تحليلات واراء

عام على حرب الإبادة في غزة: “إسرائيل” تعود إلى المربع صفر

بعد عام من حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة ردا على هجوم طوفان الأقصى الذي نفذته المقاومة الفلسطينية، تجد دولة الاحتلال الإسرائيلي نفسها تعود إلى المربع صفر في ظل فشل استراتيجي كامل في تحقيق أهدافها.

وعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتحقيق جملة أهداف ضمن ما وصفه بالنصر الكامل في غزة، بما يتضمن إسقاط حكم حركة حماس والقضاء على المقاومة الفلسطينية وإعادة الأسرى بالقوة.

غير أن الفشل وحدة ظل يلاحق نتنياهو بتحقيق أي من أهدافه المذكورة رغم كل ما ارتكبه من مجازر وجرائم حرب بحق المدنيين الفلسطينيين ورغم إطلاقه العنان لوحشية التدمير الكامل في قطاع غزة.

المقاومة باقية وتتمدد

في صباح السابع من تشرين أول/أكتوبر 2024 أي بعد عام كامل على حرب الإبادة، أعلنت كتائب القسام عن إطلاق رشقة صاروخية من قلب قطاع غزة إلى مدينة تل أبيب وسط دولة الاحتلال.

شكلت الخطوة أبلغ رد من القسام على أهداف نتنياهو بالقضاء على المقاومة في قطاع غزة والتي على مدار من الحرب ظلت حية وصامدة تكبد جيش الاحتلال الخسائر شبه يوميا بالضباط والجنود والآليات والمعدات.

بموازاة ذلك اضطر جيش الاحتلال الإسرائيلي لشن عملية توغل برية على مناطق في شمال قطاع غزة بعد أشهر من ارتكاب أفظع الجرائم فيها وذلك بعد تنظيم المقاومة صفوفها سريعا في تلك المناطق.

في الوقت ذاته نجحت المقاومة رغم كل التعاون الاستخباري البريطاني والأمريكي والأوروبي مع دولة الاحتلال، في الحفاظ على غالبية الأسرى الإسرائيليين أحياء في قبضتها وفشل الضغط العسكري في تحريرهم أو العثور عليهم.

الأدهى أن قائد هجوم طوفان الأقصى رئيس المكتب السياسي لحركة حماس يحيى السنوار لا يزال بعيدا عن قدرة جيش الاحتلال في تحديد مكانه وبالتالي الفشل في النيل من المطلوب الأول في حرب الإبادة.

وعلى مدار عام من الحرب، ثبت أن نتنياهو لا يستطيع حتى أن يحصل على أحد الهدفين أو الآخر ــ إنقاذ الأسرى المتبقين أو تدمير حماس، وهو ما أقر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي بأنه غير ممكن على الإطلاق.

وإن صمود المقاومة وبقائها قوية قادرة على توجيه الضربات، يعد السبب الرئيسي في استمرار الإسرائيليين في هجرة مستوطنات ما يسمى غلاف غزة ورفض 86% من الإسرائيليين أي فكرة للعيش بجوار غزة.

فشل ذريع لخطط الاحتلال

رغم كل ما أطلقه من وحشية وارتكاب المجازر واستخدام التجويع كسلاح حرب ضد المدنيين في قطاع غزة، فإن الفشل الذريع ظل يلاحق خطط الاحتلال.

أبرز الحقائق على ذلك فشل الاحتلال بعد عام كامل من الحرب والغارات المدمرة، في إفراغ مناطق شمال قطاع غزة وذلك بعد الفشل في دفع سكان قطاع غزة إلى سيناء المصرية.

وبات واضحا أن الفشل في تحقيق أهداف حرب الإبادة المعلنة في قطاع غزة وشتات البيت المنقسم يخيمان على المشهد في دولة الاحتلال الإسرائيلي في وقت تتزايد عزلتها عالميا.

ومنذ هجوم طوفان الأقصى خسر الجيش الإسرائيلي أكثر من 700 جندي، وأصيب الآلاف غيرهم. والواقع أن العبء الواقع على عاتق قوات الاحتياط ثقيل بالفعل.

وعلى هذه الخلفية، هناك دعوات متزايدة لتجنيد قطاعات إضافية من المجتمع الإسرائيلي في الجيش، وخاصة المتدينين المتشددين، الذين يعفون في الغالب من الخدمة ويعارضون بشدة أي شرط جديد.

في المقابل بعد عام من الحرب، لا تزال “إسرائيل” بعيدة كل البعد عن القضاء على المقاومة في غزة، حيث أظهرت حركة حماس بالفعل علامات على انتعاشها، وتجنيد أعضاء جدد في صفوفها، والحفاظ بعناد على قبضتها على الأرض.

وضع إسرائيلي مأساوي استراتيجيا

أدى هجوم طوفان الأقصى إلى هز ثقة دولة الاحتلال الإسرائيلي في مجتمعها العسكري والاستخباراتي، ورغم محاولتها التعافي عسكريا، فإن وضعها الاستراتيجي مأساوي.

ونبه موقع Axios إلى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يقاتل بعد عام من هجوم طوفان الأقصى على سبع جبهات مختلفة، دون أي نهاية في الأفق.

فيما تظل “إسرائيل” عالقة في القتال في غزة دون استراتيجية للخروج – وهو وجود يبدو أكثر فأكثر أشبه بالاحتلال الدائم.

وقد تعرض الاقتصاد الإسرائيلي لأضرار جسيمة وسيستغرق إعادة بنائه سنوات عديدة.

بموازاة ذلك لا تطير إلا عدد قليل جدًا من شركات الطيران الأجنبية إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي، كما تم إغلاق ميناء إيلات بالكامل تقريبًا.

بينما العزلة الدبلوماسية التي تعيشها “إسرائيل” آخذة في التزايد، والمجتمع الإسرائيلي منهك. فقد أظهر استطلاع رأي حديث أن 23% من الإسرائيليين فكروا في مغادرة البلاد خلال العام الماضي.

في هذه الأثناء تلقت خطط اندماج “إسرائيل” في المنطقة وتوسيع تفاهمات التطبيع ضربة كبيرة، بعد سنوات من تعزيز العلاقات مع الدول العربية من خلال اتفاقيات إبراهيم.

وحلم الرئيس الأمريكي جو بايدن في التوصل إلى “صفقة ضخمة” من شأنها أن تؤدي إلى التطبيع بين “إسرائيل” والمملكة العربية السعودية كان على وشك أن يتحقق قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول. واليوم، سحب السعوديون هذه الصفقة فعليًا من على الطاولة في المستقبل المنظور.

والخلاصة فإن هجوم طوفان الأقصى أدى إلى جلب الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلى مركز الاهتمام العالمي، بعد سنوات من تجاهله.

وأياً كانت النتيجة التي ستؤول إليها السياسة الانتخابية الأميركية، فسوف تضطر الولايات المتحدة في نهاية المطاف إلى محاولة إصلاح النظام الإقليمي الذي يعاني من ضغوط شديدة بسبب الحرب الإسرائيلية على غزة، إن كان بوسعها ذلك.

إذ سوف تكون هذه مهمة كبرى. وربما تكون تداعيات الصراع هي التي تدفع الولايات المتحدة في نهاية المطاف إلى التخلي عن تفوقها في الشرق الأوسط، وسط سياساتها المشلولة، وتنافس القوى العظمى، والوضع الراهن المحطم، وسوف يواجه الرئيس الأميركي القادم بؤساً في السياسة الخارجية يتعين عليه التعامل معه منذ اليوم الأول.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى