تحليلات واراء

ينبغي على الدول العربية وقف استرضاء “إسرائيل” التوسعية

رغم حروب الإبادة المستمرة في غزة ولبنان، فإن الموقف الرسمي الأردني يدفع باتجاه أن العالم العربي سيضمن أمن “إسرائيل” في سيناريو حل الدولتين في سياسة مفضوحة تستهدف استرضاء الاحتلال بدلا من مواجهته.

في مقطع فيديو نشره على حسابه الرسمي عبر تطبيق تيك توك في وقت سابق من هذا العام، قام رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأخذ مجموعة من الأطفال الأيتام من أبناء الجنود الإسرائيليين في جولة في مكتبه، مشيرًا إلى صورة لمجمع المسجد الأقصى – حيث تم إزالة المسجد فقط، واستبداله بنموذج للمعبد الثالث.

هذه صورة ينظر إليها نتنياهو كل يوم أثناء عمله. وهي تساعد في تشكيل وعي وعمليات صنع القرار لزعيم يضمر طموحات لتوسيع أراضي “إسرائيل” من خلال الضم أو زيادة السيطرة على الضفة الغربية المحتلة وغزة، مما يقطع أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية.

ومن المثير للاهتمام أن نسمع وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي يؤكد بقوة الأسبوع الماضي أن 57 دولة عربية وإسلامية مستعدة لتوفير الأمن لإسرائيل في مقابل إقامة دولة فلسطينية ــ على الرغم من الإبادة الجماعية المستمرة في غزة والقصف على لبنان.

بالإضافة إلى القضية الفلسطينية، ألحقت “إسرائيل” أضراراً جسيمة في مختلف أنحاء المنطقة، بما في ذلك البلدان التي أقامت علاقات طبيعية مع تل أبيب، مما أدى إلى إثارة الاضطرابات العامة.

تجاهل التوسع الإسرائيلي

لا يمكن تجاهل العالم العربي للخطاب السياسي في “إسرائيل”، إلى جانب التغيرات الاجتماعية والديمغرافية التي شهدتها البلاد على مدى العقود الثلاثة الماضية.

خلال هذه الفترة، نجح اليمين بقيادة نتنياهو في تحديد النغمة السياسية بعد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق إسحاق رابين، الذي أشار مقتله في أعقاب اتفاقيات أوسلو إلى المخاطر التي يواجهها أي زعيم يدفع نحو عملية السلام.

لقد تكثفت هذه العقلية على مر السنين، مما أدى إلى نشوء إجماع على أنه لا يمكن التنازل عن المستوطنات الكبيرة، وأن القدس المحتلة تنتمي إلى “إسرائيل”، وأن حق العودة للاجئين الفلسطينيين لا وجود له. وحتى المعارضون العلمانيون لليمين الديني لا يجرؤون على تحدي هذه الافتراضات.

اقتناع عميق

لكن على الرغم من تزايد المستوطنات الإسرائيلية، والأعداد القياسية من المداهمات للمسجد الأقصى، والافتقار التام إلى أفق سياسي، تواصل الدول العربية تطبيع العلاقات مع “إسرائيل”. وقد يكون هذا راجعا جزئيا إلى الاعتقاد بأن تحسين العلاقات من شأنه أن يمنحها المزيد من النفوذ لدفع إقامة دولة فلسطينية.

لكن في الواقع فإن ما يحدث هو العكس تماما، إذ يتفاخر نتنياهو بقدرته على دفع عملية التطبيع مع الدول العربية في حين يتجاهل القضية الفلسطينية.

فضلاً عن ذلك، هناك قناعة راسخة داخل الثقافة السياسية الإسرائيلية بأن العرب لا يفهمون إلا القوة.

وعلى هذا، فبينما كانت تصريحات الصفدي الأسبوع الماضي تعكس خطورة الموقف وأهمية استقرار المنطقة، فإن “إسرائيل” لا تزال تنظر إلى نفسها باعتبارها “فيلا” ـ أو ربما حصناً ـ “في وسط غابة”.

وتمول الهياكل السياسية والاجتماعية الإسرائيلية هذه الافتراضات، بما في ذلك وسائل الإعلام المحشدة التي تروج لخطاب يميني، في مجتمع يتحدث العبرية في الغالب ولا يتعرض على نطاق واسع لمصادر الأخبار البديلة. وتؤثر المشاعر العامة على أنماط التصويت وصنع القرار الرسمي.

إن الأخلاق الصهيونية تؤمن بضرورة العيش بالسيف، وأن العرب هم في الأساس “الآخر”. ومن الأمثلة الجيدة على ذلك السلطة الفلسطينية، التي نسقت الأمن مع “إسرائيل” لعقود من الزمان، حتى في حين تعمل الحكومة الإسرائيلية بلا هوادة على إضعافها.

وعلى النقيض من تصريحات نتنياهو، فإن “إسرائيل” تعلم أن وضعها الأمني ​​مرتبط بشكل مباشر بأعمال العنف التي ترتكبها وحجم جرائمها. وهي لا تواجه تهديداً وجودياً.

وهي تعلم أيضاً أن الدول العربية المجاورة ستدافع عنها عندما تحتاج إليها، وفقاً للمطالب الأميركية، كما حدث خلال الهجوم الصاروخي الإيراني الأول في أبريل/نيسان الماضي، والثاني هذا الأسبوع.

ويحدث كل هذا في الوقت الذي يقود فيه نتنياهو “إسرائيل”، والذي يُنظر إليه على نطاق واسع باعتباره زعيمًا ماكيافيليًا على استعداد لفعل أي شيء للتشبث بالسلطة.

وبطموحات كبيرة، يستغل نتنياهو الصراع الحالي لضرب أربع مناطق عربية بشكل متواصل – الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولبنان، وسوريا، واليمن – في حين يضلل العالم العربي بوعود وقف إطلاق النار، في حين لا توجد خطة من هذا القبيل على الطاولة.

ورغم أن الصفدي اقترح صفقة لضمان أمن “إسرائيل”، فإن تل أبيب لن تتوقف عن إثارة الفوضى في مختلف أنحاء المنطقة ما لم تتخذ الدول العربية خطوات ملموسة للضغط، مثل استدعاء السفراء، وقطع العلاقات الدبلوماسية، ووضع خطوط حمراء واضحة.

وفي ظل الزعامات القومية المفرطة والعظمة، فإن آخر ما يدور في ذهن “إسرائيل” هو استقرار الدول العربية المجاورة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى