عباس بين إعلان اعتزامه زيارة غزة والتخلي الكامل عن أهلها
أربعة أشهر مضت على إعلان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس اعتزامه وأركان قيادته زيارة غزة في خضم حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية، لكن ما جرى على أرض الواقع كان باتجاه معاكس تماما.
إذ أثبتت الأحداث وليس اللغة الخطابية، أن كل ما فعله عباس هو استمرار التخلي الكامل عن أهل غزة رغم كل ما يعانوه من أهوال ومأساة نتيجة حرب الإبادة عبر قطع كل محاولات التوافق الداخلي على ترتيبات اليوم التالي للحرب.
في منتصف آب/أغسطس الماضي وف خطاب له أمام البرلمان التركي، أعلن عباس عزمه “التوجه مع جميع أعضاء القيادة الفلسطينية” إلى قطاع غزة، كإشارة منه إلى سعيه لوقف حرب الإبادة الإسرائيلية.
ومن دون أن يحدد موعدا أو خطوات عملية لإمكانية زيارته غزة المفجوعة بالشهداء والتدمير والخراب، اكتفى عباس بمطالبته مجلس الأمن الدولي بتأمين وصوله وأعضاء القيادة الفلسطينية إلى غزة.
كما أنه دعا قادة الدول العربية والإسلامية والصديقة والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش إلى المشاركة في زيارة غزة والتواجد بين أهلها.
لكن هذا الإعلان الذي روجه له الإعلام الرسمي التابع للسلطة الفلسطينية ذهب أدراج الرياح ولم يتم ترجمته على أرض الواقع بأي صورة حتى لو من قبيل الضغط الفعلي على الاحتلال لزيارة وفد مصغر.
وقد أثبت الطابع الدعائي الذي اكتفى به عباس حقيقة موقفه في ظل عزلته التامة عن أي تأثير حقيقي على المشهد السياسي والميداني الفلسطيني لا سيما ما يتعلق بحرب الإبادة وما يجرى في قطاع غزة.
ويتم ترجمة ذلك بما تظهره استطلاعات الرأي الفلسطينية التراجع الشديد في شعبية عباس (89 عاما) الذي لم يخض سوى انتخابات رئاسية عام 2005 ورفض وعرقل منذ ذلك الوقت أي انتخابات جديدة.
وأظهر استطلاع للرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية ونشر صيف هذا العام، أن 85٪ من الجمهور الفلسطيني غير راض عن أداء عباس، بينما يطالبه نحو 94% بالاستقالة.
ووفقا لنتائج الاستطلاع، تعتقد نسبة تزيد قليلا عن النصف من الجمهور الفلسطيني أن حركة المقاومة الإسلامية “حماس” هي الأحق بتمثيل وقيادة الشعب الفلسطيني اليوم فيما تقول نسبة من 16% فقط أن حركة “فتح” بقيادة عباس هي الأحق بذلك.
يحكم التناقض الصارخ نهج عباس الذي بينما أعلن اعتزامه زيارة غزة أصر على مواصلة قطع الطريق أمام توافق داخلي من شأنه التخفيف من مأساة أهل القطاع عبر تشكيل لجنة الإسناد المجتمعي التي اقترحتها مصر.
وقد أثار ذلك جدلًا واسعًا في الأوساط الفلسطينية، وسط اتهامات لعبا وسلطته بتعطيل أي خطوات نحو المصالحة واستعادة الوحدة الوطنية، خاصة مع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وبينما تسعى بعض الأطراف لتشكيل اللجنة كمخرج من الأزمة الراهنة، تواجه هذه الجهود عراقيل كبيرة بسبب المخاوف من تأثير اللجنة على توازن القوى السياسية والنفوذ داخل المشهد الفلسطيني.
وسرعان ما اتخذت حركة فتح وقيادتها من شماعة مخاوف تكريس الانقسام الداخلي شماعة لتبرير قرارها برفض تشكيل لجنة الإسناد المجتمعية في قطاع غزة.
وسخر المراقبون من تبرير فتح باعتبار أن تشكيل اللجنة المذكورة يأتي ضمن تفاهمات وطنية لتوحيد الموقف الفلسطيني في مواجهة الخطط الإسرائيلية والإقليمية لفرض ترتيبات ما يسمى اليوم التالي للحرب في غزة.
ويشير المراقبون إلى أن فتح اتخذت منذ عام 2007 شماعة مخاوف تعزيز الانقسام وسيلة من أجل تكريس وإدامة هذا الانقسام بعد أن عرقلت طوال كل هذه السنوات كل المبادرة والتفاهمات الرامية إلى تحقيق الوحدة الوطنية.
ويرى المراقبون أن استمرار التصلب في مواقف عباس سيُفاقم الانقسام الداخلي ويضعف أي جهود لتحقيق وحدة وطنية حقيقية، في وقت يُعد فيه الشعب الفلسطيني أحوج ما يكون إلى وحدة الصف لمواجهة التحديات المشتركة.
بموازاة ذلك يبقى عباس حريصا في خطاباته شبه النادرة التعبير عن إدانته الشديدة لجرائم الحرب الإسرائيلية وهجومه على الحكومة الإسرائيلية والولايات المتحدة الأمريكية، في وقت يتناقض ذلك مع سلوكه الميداني.
إذ على الأرض يواصل عباس توجيه الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية بملاحقة فصائل المقاومة في الضفة الغربية ومصادرة سلاحها وتفكيك عبواتها في إطار التنسيق الأمني الذي يعتبره “مقدسا” مع الاحتلال الإسرائيلي.
وكان عباس فضل منذ السابع من تشرين أول/أكتوبر 2023 وبدء حرب الإبادة على غزة التآمر على فصائل المقاومة وانتظار تدمير الاحتلال لها بدلا من تقديم أي عون حقيقي للشعب المنكوب في غزة.
وأبرز دليل على ذلك تصريح عباس في كلمته أثناء المشاركة في القمة العربية الـ33 التي أُقيمت في البحرين قبل أشهر حول “هجوم طوفان الأقصى”.
في حينه قال عباس في كلمته: “إن العملية العسكرية التي نفذتها حماس بقرار منفرد في ذلك اليوم، وفرت لإسرائيل المزيد من الذرائع والمبررات كي تهاجم قطاع غزة، وتُمعن فيه قتلاً وتدميراً وتهجيراً”.
وأثار هذا التصريح ردود فعل واسعة، إذ انتقد المغردون الفلسطينيون والعرب عباس ومواقفه المشينة من المقاومة وتوفيره الذرائع للاحتلال لتصعيد عدوانه، ووصفوا حماس بـ”حركة مقاومة” تدافع عن الشعب الفلسطيني.
ويشار إلى أن استطلاع الرأي الذي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية أظهر تأييد نحو ثلثا الجمهور الفلسطيني هجوم طوفان الأقصى، وأن حوالي 80% يعتقدون أنه قد وضع القضية الفلسطينية في بؤرة الاهتمام العالمي.