تحليلات واراء

القادة العرب ينسفون الكرامة الشخصية بخضوعهم لواشنطن والاحتلال

لا بد أن أي مواطن عربي يتمتع بذرة من الكرامة الشخصية قد شعر بالحرج الشديد عندما شاهد التفاعل الذي حدث في البيت الأبيض مؤخرا عندما استقبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الملك عبد الله ملك الأردن.

إذ لم يتفوه العاهل الأردني بكلمة واحدة عندما شرح الرئيس الأميركي رؤيته لغزة، وهو ما يتطلب تحديث كل كتيبات الدبلوماسية لتعكس هذا النظام الجديد من “السياسة الخارجية العقارية”.

لقد ضاعف ترامب من تأكيده على ضرورة التطهير العرقي للسكان الفلسطينيين في غزة وإعادة توطينهم في الدول المجاورة باستثناء (إسرائيل).
ويهدد هذا الاقتراح بقلب المنطقة رأساً على عقب وزعزعة استقرار البلدين الهشين اللذين من المفترض أن يكونا المتلقيين الرئيسيين لمليوني فلسطيني: مصر والأردن.

ولم يتضح بعد ما إذا كان الملك عبد الله قد قال أي شيء لترامب بعد مغادرة وسائل الإعلام للمكتب البيضاوي.

لكن ليس من المستغرب أن يتم تأجيل الزيارة الوشيكة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى واشنطن . ولعل السيسي لم يكن راغباً في تلقي نفس المعاملة المهينة التي لقيها الملك الأردني.

ويبدو من غير الواضح أيضًا ما إذا كان ما يقوله ترامب يعكس تفكيره الخاص، أم أنه نتاج العديد من المستشارين الصهاينة الذين اختارهم لفريق السياسة الخارجية الخاص به.

لكن هناك دليلاً مقنعاً يمكن أن نجده في التعليقات الأخيرة التي أدلى بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

فحتى لا يتفوق عليه حليفه الأميركي، قال نتنياهو إن الدولة الفلسطينية يمكن أن تنشأ في المملكة العربية السعودية ، التي تتمتع بالكثير من الأراضي المجانية تحت تصرفها.

وعلى أقل تقدير، لم يبد الديوان الملكي في الرياض راضيا عن هذا الاقتراح. ففي رده الصريح على نتنياهو وترامب، صب القصر الملكي ماء باردا على كليهما يوم الأحد الماضي، قائلا: “أن السعودية ستواصل جهودها الدؤوبة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية ولن تقيم علاقات مع (إسرائيل) دون ذلك”.

في الواقع، ربما تكون سنوات من الدبلوماسية الأميركية والإسرائيلية تجاه السعودية وتوسيع اتفاقيات إبراهيم قد تعرضت للخطر بسبب التصريحات الخرقاء لترامب ونتنياهو. والوقت كفيل بإثبات ذلك.

معضلة معقدة

إذا كانت الأنظمة الملكية العربية راغبة حقاً في التأثير على عملية صنع القرار في الولايات المتحدة فيما يتصل بإحلال السلام العادل والدائم في الشرق الأوسط، فلابد وأن تتعاون فيما بينها على نحو منسق. وربما تكون القمة العربية الطارئة المرتقبة إحدى الفرص الأخيرة لتحقيق هذا الهدف.

لكن من المؤسف أن التاريخ أثبت مراراً وتكراراً أن مثل هذه التجمعات تتسم بالخطابات الرنانة، التي لا يعقبها إلا القليل من العمل الملموس.

وآخر مرة اقترحت فيها جامعة الدول العربية شيئاً ذا مغزى، وهو مبادرة السلام العربية في عام 2002، تجاهلتها الولايات المتحدة و(إسرائيل) عملياً.

وتواجه السعودية معضلة معقدة: كيف يمكنها تعزيز أجندتها الإصلاحية، التي تتطلب الدعم الأمريكي وبيئة إقليمية سلمية، مع الحفاظ في الوقت نفسه على شرعيتها كخادمة للحرمين الشريفين؟

وبعبارة أخرى، كيف يمكن لولي العهد السعودي محمد بن سلمان أن ينضم إلى اتفاقيات إبراهيم في حين تعمل الولايات المتحدة و(إسرائيل)، بخطابهما التحريضي وأفعالهما الوحشية على الأرض، على تقويض الحد الأدنى من متطلبات الاستقرار والسلام في المنطقة بشكل منهجي؟.

ولم يوفر ترامب على ولي العهد السعودي جرعته الخاصة من الإذلال عندما قال إنه لتكريم المملكة بزيارته الأولى، سيحتاج إلى 500 مليار دولار من المملكة في شكل مشتريات؛ وعندما التزمت المملكة بـ 600 مليار دولار ، رفع ترامب المبلغ إلى تريليون دولار.

وتعتمد الملكية الأردنية الهشة، مثل مصر، على الدعم الاقتصادي والعسكري والاستخباراتي الغربي.

بالنسبة للعديد من الباحثين المتخصصين في دبلوماسية الشرق الأوسط، فإن سلوكيات الولايات المتحدة و(إسرائيل) تتحدى المنطق والحكمة التقليدية.

ويبدو أن ترامب يسعى إلى مساعدة نتنياهو في تحقيق هدفه المتمثل في استئناف الحرب في غزة . ويبدو أنهم لم يتعلموا شيئًا من الأشهر الخمسة عشر الماضية من الفشل.

لكن الأسوأ قد يأتي: لن يكون مفاجئًا إذا اعترفت الإدارة الأمريكية الجديدة رسميًا بمزيد من الضم الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، إلى جانب ضم جديد للأراضي السورية.

وجاء الرد السعودي على هذا الدعم العلني للتوسع الإسرائيلي في بيان آخر من الديوان الملكي، انتقد فيه التصريحات التي “تهدف إلى صرف الأنظار عن الجرائم المستمرة التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي ضد الأشقاء الفلسطينيين في غزة، بما في ذلك التطهير العرقي الذي يتعرضون له”.

فهل ستواصل الأنظمة الملكية العربية، في ظل هذه النبرة القاسية الجديدة في الدبلوماسية السعودية، الالتزام باتفاقيات إبراهيم؟ وهل ستواصل مصر والأردن الالتزام بمعاهدات السلام مع (إسرائيل)، في حين تبدو نوايا الأخيرة بعيدة كل البعد عن السلام؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى