غزة الصغيرة جغرافيا الكبيرة في تأثيرها الإقليمي والدولي

تبرز غزة المنطقة الصغيرة على خريطة العالم، بتأثير عميق على السلام والاستقرار الإقليميين في الشرق الأوسط، مما دفع العديد من المنظمات ومراكز الفكر إلى اقتراح خطط لمستقبلها. ولكن للأسف، جُرِّد الفلسطينيون من حقهم في تقرير مصيرهم.
وسلط موقع Diplomacy Now الدولي، على أن معاناة غزة لم تبدأ في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بل استمرت لأكثر من 58 عامًا من الاحتلال، تفاقمت بفعل 17 عامًا من الحصار غير القانوني ودورات متكررة من الهجمات والغزوات العسكرية.
وقد أدت هذه الظروف إلى دمار هيكلي واسع النطاق، وتراجع في التنمية، وتدهور ممنهج في الظروف المعيشية – بلغ من الشدة حد إعلان الأمم المتحدة أن غزة غير صالحة للعيش بحلول عام 2020.
وقد أدت حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية المستمرة في غزة إلى مستوى غير مسبوق من الدمار، حيث استشهد أو جُرح 7% من السكان، ونُزح 91% منهم قسرًا داخل القطاع.
خطط “اليوم التالي”
تُعطي معظم الخطط المُصاغة في الولايات المتحدة وأوروبا الأولوية للسيطرة الإسرائيلية على غزة، متجاهلةً حق الفلسطينيين في الوجود وتقرير المصير. ويُصرّ الشعب الفلسطيني في غزة على أن يكون الفلسطينيون هم من يقودون “اليوم التالي” في غزة.
وقد فشلت خطة إخلاء غزة تحت التهديد والضغط العسكري. في اليوم الأول لوقف إطلاق النار [19 يناير/كانون الثاني]، عاد 300 ألف نازح من جنوب غزة إلى شمالها، مما يُظهر صمود الفلسطينيين الدائم. يدرك الفلسطينيون، بعد أن تعلموا درس نكبة عام 1984، أن النزوح المؤقت قد يتحول في كثير من الأحيان إلى نزوح دائم.
اقترحت مقترحات أخرى وضع غزة تحت سلطة انتقالية تابعة للأمم المتحدة، لكن الأمم المتحدة رفضت هذه الفكرة، حيث انتهى نظام الوصاية التابع للأمم المتحدة فعليًا عام 1994.
من مصلحة الشعب الفلسطيني أن يرافق إعادة إعمار غزة إعادة بناء شاملة للنظام السياسي الفلسطيني، وإنهاء الانقسام الداخلي، وإقامة حكومة مركزية تحكم غزة والضفة الغربية. وللأسف، دأبت الولايات المتحدة وإسرائيل على عرقلة هذه الجهود. ونتيجةً لذلك، وافق الفلسطينيون على تشكيل لجنة فنية مستقلة بإشراف الحكومة الفلسطينية للإشراف على إعادة إعمار غزة.
خطة إعادة الإعمار بقيادة مصر
تم اقتراح العديد من خطط إعادة الإعمار، بما في ذلك تلك التي اقترحتها السلطة الفلسطينية ومصر والإمارات العربية المتحدة، فضلاً عن العديد من المنظمات المستقلة.
نجحت السلطات المصرية في بناء إجماع وطني ضد تهجير الفلسطينيين من غزة. واقترح القطاع الخاص المصري، خطةً مدتها ثلاث سنوات، بقيمة 27 مليار دولار، بمشاركة 50 شركة إنشاءات كبرى، لإعادة إعمار غزة مع ضمان بقاء أهلها في وطنهم.
إضافةً إلى ذلك، شكلت نقابة المهندسين المصرية لجنةً فنيةً رفيعة المستوى، وتعاونت مع نقابة المهندسين الفلسطينية للمساهمة في تخطيط وتنفيذ إعادة إعمار غزة.
في مرحلة لاحقة، جاءت الخطة المصرية الرسمية، الصادرة في 4 مارس/آذار 2025، ردًا سريعًا على اقتراح دونالد ترامب بإجلاء سكان غزة إلى سيناء، والذي يُشكل تهديدًا خطيرًا للأمن القومي المصري.
وتستند الخطة في المقام الأول إلى دوافع سياسية وأمنية، وقد أيدها القادة العرب والسلطة الفلسطينية، بالإضافة إلى المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وجهات دولية أخرى.
تكمن نقاط القوة الرئيسية للخطة في شرعيتها الإقليمية، والنفوذ الدبلوماسي الذي توفره، والموارد المالية المتاحة لدعم تنفيذها. هذه العوامل تعزز فرص نجاحها ودعمها الواسع. أما نقطة الضعف الرئيسية فهي تقنية بحتة، إذ وُضعت الخطة على عجل وتتطلب مراجعة تقنية إضافية.
العناصر الرئيسية للخطة هي:
- لا نزوح للفلسطينيين خارج غزة
- إعادة الإعمار ممكنة مع بقاء السكان في غزة
- إعادة إعمار متعددة المراحل على مدى خمس سنوات
- تدفق حر لمواد البناء والمعدات الثقيلة
- أساس للمؤتمر الدولي
- الحفاظ على اتصال غزة بإسرائيل كقوة احتلال
- توسيع مساحة غزة لأول مرة
- خطة مرنة، مفتوحة للتفاوض
- التصميم الهندسي يحترم السياق المحلي
- الأولوية للعمال المحليين
- دمج عناصر الاستدامة
- جدول زمني طموح
الموقف الفلسطيني من الخطة المصرية
أيدت المواقف الفلسطينية الخطة المصرية أملا في تحقيق هدفها المنشود، وهو إثبات إمكانية إعادة إعمار غزة دون تهجير سكانها خارجها. ومع ذلك، من الناحية الفنية، وُضعت الخطة على عجل، وتحتاج إلى مزيد من المراجعة.
وللتحرك الفاعل، لا بد من انتهاء الحرب على غزة بشكل كامل، يليه عقد المؤتمر الدولي لإعادة إعمار غزة ، الذي تُعدّه وزارة الخارجية المصرية بالتعاون مع الجهات المعنية الرئيسية. وستكون تعهدات المانحين في المؤتمر مؤشرًا على التزامهم بإعادة إعمار غزة.
تجري حاليًا مناقشة حوكمة إعادة إعمار غزة. وقد اتفقت السلطة الفلسطينية مع المانحين على إنشاء صندوق استئماني يديره البنك الدولي. وستتولى لجنة فنية مستقلة مرتبطة بمجلس الوزراء الفلسطيني تنفيذ المشروع.
وبعد قيادة جهود إعادة إعمار غزة في الصراعات، فإن الدروس الرئيسية المستفادة هي:
غياب حل سياسي مستدام: بدون حل سياسي مستدام لمستقبل غزة، ستذهب جميع جهود إعادة الإعمار سدىً، وسيعود الدمار. يجب على إسرائيل الاعتراف بحقوق شعب غزة في العيش بسلام وازدهار، ورفع الحصار، وإنهاء الاحتلال.
إنهاء الانقسام السياسي الفلسطيني: يجب على الفلسطينيين حل الانقسام السياسي الذي أثر سلبًا على غزة والوطن بأكمله. لا يمكن لأي فصيل فلسطيني أن يحكم بمفرده. يجب أن يتعلموا التعايش فيما بينهم، وأن يضعوا أجندة سياسية موحدة تهدف إلى إقامة دولة مستقلة وديمقراطية.
إضفاء الطابع المؤسسي على إعادة الإعمار: نظراً لتعرض غزة لسلسلة من الاعتداءات، والتي قد تستمر في ظل الاحتلال الإسرائيلي والجمود السياسي، من الضروري إنشاء مؤسسة محلية مستدامة لقيادة التدخلات خلال مراحل التأهب والاستجابة والإنعاش المبكر وإعادة الإعمار. وينبغي تشكيل هذه المؤسسة الوطنية وإدارتها بناءً على اعتبارات فنية، متجنبةً الأجندات السياسية الفلسطينية الداخلية التي قد تعيق عملها.
مع ذلك، وفي ظل غياب حكومة موحدة واستمرار الانقسام السياسي بين الفلسطينيين، ينبغي تمكين منظمات المجتمع المدني الفلسطيني ومؤسسات القطاع الخاص من الاضطلاع بدور في جهود إعادة الإعمار. وينبغي على الجهات المانحة والسلطة الفلسطينية وسلطات الأمر الواقع قبول دور منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص.
إشراك المجتمعات المحلية: تتمتع المنظمات الشعبية بوصول أسرع إلى المجتمعات المحلية مقارنةً بالحكومة. لذا، يُعدّ إنشاء لجان طوارئ مجتمعية محلية أمرًا بالغ الأهمية. وينبغي تدريب هذه اللجان وتمكينها.