تحليلات واراء

فايننشال تايمز: خطة ترامب لغزة تضغط على السيسي “ديكتاتوره المفضل”

قالت صحيفة فايننشال تايمز الأمريكية إن خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المثيرة للجدل لتهجير سكان قطاع غزة تضغط على الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الذي يسعى لإفشال الخطة الأمريكية الإسرائيلية، مع الحفاظ في الوقت نفسه على علاقات جيدة مع الرئيس الأميركي.

وأبرزت الصحيفة أنه عندما تولّى ترامب منصبه رئيسا للولايات المتحدة في ولاية ثانية، كان من المتوقع أن يتمتع السيسي بعلاقات أفضل مع واشنطن، لا سيما أن الرئيس الأميركي وصفه ذات مرة بأنه “ديكتاتوره المفضل”.

وأشارت الصحيفة إلى أنه مع عودة ترامب، تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة بين إسرائيل وحركة “حماس”، ما أدى إلى تهدئة مؤقتة لحرب إبادة دامت لأكثر من عام على حدود مصر.

كما أعلن الحوثيون تقليص هجماتهم على الشحن في البحر الأحمر، ما فتح المجال أمام عودة السفن إلى قناة السويس وتخفيف الاضطراب الذي كلّف مصر ما يُقدّر بـ7 مليارات دولار من الإيرادات العام الماضي.

لكن الأمور تدهورت منذ ذلك الحين. فقد استأنفت إسرائيل هجماتها العسكرية في غزة الشهر الماضي، مما أحبط الآمال بإنهاء وشيك لحرب الإبادة وتحقيق الاستقرار.

واستأنف الحوثيون والولايات المتحدة الضربات المتبادلة، مما أعاد إشعال التوترات في البحر الأحمر. وفي الوقت ذاته، كرر ترامب مقترحاته بطرد سكان غزة البالغ عددهم 2.2 مليون إلى الأردن ومصر، وهو تهديد قد يكون بالغ الخطورة على الاستقرار في المنطقة.

بحسب الصحيفة فإن هذا الوضع ترك الرئيس المصري في موقف بالغ الحساسية، وهو يحاول عدم إثارة غضب رئيس أميركي متقلّب وصفقاته مبنية على المنفعة، في الوقت الذي يقود فيه جهودًا دبلوماسية للبحث عن خطة سلام بديلة لغزة.

وقالت ميريت مبروك، الزميلة البارزة في معهد الشرق الأوسط بواشنطن: “لقد لعب السيسي أوراقه بحذر شديد. في نهاية المطاف، لدى الرئيس ترامب القدرة على قلب القواعد المعتادة”.

لطالما اعتمدت مصر على دعم الولايات المتحدة، حيث توفر واشنطن مساعدات عسكرية سنوية بقيمة 1.3 مليار دولار، وساعدتها العام الماضي في تأمين قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 8 مليارات دولار لتفادي الانهيار الاقتصادي.

وكان هذا الدعم جزئيًا تقديرًا لدور مصر الوسيط في التهدئة في غزة، وأيضًا للحفاظ على استقرار أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان.

وفي حين كانت العلاقات باردة في عهد أوباما، فقد شهدت تحسنًا كبيرًا في عهد ترامب الأول، الذي استقبل السيسي مرتين في البيت الأبيض، واصفًا إياه في قمة عام 2019 بأنه “ديكتاتوري المفضل”.

لكن تسهيل خطة ترامب المثيرة للجدل بتفريغ غزة من سكانها وتحويلها إلى “ريفييرا الشرق الأوسط” أمر مستحيل على أي زعيم عربي.

ويقول محللون إن الرأي العام المصري والعربي سيعتبر السيسي خائنًا للقضية الفلسطينية، وهو ما قد يؤجج المعارضة ويزعزع الاستقرار. فالرئيس المصري الأسبق أنور السادات اغتيل عام 1981 جزئيًا بسبب الغضب من توقيعه اتفاقية تطبيع مع “إسرائيل”.

ومع ذلك، فقد ضاعف ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من إصرارهما. ففي اجتماع بالبيت الأبيض الأسبوع الماضي، كرر ترامب مزاعمه بأن غزة، “قطعة عقارية مهمة بشكل مذهل”، يجب أن تكون تحت السيطرة الأميركية.

ومنذ بداية الحرب في أكتوبر 2023، تخشى مصر أن يكون الهدف النهائي لإسرائيل هو دفع الفلسطينيين لعبور الحدود نحو صحراء سيناء.

وقد صدرت أوامر بالإخلاء لأكثر من ثلثي غزة، في حين منعت السلطات الإسرائيلية إدخال أي مساعدات منذ بداية مارس، وأعلنت عن إنشاء هيئة جديدة للإشراف على “الهجرة الطوعية” للفلسطينيين. واتهمتها القاهرة باستخدام “الجوع كسلاح”.

وقال نتنياهو في البيت الأبيض إن على سكان غزة “أن تُمنح لهم فرصة المغادرة”، زاعما أن دولة الاحتلال لا تحتجزهم، في إشارة إلى رفض مصر السماح بنقل السكان.

ويرى مايكل واهيد حنا من مجموعة الأزمات الدولية أن تدهور الأوضاع في غزة في ظل القصف والحصار الإسرائيلي يبدو وكأنه تمهيد لترحيل السكان.

وقال: “إذا نظرنا إلى الخطاب في واشنطن، وما يحدث على الأرض، وما يقوله الإسرائيليون، يصعب ألا نرى أن الترحيل وتفريغ غزة من سكانها في صلب ما يحدث”.

وقد امتنع السيسي عن انتقاد الرئيس الأميركي، مكتفيًا بالقول إنه لن “يشارك في ظلم ضد الفلسطينيين”.

وفي محاولة لمداهنة ترامب، قال السيسي في يناير إن الرئيس الأميركي “قادر على تحقيق الهدف المنشود منذ زمن بعيد، وهو سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط” — رغم أن الخطة التي يتحدث عنها أدانها العالم باعتبارها تطهيرًا عرقيًا.

بدلاً من ذلك، حاول السيسي حشد الدعم الدولي لخطة بديلة لإعادة إعمار غزة وضمان بقاء الفلسطينيين على أرضهم، لكن بنتائج محدودة.

وقد حصل على دعم جامعة الدول العربية، ومع بعض التحفظات، دعم من الاتحاد الأوروبي لمقترح يقضي بتشكيل لجنة من التكنوقراط الفلسطينيين لإعادة إعمار غزة.

لكن الولايات المتحدة والحكومة الإسرائيلية رفضتا الخطة لأنها لا تتضمن نزع سلاح فصائل المقاومة أو ضمان مغادرتها، وهو أمر سيراه الرأي العام العربي خيانة وتعاونًا مع الاحتلال.

وقال حنا: “مصر تدرك محدودية الخطة، لكنها لا تستطيع المضي قدمًا في القضايا الجوهرية دون دعم دبلوماسي أوسع بكثير”.

ويعي السيسي تمامًا أن معارضة ترامب قد تكلّفه الكثير. ففي فبراير، لوّح ترامب بإمكانية قطع المساعدات العسكرية عن مصر والأردن بعد رفضهما خطته.

ورغم أنه تراجع لاحقًا، فإن صبره ليس مضمونًا. ففي محادثة مسرّبة على تطبيق “سيغنال” بين مسؤولين أميركيين حول الهجوم على الحوثيين، قال أحدهم إنه ينبغي توضيح ما تتوقعه الإدارة من مصر “مقابل” الدعم.

ورغم كل ذلك، تقول مبروك إن المخاطر المترتبة على قبول إعادة توطين فلسطينيي غزة أكبر بكثير من أي مكاسب محتملة.

وتختم بقولها: “المصريون لن يخضعوا، لأن لا شيء يمكن أن تفرضه الولايات المتحدة سيكون أسوأ مما قد يحدث لهم إن وافقوا على تفريغ غزة من سكانها”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى