موقع بريطاني: الفشل وانعدام الشعبية يسيطران على السلطة الفلسطينية

قال موقع Middle East Eye البريطاني إن الفشل وانعدام الشعبية والمصداقية لدى الرأي العام يسيطران على السلطة الفلسطينية بعد أن كرست نفسها في موقف التبعية والتنسيق مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
وأشار الموقع إلى أن السلطة الفلسطينية أُنشئت عام ١٩٩٤ بعد اتفاقيات أوسلو، وكان من المقرر أن بمثابة سلطة مؤقتة لمدة خمس سنوات لحكم الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس المحتلة وغزة قبل إعلان الدولة الفلسطينية.
لكن عندما فشلت مفاوضات الوضع النهائي في عام 2000، أصبحت السلطة الفلسطينية منظمة دائمة، بما في ذلك جهازها الأمني الخاص.
وبعد ثلاثة عقود على تأسيسها، لم تحقّق السلطة الفلسطينية تلك الآمال المنشودة. فهي لا تسيطر إلا على أجزاء من الضفة الغربية، وتحظى برفض شعبي واسع لدى الفلسطينيين، الذين يتهمونها بدعم حملات القمع الأمني الإسرائيلي، والتقصير في الدفاع عن حرية الفلسطينيين، وارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان.
حملات أمنية لقمع المقاومة
نبه الموقع إلى أنه في ديسمبر/كانون الأول 2024، شنت السلطة الفلسطينية حملة أمنية واسعة النطاق في جنين، ثالث أكبر مدن الضفة الغربية. وركزت الحملة بشكل رئيسي على مخيم اللاجئين، مستهدفةً كتيبة جنين إحدى فصائل المقاومة.
وقد اشتبكت قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية مع عناصر المقاومة في جنين لعدة أسابيع وداهمت مستشفيات، وأطلقت النار على مدنيين بشكل مباشر وقتلتهم.
ثم في يناير/كانون الثاني، شنت دولة الاحتلال أكبر هجوم على الضفة الغربية منذ الانتفاضة الثانية قبل عقدين من الزمن. واستهدفت عملية “الجدار الحديدي”، كما يُسميها جيش الاحتلال، أربعة مخيمات وأجبرت 40 ألف شخص على الفرار وسط عجز كامل من السلطة الفلسطينية.
في هذه الأثناء، واصلت السلطة الفلسطينية اقتحام جنين ومدن أخرى في الضفة الغربية في ظل الهجوم الإسرائيلي المستمر. وهذه هي المرة الأولى التي تعمل فيها السلطة والجيش الإسرائيلي بالتوازي ضد فصائل المقاومة المناهضة للاحتلال في الضفة الغربية.
وأبرز الموقع المعارضة التاريخية من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لأي شكل من أشكال مقاومة الاحتلال بما في ذلك رفضه القاطع للانتفاضة الفلسطينية الثانية.
ويقول المحلل السياسي من رام الله هاني المصري، إن السلطة الفلسطينية منذ تولي عباس منصبه اتخذت “خطوات سلبية إلى الأمام بالتزامات إضافية كان يعتقد أنها ستؤدي إلى إقامة الدولة”.
ويضيف المصري أنه بحلول عام ٢٠١٠، كان عباس مقتنعًا باستحالة تحقيق حلم الدولة الفلسطينية. لكن بدلًا من اختيار المواجهة مع دولة الاحتلال، اختار خطواتٍ لضمان بقائه السياسي، مما أدى في النهاية إلى مزيد من التبعية والتنسيق مع الاحتلال على حساب الحقوق الفلسطينية.
سلطة منبوذة شعبيا
شدد الموقع أن السلطة الفلسطينية تفتقر خارج دوائرها المباشرة، إلى المصداقية لدى معظم الفلسطينيين، ويُنظر إليها على أنها مقربة بل وتابعة لدولة الاحتلال.
كما يُنظر إلى أجهزتها الأمنية، على وجه الخصوص، على أنها متحالفة مع دولة الاحتلال. ووفقًا لتقرير صادر عن ائتلاف المساءلة والنزاهة عام ٢٠٢١، فإن قطاع الأمن يستحوذ على الحصة الأكبر من ميزانية السلطة الفلسطينية، بنسبة ٢٢٪.
ويقول إياد الرياحي مدير مرصد السياسات الاجتماعية والاقتصادية ومقره رام الله، إن العلاقة بين فروع السلطة الفلسطينية أصبحت الآن مشوهة تمامًا.
ويوضح “أصبحت السلطة الفلسطينية نظامًا شموليًا، بلا مجلس تشريعي ولا قضاء مستقل. أصبحت الأجهزة الأمنية هي السلطة الحاكمة، بينما يُثقل كاهل المواطنين بالضرائب دون أن يحصلوا على خدمات كافية في المقابل”.
ويشير إلى أن السلطة الفلسطينية تتمسك باستراتيجية البقاء على قيد الحياة رغم الإجراءات الإسرائيلية التي تقوض الاتفاقيات، السياسية والاقتصادية، والاستمرار في زيادة المستوطنات الإسرائيلية ومصادرة الأراضي في الضفة الغربية، وكلاهما غير قانوني بموجب القانون الدولي.
ويقول سهيل خليلية، الخبير في شؤون المستوطنات في معهد الأبحاث التطبيقية في القدس، إن (إسرائيل) بدلاً من نقل المنطقة (ج) في نهاية المطاف إلى السلطة الفلسطينية، كما كان مقصوداً منذ عقود من الزمن، قامت بضم هذه القطع من الأرض، مما يعرض للخطر بشكل أكبر أي إمكانية للتفاوض على قضايا الوضع النهائي.
وقد ازدادت المساحة التي تشغلها المستوطنات من 77 كيلومترًا مربعًا قبل أوسلو إلى 210 كيلومترات مربعة الآن، بينما استُخدمت 30 كيلومترًا مربعًا إضافية للطرق الالتفافية. واستولى الجدار العازل على 120 كيلومترًا مربعًا إضافية، والأراضي المحيطة به 700 كيلومتر مربع .
دور السلطة الفلسطينية خلال الحرب على غزة
عندما شنّت حركة حماس هجوم طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أدان عباس ما وصفه “العنف”. وقال: “نرفض ممارسات قتل المدنيين أو الاعتداء عليهم من الجانبين لأنها تتنافى مع الأخلاق والدين والقانون الدولي”.
وألمح عباس لاحقًا إلى أن حماس هي المسؤولة عن منح دولة الاحتلال ذريعةً لقصف قطاع غزة وتشريد سكانه واضطهادهم. ودعا مرارًا إلى وقف إطلاق النار.
وبعد أقل من شهر من بدء حرب الإبادة الإسرائيلية، بدأت السلطة الفلسطينية في اتخاذ إجراءات صارمة ضد المتظاهرين داخل الضفة الغربية الذين تظاهروا ضد الحرب وجرائم الاحتلال.
وأدى الغضب المتزايد ضد كيفية تنسيق أجهزة الأمن الفلسطينية مع نظيرتها الإسرائيلية إلى خروج الآلاف إلى الشوارع في مختلف أنحاء الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية، حيث احتشد المتظاهرون أمام مكاتب السلطة الفلسطينية المحلية ونقاط التفتيش العسكرية الإسرائيلية.
وفي 17 أكتوبر/تشرين الأول 2023، دهست قوات السلطة الفلسطينية المتظاهر محمود أبو لبن في وسط رام الله، ما أدى إلى استشهاده.
وفي اليوم نفسه، هاجمت السلطة الفلسطينية المتظاهرين بالذخيرة الحية والغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت، مما أسفر عن قتل فتاة تبلغ من العمر 12 عامًا خلال احتجاجات في جنين، وإصابة شاب آخر بجروح خطيرة في طوباس.
وواصلت السلطة الفلسطينية اتخاذ إجراءات صارمة لقمع المقاومة الفلسطينية، بجهود يرى الكثيرون أنها تُطبّق الإجراءات الإسرائيلية.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2024، شنّت السلطة الفلسطينية حملة أمنية واسعة النطاق في جنين، فحاصرت المدينة، وأطلقت النار على مدنيين عُزّل، واشتبكت مع مقاومين محليين.
وقتلت قوات السلطة الفلسطينية عدة فلسطينيين وأصابت كثيرين آخرين على مدى أكثر من شهر قبل أن تبدأ الغارة الإسرائيلية واسعة النطاق، التي أطلق عليها اسم ” الجدار الحديدي “، في أواخر يناير/كانون الثاني.
علاوة على ذلك، أبلغت السلطة الفلسطينية الولايات المتحدة استعدادها “للصدام ” مع حماس إذا كان ذلك هو الثمن اللازم للاستيلاء على السلطة في غزة، وذلك خلال عرضٍ تقديميٍّ لمبعوث الرئيس دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط.
وتتصور الخطة، التي عُرضت على ستيف ويتكوف خلال اجتماعٍ في الرياض من قِبل حسين الشيخ، أن يُحكم قطاع غزة من قِبل لجنةٍ أغلبيتها من خارج القطاع.
ما هو مستقبل السلطة الفلسطينية؟
يطرح المصري عدة سيناريوهات للسلطة الفلسطينية: الانهيار؛ أو التعاون الكامل مع الاحتلال؛ أو الشراكة مع فصائل فلسطينية أخرى لإصلاح البنية الداخلية الفلسطينية.
يبرز المصري أن “الخيار الأمثل هو الجمع بين المفاوضات والمقاومة. لقد تآكلت شرعية السلطة الفلسطينية، والفجوة بينها وبين الشعب تتسع باستمرار”.
لكنه يعتقد أن هذا التغيير الضروري مستبعد، نظرًا لغياب إرادة السلطة الفلسطينية لإجراء انتخابات. وبدلًا من ذلك، سيزداد تشديد الإجراءات الأمنية بعد أحداث مخيم جنين للاجئين، مع تكثيف الحملات في أنحاء الضفة الغربية، مما يعمق الهوة بين السلطة والفلسطينيين.