هامش المناورة السياسية في أدنى مستوياته لدى القيادة الأردنية
![](https://i0.wp.com/palps.net/wp-content/uploads/2025/02/٩٩.webp?resize=780%2C470&ssl=1)
يرى مراقبون أن هامش المناورة السياسية بات في أدنى مستوياته لدى القيادة الأردنية في مواجهة خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تهجير الفلسطينيين ومعضلة حرص عمان على الحفاظ على التحالف مع واشنطن وعلاقات التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
وعندما يصل الملك عبد الله الثاني إلى البيت الأبيض هذا اليوم، فسوف تكون هذه هي المرة الرابعة على التوالي التي يكون فيها أول زعيم عربي يتلقى دعوة لزيارة رئيس أميركي جديد.
في العادة، يكون هذا الأمر بمثابة مصدر فخر للأردن، وتأكيد على عمق العلاقة، وفرصة ذهبية لمناقشة مجموعة كاملة من القضايا التي تؤثر على استقرار الأردن وروابطه بالولايات المتحدة. ولكن زيارة هذا الأسبوع تحمل أيضاً شعوراً لا لبس فيه بالتشاؤم.
وباعتباره أول زائر، فهذا يعني أنه سيكون أيضاً أول من يواجه اقتراح الرئيس الأمريكي المثير للجدل بإخلاء قطاع غزة من السكان، وهو الموضوع الذي سيهيمن بلا شك على الاجتماع.
وذكر مركز واشنطن في الشرق الأوسط، أنه في التعامل مع هذه المسألة الحساسة، سوف يضطر الملك عبد الله إلى الموازنة بين مصالح الأمن الوطني الأردني والسياسة الداخلية المضطربة والحاجة إلى حماية العلاقات الحاسمة مع واشنطن.
ولكن من المرجح أن يثبت تحقيق هذا التوازن استحالة إذا لم يقدم لترامب أفكارا جديدة واستباقية وعملية لمعالجة الوضع في غزة بالتوازي مع الدول العربية الأخرى.
التعاون الاستراتيجي يتغلب على التوترات الماضية
تعد مملكة الأردن واحدة من أكبر المتلقين للمساعدات الاقتصادية والعسكرية الأمريكية في العالم، والتي تم تكريسها مؤخرًا بمذكرة تفاهم مدتها سبع سنوات في عام 2022.
وفي العام الماضي، تلقت المملكة 1.65 مليار دولار من المساعدات الاقتصادية (بما في ذلك 845 مليون دولار في دعم الميزانية المباشر، حوالي 6 في المائة من ميزانيتها) و 425 مليون دولار في التمويل العسكري الأجنبي.
ولقد استفادت المصالح الأميركية من هذه العلاقة أيضاً، إذ منحت واشنطن حليفاً عسكرياً قادراً وموثوقاً به في بلاد الشام، فضلاً عن إتاحة الوصول إلى القواعد للقوات الأميركية والأصول الجوية.
وعلاوة على ذلك، كانت معاهدة السلام والتطبيع بين الأردن ودولة الاحتلال الإسرائيلي عنصراً مهماً في بنية الأمن الإقليمي.
لكن العلاقة شهدت صعودا وهبوطا، بما في ذلك مرحلة فاترة خلال ولاية ترامب الأولى. ورغم أن الملك كان أول زعيم عربي تتم دعوته للقاء الرئيس في عام 2017، فإن نهج ترامب تجاه القضايا الإسرائيلية الفلسطينية أدى في نهاية المطاف إلى احتكاك ثنائي.
وعندما أُعلن عن خطة السلام “صفقة القرن” لعام 2020، لم تعارضها عمان صراحة، لكنها أوضحت أن مقترحاتها لضم واسع النطاق في الضفة الغربية غير مرحب بها. كما لم تكن عمان متحمسة لاتفاقيات إبراهيم. ومع ذلك، استمرت المساعدات الأمريكية والعلاقات العسكرية دون انقطاع.
وبحسب مراقبين فإن التحديات التي تواجهها الأردن اليوم قد أوصلته إلى واحدة من أكثر اللحظات حساسية في تاريخه.
إذ أن الوضع الاقتصادي في الأردن لا يزال مزري. وعلى الصعيد السياسي، حفزت حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على غزة تصاعد المعارضة السياسية والشعبية للنظام الحاكم في عمان.
وقد انتقد المسؤولون الأردنيون دولة الاحتلال بشدة أثناء الحرب، لكن الأوساط الأمريكية ترى أن خطاب عمان كان ضرورياً فقط لاحتواء الغضب الشعبي.
رغم ذلك أدى خطاب عمان إلى تقليص الدعم الحزبي لها في واشنطن، حيث يشعر بعض المشرعين بالإحباط بشكل لا لبس فيه إزاء رسائل المملكة في زمن الحرب. ومن الجدير بالذكر أن الأردن لم يكن معفياً من توقف الإدارة مؤخراً عن المساعدات الخارجية.
في الوقت ذاته تتزايد الضغوط والتحديات الإقليمية على النظام الأردني، منها الواقع الجديد في سوريا والمؤشرات إلى أن إدارة ترامب قد تسحب القوات الأميركية من سوريا.
وفي الضفة الغربية، قد ينتقل عدم الاستقرار المتزايد في نهاية المطاف إلى الأردن، وفي الوقت نفسه، أصبح احتمال حل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني ــ حجر الزاوية في الدبلوماسية الأردنية ــ أبعد من أي وقت مضى.
معضلة الأردن
كل هذه المخاوف الثنائية المهمة قد توضع على نار هادئة إذا ركزت أجندة اجتماع ترامب مع الملك عبد الله على اقتراحه بشأن غزة كما هو متوقع. وعندئذ سوف يواجه الملك معضلة.
فمن ناحية، لا تستطيع الأردن أن تتحمل الدخول في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة بشأن هذه المسألة، لأن العواقب قد تؤثر بشكل عميق على أمنها واقتصادها.
ومن ناحية أخرى، لا تستطيع عمان الموافقة على الأفكار التي أعلنها ترمب الأسبوع الماضي، والتي تتعارض مع المواقف التي تبناها الأردن والملك نفسه منذ فترة طويلة.
وقد أدى رفض الجمهور الأردني الصاخب لهذه الأفكار إلى تضييق الحيز السياسي للملك للمناورة وقد يؤدي إلى تصعيد الدعوات إلى حل معاهدة السلام مع دولة الاحتلال إذا تم العمل بها. والأمر الأكثر أهمية هو أن اقتراح ترمب يشكل تهديدات حقيقية للأمن الوطني للمملكة.
ويظل التوازن الديموغرافي أحد أكثر القضايا حساسية داخل الأردن، وقبول اللاجئين من غزة من شأنه أن يثير غضب جميع الدوائر الانتخابية وسط مخاوف أن يؤدي إخلاء غزة من السكان إلى نهاية التطلعات الوطنية الفلسطينية.
ولكن على الرغم من المخاطر والجدالات التي ينطوي عليها اقتراح الرئيس الأمريكي، فقد نجح في تعرية الموقف الأردني كما الموقف العربي الرسمي وتسليط الضوء على الفشل الأوسع نطاقاً في التوصل إلى حلول واقعية بشأن القضية الفلسطينية.
فقد اكتفت عمان كحال الحكومات العربية بتكرار التصريحات القديمة حول الحاجة إلى دولة فلسطينية ودعت السلطة الفلسطينية إلى الاضطلاع بدور في غزة.
والواقع أن هذه المواقف معقولة في ظل الظروف العادية، ولكنها لا تعالج الطابع الفوري والجسيم والتعقيد الذي يفرضه التحدي الذي تفرضه غزة اليوم.
فضلاً عن ذلك فإن هذه المواقف لا تحاول تقديم إجابات محددة على أسئلة بالغة الأهمية: كيف يمكن تحقيق التطلعات الوطنية الفلسطينية؟ وتحقيق الوحدة الفلسطينية، وكيف يمكن إصلاح السلطة الفلسطينية وإعادة تأهيلها وتمكينها بالسرعة الكافية للقيام بدور حقيقي في غزة؟ وكيف ينبغي للمجتمع الدولي أن يتعامل مع تحديات إعادة الإعمار والأمن المعقدة التي سوف تبرز إلى الواجهة بمجرد انتهاء الحرب؟.
في المقابل ترى أوساط أمنية أمريكية أنه يتعين على الإدارة الأميركية أن تكون حساسة للتحديات التي تواجه الأردن، وأن تمارس الضغوط حيثما دعت الحاجة ولكن دون دفع المملكة إلى نقطة الانهيار.
ذلك أن الأردن بالنسبة للأوساط الأمريكية “حليف ثمين للغاية بحيث لا يجوز له أن يعرض استقراره أو معاهدة السلام مع (إسرائيل) للخطر. ولابد من الحفاظ على المنافع المتبادلة للعلاقات الأميركية الأردنية”.