مطلب نزع سلاح المقاومة وإسقاط الرادع الأخير للتمدد الإسرائيلي

يجمع مراقبون على خطورة مطلب الاحتلال الإسرائيلي بشأن نزع سلاح المقاومة في قطاه غزة باعتباره محاولة مكشوفة لإسقاط الرادع الأخير للتمدد الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة وحتى الدول العربية المجاورة.
ويبرز الكاتب المصري محمد عزام أن بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الاحتلال تفوّق على كل سابقيه في البقاء على رأس السلطة أكثر من 17 عاماً، بالرغم من اتهامات الفساد التي تطارده والانقسامات والاستقطاب السياسي والصراعات الحزبية التي دائماً ما نجح في مواجهتها عبر تكتيكات المراوغة والمماطلة والعرقلة.
ويشير عزام إلى أنه من هنا يأتي شرط نتنياهو الجديد بنزع سلاح المقاومة في غزة وأداً لمحاولة الوصول إلى صفقة ووقف الحرب، بعد فخاخ مشابهة، مثل الإصرار على بقاء قواته في الشريط الحدودي الاستراتيجي بين مصر وغزة، المعروف بمحور صلاح الدين (فيلادلفيا)، وقبلها مقدار ومساحة ما يسميه بالمنطقة العازلة بين كيانه والقطاع المحاصر والمدمر على يد جيشه.
ويقول إنه لئن استخدم المفاوض الإسرائيلي الوقت أداة ضغط لإطالة أمد أي مفاوضات تعزيزاً لمواقعهم وقوتهم على الأرض، فقد كان الانقسام العربي سلاحاً تعرف دولة الاحتلال جيداً كيف تستخدمه، جنياً لأكبر قدر من تنازلات الطرف الآخر.
التساوق الرخيص مع موقف الاحتلال
بحسب عزام “جلية تبدو الانقسامات العربية والفلسطينية في ردود الفعل على المقترح غير المنطقي قانوناً وعقلاً، إذ تجد بيننا من ينطقون بلسان الاحتلال إعلامياً وسياسياً، وبمجرد أن يعطيهم نتنياهو الإشارة، يُوصَف سلاح المقاومة على قلته وبساطته مقارنة بترسانة العدو، بـ”عقبة في سبيل وقف الحرب”.
ويقول “هؤلاء جوقة إسرائيل ونتنياهو يشاركونهم إجرامهم عبر ترديد ادعاءاتهم في لحظة مواجهة قاسية وغير متكافئة لا تحتمل انقساماً فصائلياً بائساً، ولا خفة في فهم طبيعة المعركة، فالمطلوب إنهاء القضية الفلسطينية من بابها، وليست المقاومة سوى العقبة الوحيدة الباقية أمام الاحتلال في طوره الوحشي الجديد/ القديم”.
ويضيف أن هؤلاء “عليهم أن يسألوا أنفسهم: ما هو المقابل؟ هل بالفعل ستلتزم (إسرائيل) وقف الحرب والخروج من قطاع غزة؟ فالعينة بينة كما يقول المثل، إذ نكصت دولة الاحتلال على عقبيها ولم تُلقِ بالاً للاتفاق الذي جرى التوصل إليه في يناير/ كانون الثاني الماضي، واستخدمت تقنية المراوغة والمماطلة للتهرب من استحقاقات المرحلة الأولى الإغاثية بكاملها”.
كما أن دولة الاحتلال اخترقت وقف إطلاق النار 962 مرة وقتلت 116 شهيداً وأصابت 490 آخرين، ورغم مرونة المقاومة وتحملها كل ما سبق تنصلت دولة الاحتلال من المرحلة الثانية للاتفاق وواصلت حربها على المدنيين في غزة.
وشدد عزام على أن سلاح المقاومة يستمد حكماً شرعيته من شعبه، وهؤلاء لم يستفتهم أحد، ويعرف رأيهم في قضية ليست لأهل غزة فقط، بل تخص الضفة والداخل والشتات وكل فلسطيني له حقوق في أرضه، بالتأكيد ستنتهي فوراً إن صار أعزل تحت رحمة اليمين الإسرائيلي المتطرف.
وطبيعي أن أركان اليمين الإسرائيلي لن يتوقفوا عندما يجدون أمامهم شعباً مستسلماً مجرداً من أي إمكانية للدفاع عن نفسه، والخطوة البديهية هي أن ينهوا وجودهم على أرضهم وينهبوها، بينما المستوطنون تتوسع ترسانتهم وجرائمهم اليومية في حماية الجيش الإسرائيلي، كما تتناسل مستوطناتهم الموجودة على أراضي الضفة الغربية المحتلة.
ويشير إلى أنه تاريخياً لم تسلم حركة مقاومة وتحرر وطني سلاحها إلا بعد اتفاقيات سلام وحل نهائي للنزاع مثلما جرى في بريطانيا مع الجيش الجمهوري الأيرلندي وجنوب أفريقيا مع المؤتمر الوطني الأفريقي (ANC)، وفي السلفادور مع القوات المسلحة للتحرير الوطني (FALN) وحركة فارك في كولومبيا.
لكن (إسرائيل) تطرح صيغة هازئة منا، وتنطلق من تشرذمنا، كأنها تقول: لن أعطيكم أي شيء، وعليكم أن تمنحوني كل شيء، رقابكم وأرضكم. فمن الأحمق الذي يسلم نفسه لعدوه بهذه الطريقة، ويعجّل بهلاكه؟.
وإلى جانب الخطر الوجودي على الشعب الفلسطيني بفتحه وحماسه وكل فصائله ومكوناته في حال تخليه عن سلاحه، لن تكون الدول العربية، وأولها مصر، في منأى عن الأمر.
فالوحش الذي يقف على حدودها سيصبح متفرغاً لها، مستغلاً لأوضاعها وأزماتها المتعددة، تحقيقاً لأحلامه بالتمدد والتوسع مرة ثانية إلى سيناء، والذرائع جاهزة، انتهاك معاهدة السلام أو اختلاق أي سبب.
وختم عزام “بالتأكيد، لا يدافع سلاح المقاومة عما تبقى من فلسطين بحسب، بل هو آخر أمل في الوصول إلى حل ما يحفظ حقوق الفلسطينيين ومشهد الخروج من بيروت عام 1982 وتسليم السلاح وما جرى بعده من مذابح لا يزال ماثلاً في الأذهان، ويجب أن يكون كذلك عربياً، فالبندقية الفلسطينية هي الرادع الأخير للتمدد الإسرائيلي على حسابنا في عالم يعاد تشكيله دون أن نملك أوراقاً أو قدرات تحفظ أرواحنا ومواردنا وحقوقنا”.