معالجات اخبارية

معركة غزة التي لم تبدأ بعد: الذخائر غير المنفجرة

أدت حرب الإبادة الجماعية والقصف الإسرائيلي على قطاع غزة على مدار أكثر من 15 شهرا إلى تحويل أحياء بأكملها إلى غبار وسط معركة مرتقبة مع الذخائر غير المنفجرة.

وأعلنت مصادر طبية اليوم الثلاثاء وهو اليوم الثاني لبدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار عن استشهاد المواطن محمود معمر جراء انفجار جسم متفجر من مخلفات الاحتلال الإسرائيلي شرقي مدينة رفح.

ويقدر أن جيش الاحتلال الإسرائيلي أسقط أكثر من 85 ألف طن من القنابل على قطاع غزة منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ما أسفر عن تدمير واسع وتلوث الأراضي الزراعية، ما يعيق الزراعة لعقود

وتحذر أوساط دولية من أن السكن في أجزاء من غزة ما بعد الحرب سيكون خطيراً لفترة طويلة، ناهيك عن عملية إعادة بناء القطاع في ظل تقديرات بأن نحو 75% من المنازل والمباني تم تدميرها.

تلوث بمعدلات قياسية

يقول تشارلز بيرش، الباحث في شؤون الشرق الأوسط، وخبير إزالة المتفجرات في دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام (UNMAS) إن التلوث جراء القصف الإسرائيلي في غزة بات بمستوى لا يصدق.

وذكر بيرش أن هناك الآلاف من الذخائر غير المنفجرة بما يشمل الذخائر عالية التقنية التي قدمتها الولايات المتحدة لإسرائيل، “ونتوقع أن مستوى التلوث لا يصدق، مثل شيء من الحرب العالمية الثانية”.

وقدر بيرش أن الأمر سيكلف عشرات الملايين من الدولارات وسيستغرق الأمر سنوات عديدة لجعل قطاع غزة بأكمله منطقة آمنة.

وقد شرد أكثر من 90% من سكان قطاع غزة خلال الحرب واستشهد ما يزيد عن 47 ألف شخص وكانت غالبية الضحايا من النساء والأطفال، بحسب وزارة الصحة في غزة.

ويقول خبراء إن عكس هذا النزوح سيكون مهمة ضخمة بعد أن تم تسوية المباني بالأرض أو جعلها غير سليمة من الناحية الهيكلية، وتدمير البنية التحتية، بما في ذلك المياه والصرف الصحي.

والعديد من الأسلحة التي يقول المحللون إنها استخدمت في غزة، بما في ذلك الفسفور الأبيض الحارق المثير للجدل، يمكن أن تتسرب إلى إمدادات المياه، ولا يزال السؤال بشأن من سيكون لديه السلطة أو الموارد لإعادة بناء القطاع المدمر اقتصاديا دون إجابة.

خطر الذخائر

قد تكون الذخائر غير المنفجرة هي التهديد الأكثر انتشارًا في غزة بعد الحرب، وحتى في أوقات السلام النسبي في القطاع، فإن القنابل المتبقية من جولات القتال السابقة تقتل وتشوه بانتظام.

وأصبحت المشكلة الآن أسوأ بشكل كبير، وسوف يتزايد الخطر مع تدهور المتفجرات وزيادة عدم استقرارها.

وتعتبر الذخائر غير المنفجرة إرثًا طويل الأمد للحروب، مما يشكل مخاطر على المدنيين لأجيال عديدة، وبعضها، مثل الألغام الأرضية المنتشرة في أنحاء أوكرانيا بعد الغزو الروسي، من المفترض أن تظل خاملة، لكن بعضها الآخر يكون نتيجة الفشل في الانفجار.

ولا تزال قنابل الحرب العالمية الثانية موجودة تحت الأرض في أوروبا، مما يؤدي إلى عمليات إجلاء بين فترة وأخرى.

وغالبًا ما تبدو الأسلحة المتفجرة الصغيرة مثل الألعاب للأطفال ويمكن أن تنفجر قنبلة كبيرة مدفونة على عمق كبير تحت الأرض عن غير قصد أثناء جهود إعادة الإعمار، مما يؤدي إلى حدوث وفيات بعد فترة طويلة من انتهاء الصراع.

وتقول دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام ومجموعات خبراء أخرى إنه بشكل عام، واحدة من كل 10 ذخائر لا تنفجر، على الرغم من أن الرقم يختلف بشكل كبير حسب نوع السلاح، ويمكن أن يكون أقل بكثير في بعض الذخائر الأحدث، ويتأثر بعوامل تشمل طول وظروف التخزين والطقس والهدف.

ويقول جيمس كوان، الذي يقود منظمة HALO Trust، وهي منظمة غير ربحية تعمل على إزالة الألغام: “ستكون لديك معدلات فشل أعلى في المناطق الحضرية لأن الكثير من أنواع الذخيرة ستهبط بسلاسة من خلال السقف أولاً، ثم من خلال عدة طوابق”.

ويشبه الوضع في غزة إلى حد ما الوضع في مدينة الموصل العراقية، في أعقاب معركة تحريرها من تنظيم الدولة في عام 2017 وقد قالت دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في عام 2021 إنها قامت بإزالة أكثر من 1200 ذخيرة من تلكيف وحدها، وهي منطقة تقع شمال الموصل، لكن غزة قد تمثل مشكلة أكثر تعقيدا.

ويقول سايمون إلمونت، خبير إزالة الألغام في منظمة “الإنسانية والشمول” غير الربحية والذي عمل في الموصل والمدن الأخرى التي تم استعادتها من تنظيم الدولة، إن هناك في كثير من الأحيان منطقة لم تمس نسبيًا حيث يمكن للمدنيين أن يعيشوا بينما يعمل خبراء الذخائر في أماكن أخرى.

وقال المونت ان مدينة غزة ستكون “غير صالحة للسكن إلى حد كبير بينما تستمر عمليات التطهير”.

ويقول غاري تومبس، خبير إزالة الألغام السابق في الجيش البريطاني الذي يعمل مع منظمة الإنسانية والشمولية: “عليك أن تنظر إلى الأمر بشكل ثلاثي الأبعاد”، بما في ذلك ما هو موجود تحت الأنقاض.

والعديد من الأسلحة التي يُعتقد أنها استخدمت في غزة مصممة بحيث لا تنفجر عند ملامستها، ولكن بها فتيل مؤجل يسمح لها بالانفجار تحت الأرض أو داخل المباني وقد يكون من الصعب تحديد موقع هذه الذخائر إذا فشلت في الانفجار.

ويقول الخبراء إن تدمير البنية التحتية الثقيلة يشير إلى استخدام الاحتلال قنابل كبيرة مثل قنبلة مارك 84 التي يبلغ وزنها الفّي رطل، وهي “قنبلة غبية” غير موجهة، تم تحديثها باستخدام نظام JDAM الذي قدمته الولايات المتحدة لتصبح سلاحًا دقيقًا.

ويقول بريان كاستنر، خبير الأسلحة في منظمة العفو الدولية الذي عمل في مجال التخلص من الذخائر في القوات الجوية الأمريكية، إنه تم العثور على خردة من صواريخ JDAM التي تصنعها شركة بوينغ في غزة، ويضيف ان أنظمة التوجيه هذه غالبا ما تكون متصلة بقنابل تزن ألف أو الفّي رطل مثل مارك 84.

وأضاف أنه من غير المعروف أن نسبة فشل هذه الأسلحة عالية، ولكن تم توثيق حالات فشل عديدة عندما استخدمتها “إسرائيل” في هجماتها على غزة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى