت بين القبور
لم تجد عائلة نازحة خيارا سوى اللجوء للإقامة بين القبور سعيا للاحتماء من قنابل الموت التي تواصل دولة الاحتلال الإسرائيلي إسقاطها على القطاع على مدار الساعة منذ عشرة أشهر متتالية.
ويقول محمد أبو غلبان إن كل الملاجئ في خان يونس مكتظة مع استمرار الحرب الإسرائيلية ما دفعه لخيار هو الأصعب على الاستيعاب من العقل البشري وهو الإقامة في مقبرة.
ويطرق أبو غلبان البالغ من العمر 25 عاماً على قطعتين من الخشب محاولا من داخل المقبرة “النمساوية” بناء مأوى لزوجته وأطفاله الثلاثة.
احتماء بين الموتى
تقع المقبرة بالقرب من مجمع ناصر الطبي في خان يونس، حيث الهواء أكثر هدوءًا في هذا الجزء من المدينة، ولا يُسمع سوى أصوات الطائرات بدون طيار التي تطير في السماء.
وبعد أن تم تعذر لأبو غلبان العثور على مكان إيواء في المستشفيات والمدارس المكتظة بشدة، أصبح النوم في المقبرة الملاذ الأخير لعائلته، حيث يحتمي بين الموتى.
وقال أبو غلبان: “لم نتمكن من العثور على مكان للإقامة، ولم نكن نعرف إلى أين نذهب”.
وتابع “لم نجد شيئاً غير المقبرة التي تعد مكاناً آمناً لترك نسائنا وأطفالنا”.
وأصبح الاكتظاظ في الملاجئ “قضية ملحة” في غزة وسط الحرب الإسرائيلية المستمرة وفقا لتقرير صدر في مايو/أيار عن مركز مراقبة النزوح الداخلي (IDMC)، حيث تجاوزت بعض المرافق قدرتها المفترضة على الاستيعاب بأربعة أضعاف.
وبحلول الحادي والثلاثين من ديسمبر/كانون الأول، بلغ عدد النازحين داخلياً في غزة 1.7 مليون شخص، وهو ما يمثل 83% من سكان القطاع، وذلك بعد صدور أوامر عسكرية إسرائيلية بإخلاء منازلهم.
ومن بين هؤلاء النازحين أشخاص مثل أبو غلبان وعائلته، الذين يحاولون التهرب من مخاطر الحرب.
“لا يوجد مكان آمن في غزة”
يقول محمد أبو غلبان إنه يبني ملجأ في مقبرة لأن كل مستشفى ومدرسة ذهب إليها كانت مكتظة.
ويؤكد مع عائلته أنهم بعد نزوحهم من منزلهم الذي تعرض للقصف لم يجدوا أي مكاناً آمن.
وانتهج الاحتلال ممارسة الإخلاء التهجير القسري المتكرر ضد مواطني قطاع غزة منذ بدء حرب الإبادة.
فمع بدء الحرب أخطر الجيش الإسرائيلي المدنيين الفلسطينيين في مناطق غزة وشمالها إلى إخلاء منازلهم والتوجه جنوباً.
وبعد أشهر، قسم جيش الاحتلال القطاع إلى ثلاثة أجزاء، وأعلن أجزاء من وسط غزة ورفح “مناطق آمنة”، على الرغم من أن كثيرين قالوا إن مثل هذه المناطق انتهت إلى القصف أيضاً.
ومنذ ذلك الحين، عدل الجيش الإسرائيلي بعض حدود المناطق الآمنة، وتوغل بريا في رفح ومناطق وسط قطاع غزة كذلك.
وبشكل عام، خلقت الحرب حالة من عدم وجود “مكان آمن في غزة” للمدنيين، وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
وأشار المكتب إلى أن أوامر الإخلاء الجماعي المستمرة مربكة، وأن شدة الهجمات على المناطق التي يتحرك المدنيون عبرها تجعلهم أكثر عرضة للخطر.
ويعيش العديد من سكان غزة في خيام مؤقتة في ظروف بائسة، حيث يشكون من انتشار الأمراض وسوء النظافة، وسط فوضى النزوح المتعددة.
الإرهاق بعد النزوح المتعدد
بالقرب من سوق خانيونس، تجلس دعاء أبو جامع (27 عاماً) مع أطفالها تحت خيمة تقف على جدران أحد المباني. هذا هو نزوحها الثالث عشر خلال عشرة أشهر.
وتقول أبو جامع إنه في 22 يوليو/تموز، سقطت القنابل على حيها، فهربوا دون أن يحملوا معهم سوى الملابس التي كانوا يرتدونها.
وتضيف “بدأنا السير والذهاب إلى حيث كان الناس يذهبون. ومن شدة الإرهاق بقينا في هذا المكان… لقد مرت ثلاثة أيام”.
وتجلس مع عائلات أخرى على حصائر على الدرج، متعلقاتهم مكدسة على جدران المبنى خلفهم. ملاذهم الوحيد هو الصفائح المعدنية فوق رؤوسهم.
وتقول “بعض الناس يجلبون لنا الطعام والماء، ونحن ننام في الشوارع”.
وفي المقبرة، يواصل الأصدقاء المساعدة في تجهيز مأوى أبو غلبان. ويقول إن هذه ليست سوى واحدة من المرات العديدة التي نزح فيها منذ بداية الحرب.
ويضيف “أنه شعور غير جيد. الإرهاق والمعاناة… لا يوجد ماء مناسب”.
يذهب للمساعدة في سحب القماش المشمع فوق الهيكل الخشبي الذي تم بناؤه، بين الأنقاض وشواهد القبور. سيكون هذا هو المنزل، حتى النزوح التالي.
سوف يحل الليل قريباً على عائلة أبو غلبان. وقد بدأ الأطفال في اللعب بين القبور. ويعني عمل اليوم أنه وفر سقفاً فوق رؤوس أفراد عائلته حتى ولو كان مجرد نايلون.
المصدر/ قناة CBC الأمريكية