العار يلاحق القصر الملكي في عمان في خضم الحرب الإسرائيلية
يجمع المراقبون على التنديد بالموقف الرسمي الأردني في خضم حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية التي دخلت عامها الثاني في قطاع غزة وهم يعتبرون أن العار سيبقي يلاحق القصر الملكي وصناع القرار في عمان.
لقد مر عام كامل منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، تجاوزت خلالها دولة الاحتلال كل الخطوط الإنسانية والسياسية والعسكرية، في وقت تجاوزت عمان كل خطوط العمالة والمواقف المخزية.
منذ أشهر أظهرت عمان اقتناعها بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليس لديه أي استراتيجية واضحة غير البقاء في السلطة لأطول فترة ممكنة، عبر مواصلة الحرب الشاملة ضد الفلسطينيين.
وبحسب المراقبين يسعى نتنياهو إلى إطالة أمد الحرب لسبب آخر، وهو عدم رغبته في إعطاء المرشحة الديمقراطية للرئاسة كامالا هاريس أي دور في وقف الحرب، ويفضل انتظار نتائج الانتخابات الأميركية لمعرفة ما إذا كان دونالد ترامب سيفوز.
وينطلق نتنياهو من أن ترامب سيتعامل معه بشكل أفضل من الديمقراطيين، حتى مع دعم بايدن الصارخ لإسرائيل وتزويدها بكل الأسلحة التي تحتاجها لاستدامة الحرب.
إن الحرب سوف تنتهي بطريقة أو بأخرى في وقت ما. وسوف يواجه الأردن ما بعد الحرب معضلة كبرى فيما يتصل بموقفه من العلاقة المستقبلية مع دولة الاحتلال.
وقد روج النظام الأردن الرسمي في سياق الترويج لتوقيع معاهدة سلام مع (إسرائيل) بين مواطنيه، بأن المعهادة تفرض على دولة الاحتلال الاعتراف بالدولة والحدود الأردنية، وهو ما من شأنه أن يقتل فكرة الوطن البديل.
بل إن الأردن أصر على تضمين المعاهدة نصاً صريحاً ضد أي محاولة لتهجير جماعي للسكان (أي من الأراضي الفلسطينية إلى الأردن).
وبينما ظلت عمان تلتزم حرفيا وتزيد ببنود التطبيع والتسوية مع دولة الاحتلال، فإن الأخيرة داست عليها بكل سخرية بالأردن وشعبه وقيادته.
وبالإضافة إلى ذلك، بعد وصول نتنياهو واليمين المتطرف إلى السلطة، كان الموقف الأردني الرسمي هو أن موقف إسرائيل العنيد تجاه عملية السلام ليس نهاية الطريق، وأن نتنياهو سوف يترك السلطة في مرحلة ما، وأن على الأردن أن ينتظر حتى يأتي رئيس وزراء إسرائيلي أكثر مرونة وتوازناً إلى السلطة، مما يسمح باستئناف المحادثات مع (إسرائيل) حول سبل إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية.
لقد عرت الحرب الإسرائيلية على غزة هذين المبرريين وأضعفتهما إلى حد كبير، فقد بات واضحاً أن أحد الأهداف الرئيسية لإسرائيل من هذه الحرب هو التخلص من أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين في غزة، إما بقتلهم مباشرة، أو بتحويل غزة إلى مكان غير صالح للسكن.
فضلاً عن ذلك فإن المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية يواصلون مهاجمة المراكز السكانية الفلسطينية، بدعم من الجيش الإسرائيلي، في محاولات صارخة لتطهير الفلسطينيين عرقياً، تمهيداً لخلق أو استغلال الظروف التي تسمح بتهجيرهم.
أما الحجة الثانية، والتي كانت تتمثل في الأمل في أن يأتي رئيس وزراء إسرائيلي إلى السلطة ويتوصل الأردن معه إلى تفاهم بشأن إقامة دولة فلسطينية، فقد انهارت أيضاً، وخاصة بعد أن أقر الكنيست الإسرائيلي في يوليو/تموز الماضي قانوناً، بموافقة كل الأحزاب الإسرائيلية الكبرى، بما في ذلك المعارضة، ضد إقامة دولة فلسطينية.
فضح رؤية عمان
إن الانقسام الحالي في (إسرائيل) هو فقط بين مؤيدي نتنياهو ومعارضيه، ولكن فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، هناك إجماع إسرائيلي شبه كامل على رفض الدولة الفلسطينية.
ولا يُتوقع أن يتغير هذا الموقف الإسرائيلي الشعبي والرسمي العنيد، حيث أصبح المجتمع الإسرائيلي أكثر تطرفاً على مدى العشرين عاماً الماضية، ولا توجد كتلة حرجة شعبية إسرائيلية ذات شأن تدعو إلى السلام، لا الآن ولا في المستقبل المنظور.
ومن هنا فإن الأردن يواجه معضلة حقيقية في مرحلة ما بعد الحرب. ذلك أن استمرار التعاون الاقتصادي والأمني مع (إسرائيل) من شأنه أن يعرض الحكومة لمواجهة مباشرة مع الرأي العام الغاضب الرافض، وأن يعطي دولة الاحتلال الانطباع بأن الأردن غير جاد في معارضته للسياسات الإسرائيلية.
ومعلوم أن القصر الملكي في عمان تجاهل نتائج الانتخابات الأردنية التي كانت تشكل أهمية بالغة، باعتبارها تعبير صارخ عن موقف الرأي العام الأردني المعارض للتطبيع والمساند للمقاومة الفلسطينية.
إن المفترق الذي سيواجهه الأردن له أهمية كبيرة، وهو يستدعي حواراً وطنياً جدياً حول مستقبل العلاقة الأردنية الإسرائيلية. ورغم أن إلغاء معاهدة السلام قد لا يكون مطروحاً لأسباب عدة، فإن دراسة الخيارات المتبقية واختيار الأفضل منها ضرورة وطنية، لأن من الواضح أن العودة إلى الوضع الراهن بين الأردن ودولة الاحتلال قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول أمر غير ممكن ولا مقبول.
ويشار إلى أن الأردن فضلا عن الامتناع عن اتخاذ إجراءات قوية وفاعلة للضغط على دولة الاحتلال دبلوماسيا أو سياسيا، تطوع بشكل مفضوح في التوفير لإسرائيل ملاذات وبدائل آمنة.
إذ تطوع الأردن إلى توفير جسرا بريا للشاحنات المحملة بالبضائع، يمر بالأراضي الأردنية باتجاه دولة الاحتلال قادماً من الإمارات ودول أخرى، كبديل عن السفن الإسرائيلية والأجنبية التي فرضت جماعة أنصار الله الحوثيين في اليمن حظرا على مرورها عبر طريق مضيق باب المندب.
فضلا عن ذلك فإن الجيش الأردني شارك بفاعلية كبيرة في التصدي لأي صواريخ أو طائرات مسيرة تم إطلاقها باتجاه دولة الاحتلال سواء من إيران أو فصائل عراقية.
وهذا التواطؤ الأردني الرسمي في دعم “إسرائيل” يأتي في وقت نظم الأردنيون مئات الفعاليات المناهضة لمواقف حكومتهم، وتكرر خروج الأردنيين بشكل أسبوعي تقريبا في سلاسل بشرية عند الطريق الذي اعتبروا أنه “يمدّ الاحتلال بالبضائع”.