تحليلات واراء

التاريخ لن يرحم كل من يحرف البوصلة في ذروة الإبادة الإسرائيلية

بينما تتصاعد دعوات الفتنة في غزة المكلومة والمدمرة وتحشد عملائها من داخل حركة فتح والسلطة الفلسطينية ودولة التطبيع العربي في انسجام كامل مع الاحتلال الإسرائيلي فإن الثابت الوحيد أن التاريخ لن يرحم كل من يحرف البوصلة في ذروة الإبادة الإسرائيلية.

وسيكتب التاريخ كل من يتورط في محاولة تأجيج الصراعات الأهلية واستغلال المحنة الإنسانية لأهل قطاع غزة بعد نحو عام ونصف من تعرض لحرب إبادة جماعية وتجويع لأهداف سياسية هي في الأصل لا تصب في سوى في خانة الخيانة والعمالة للاحتلال.

أبرز الأمثلة على ذلك الانسجام حد التطابق في الأذرع الإعلامية الإسرائيلية مع نظيرتها في السلطة الفلسطينية ودول التطبيع بهدف التحريض العلني على المقاومة الفلسطينية ومحاولة تحميلها أمام حضانتها الشعبية مسئولية استمرار حرب الإبادة والكارثة الحاصلة في غزة.

إن حرب الإبادة المستمرة في غزة تتم بدعم أميركي غربي، ووسط تواطؤ الأنظمة العربية وتخاذلها وصمتها، والاحتجاج الشعبي عليها في قطاع غزة مشروعة، ومطالبه صادقة.

لكن بحسب الباحث والكاتب المغربي علي أنوزلا فإن ما هو مستفزّ ومقزّز استغلال الاحتلال وصحافته وأزلامه في الدول العربية، بما فيها المغرب، تلك التظاهرات لأناس يائسين إلّا من الأمل بوقف مأساتهم، لتحميل المقاومة الفلسطينية حرب الإبادة التي يشنّها الاحتلال في تحدٍ سافر للقوانين والمواثيق الدولية، والأعراف البشرية والأخلاق الإنسانية كلّها.

ويتساءل أنوزلا “أين كان هؤلاء الصهاينة وعملاؤهم عندما كان هؤلاء الغزّيون يُقتلون ويُقصفون وتُدمَّر بيوتهم، ويُشرّد ويُطارَد ويُجوّع ويُحاصر مَن نجا منهم مِن الموت المحقّق؟ لا يأتي في الإعلام العبري بتاتاً ذكر ضحايا حرب الإبادة ويتم تجاهل المجازر والمآسي المستمرة في قطاع غزّة”.

ويتابع “في حين يتعامل الإعلام العربي الرسميّ وشبه الرسميّ، بانتقائية كبيرة مع مأساة الفلسطينيين؛ فهما يُبديان التعاطف معهم عندما كانت المقاومة تتصدّى للعدو، ويتشفيان، في الوقت نفسه، من المقاومة، ويحمّلانها مسؤوليةَ حرب الإبادة الجارية، كلّما بدا أن شوكتها قد لانت أو انكسرت، وأنها باتت أقرب إلى الاستسلام وإعلان هزيمتها، كما يحدث اليوم عندما يسارع هذا الإعلام إلى تجييش حاضنةِ المقاومة ضدّها”.

ويشدد أنوزلا على أن مأساة الفلسطينيين في غزّة والضفة الغربية وفي الشتات، لم تبدأ يوم 7 أكتوبر 2023، ولم تحدُث بسبب وجود المقاومة الفلسطينية، خاصّة “حماس”، فقبل وجود الحركة عام 1987، كانت النكبة وكانت المجازر الإسرائيلية، والقصف العشوائي للمدن والقرى والمخيّمات الفلسطينية، والاغتيالات، وتدمير البيوت فوق رؤوس أصحابها، وتجريف الحقول ومصادرة الأراضي، وتهجير وتشريد السكّان العُزّل الأبرياء.

وهذا كلّه كان يحدث في صمت عربي وغربي شبه مطبق، قبل أن يتحوّل الصمت العربي خياناتٍ وتواطؤاتٍ هدفُها القضاء على القضية الفلسطينية، من خلال دخول أنظمة عربية في اتفاقات ومعاهدات مع العدوّ الإسرائيلي هدفُها تصفية القضية الفلسطينية.

ويؤكد أنوزلا أن هجوم 7 أكتوبر ما هو إلّا ردّة فعل على هذا الصمت كلّه، والخذلان، والمؤامرات العربية الرسمية، وحتى لو لم يحدث هذا الهجوم، فإن إسرائيل كانت تخطّط للقيام به، ومن يشكّكون في مثل هذه الفرضية عليهم أن يُعيدوا قراءة تنظيرات برنارد لويس، التي تدعو إلى وضع وصاية غربية كاملة على العرب والمسلمين، وترى أن الحلّ الأنجع للتعامل معهم هو إعادة احتلالهم واستعمارهم.

ويختم “على مناصري القضية الفلسطينية، والمؤمنين بعدالة هذه القضية، ألّا يفقدوا البوصلة، أصل الشر في الشرق الأوسط هو الكيان الصهيوني ومَن زرعوه في المنطقة، ويرعونه بالمال والسلاح”.

إذ أن الصهيونية ليست عدوّة الشعب الفلسطيني فحسب، وإنما هي عدوة الشعوب الحرّة كلّها، بؤرة هذا السرطان هي فلسطين، ولن يقف تمددّه في حدودها التاريخية، لأن أطماعه لا ولن تتوقف، وشهية القتل والدمار لديه سوف تستمرّ ما دام لا يوجد رادع يقف أمامها. وهذا العدوّ لا يفهم سوى لغة واحدة هي لغة المقاومة بأشكالها وأصنافها كلّها، بما فيها الكلمة، وهذا أضعف الإيمان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى