الموقف الإسرائيلي من عملية الكرامة يكشف الوهن في الرؤية الاستراتيجية
يعتقد مراقبون أن الموقف الإسرائيلي الرسمي من عملية إطلاق النار التي نفذها مواطن أردني يوم أمس الأحد قرب معبر الكرامة مع الضفة الغربية، يكشف الوهن في الرؤية الاستراتيجية للاحتلال وقيادته.
وقال الكاتب والمحلل وليد عبد الحي إن عند الاستماع إلى تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول ما جرى في معبر الكرامة، يعمق الإحساس بطبيعة عقدة التفوق الكامنة في العقل الصهيوني من ناحية، والعمى التام عن مراعاة مصالح غيرهم.
واعتبر عبد الحي أن تصريحات نتنياهو بأن دولة الاحتلال “محاطة بقتلة من محور الشر الإيراني”، تكشف الوهن في الرؤية الاستراتيجية لما يجري في المنطقة، ويكفي التوقف عند المؤشرات التالية:
أولا: هل سأل نتنياهو نفسه كم مرة احترمت دولته سيادة واحترام حقوق دول المنطقة؟ ولن نستعرض الخريطة كلها بل سأتوقف عند الأردن تحديدا ومدى المساس بحقوقه من قبل دولة الاحتلال:
- هل احترمت الحكومة الاسرائيلية شروط الوصاية الهاشمية على الاقصى؟ كم مرة اشارت الحكومة الأردنية الى الانتهاكات في هذا المجال؟ ثم لماذا يصر وزراء نتنياهو على التصريحات الاستفزازية الخاصة ببناء هيكل مكان الاقصى.
فكيف للأردن ان يتقبل لا الخروج على نص اتفاقية الوصاية بل على الغاء اسرائيل للموضوع من أساسه…فهل اعتقال خطيب المسجد الاقصى أو منعه من دخول المسجد يشير إلى احترام لاتفاقية الوصاية؟
- هل يُحصي للرأي العام نتنياهو كم مرة وردت عبارة السيطرة الاسرائيلية على الأغوار الأردنية؟ فلماذا تتخذ الحكومة الإسرائيلية قراراتها تجاه الأردن بشكل أحادي كما لو أن ليس هناك داعٍ حتى لمناقشة الموضوع مع الطرف الآخر؟.
- لماذا غابت الضفة الغربية تماما عن الخريطة التي شرح عليها نتنياهو قبل أيام موقفه من معبر رفح؟ فللأردن مصالح بل وممتلكات لمواطنيه في هذه المنطقة التي ابتلعها نتنياهو في خريطته، بل وبعض من مستوطناته أقيمت على أراض لمواطنين أردنيين.
- هل تكرار التصريحات من كبار المسؤولين الإسرائيليين حول موضوع “أن الأردن هي دولة الفلسطينيين” يعبر عن احترام أم استهتار بالسيادة الأردنية؟.
ج- هل سِجل الانتهاكات الاسرائيلية تجاه الأردن منذ اتفاقية 1994 يشير الى احترام سيادة الأردن سواء ما كان منها من محاولات اغتيال على اراضيه او قتل بعض مواطنيه أو حتى بعض المقالات في صحف دولته حول الأردن ومستقبله بل وأحيانا سرقة حقوقه المائية بل ومخاطر مفاعلاتها النووية في ديمونا (التي لا تبعد سوى 15 كيلومتر عن الحدود الأردنية) على الصحة والموارد الجوفية المائية الأردنية؟.
ح- توالت التصريحات الأردنية الداعية لوقف الحرب في غزة ، لكن نتنياهو يزيد الجبهة اشتعالا كلما طرحت عمان مثل هذه المواقف أو أيدت مشروعات دولية في هذا الاتجاه، بل ان الأردن اعتبر بعض التصرفات والتصريحات الإسرائيلية بمثابة نذير بإعلان حرب على عمان.
ثانيا: هل الشهيد ماهر الجازي (منفذ عملية الكرامة) هو ضمن “محور الشر الايراني”؟ لماذا يهرب نتنياهو من مواجهة الحقائق ويسرع لاستنتاجات خطيرة حتى قبل أن يعرف ما جرى بدقة وبالتفاصيل ؟.
إن الربط الآلي والمباشر بين أية رد فعل من المجتمع الأردني على سياسات استعمارية إسرائيلية من ناحية وبين إيران أو سوريا أو حتى فنزويلا من ناحية ثانية هو دليل على قناعة مستقرة في عقل نتنياهو بأن “العرب لا يصلحون إلا كمقاولين” للمشاريع الدولية.
إذ أن الأدبيات الإسرائيلية منذ البداية لا ترى في السياسات العربية من الدول أو التنظيمات أو الأفراد إلا “أدوات لغير العرب”، ولعل بعض السياسات العربية عززت هذه الرؤية لدى القيادات الصهيونية، لكنها لا تصلح لتفسير كل موقف عربي ومن اية جهة كانت.
ثالثا: اعتقد أن منبع غضب نتنياهو ” بوصفه يوم العملية بأنه “يوم صعب” ليس الخسارة البشرية على اهميتها، بل هو دليل على الضيق إلى حد الاختناق من أن من قام بالعملية هو مواطن أردني ومن صلب عشائرها، وهو مؤشر على أن المراهنة على بناء جدار مبني على “الرواسب العابرة” في ثنائية أردني فلسطيني فشلت بوضوح.
ولو اطلع نتنياهو على استطلاعات الرأي المختلفة لأدرك أن ما هو عابر لا تبنى عليه استراتيجيات بعيدة المدى، فهل إيران هي من حرك أهل الطفيلة أو معان أو أربد أو الزرقاء أو غيرها من المدن الأردنية لتقديم كل ما في حدود طاقاتهم لأهلهم في غزة؟ وهل يعلم نتنياهو ان هذا النسيج يقوم على زواج مختلط لعشرات آلاف الاسر التي تحمل جينات الفريقين.
إن غضب نتنياهو هو نتيجة لهوية القائم بالعملية لا نتيجة فقط لمن أرداهم قتلى.
وخلاصة الأمر أن دولة الاحتلال لديها مشكلة (فلسطين)، لكنها لا تمتلك أي حل لهذه المشكلة، فنتنياهو وغيره من قادة الاحتلال لا يريدون حل الدولتين ولا الدولة الواحدة، وفي الوقت نفسه هي ليست قادرة على التهجير ولا على تذويب الشخصية الفلسطينية ..فماذا تنتظر؟ الجزاء سيتكرر على يد تلاميذ الجازي المرة تلو المرة…ربما.