
انتشر فيديو منتصف يوم 1 أبريل/نيسان 2025، لمجموعة فلسطينيين مسلحين يتحفظون على أحد عناصر الشرطة في غزة، أجبروه أن يجثوا أرضًا قبل أن يطلقوا عليه الرصاص من مسافة قريبة ليلقى حتفه مباشرة، ويظهر بالفيديو بعض الأشخاص يطالبون من شاب أطلقوا عليه “يحيى” بأن يقتص لأخيه ويقتل عنصر الشرطة.
تعود الواقعة وفقًا لشهود عيان إلى مقتل الشاب عبد الرحمن أبو سمرة، صباح يوم 1 أبريل/نيسان 2025، حين كان مع آخرين ضمن طابور للحصول على “الطحين”، قبل أن تقوم عناصر من الشرطة في غزة بمداهمة المنزل لإجبار التاجر على تخفيض سعر الدقيق وبيعه بسعر 50 شيكل فقط، وتنظيم عملية البيع، ومع انتهاء كميات الطحين حاولت الشرطة تفريق المواطنين الذين تجمهروا أمام منزل التاجر؛ فأطلق عناصر من الشرطة الرصاص ما أدى لعدة إصابات بينما قُتل الشاب عبد الرحمن أبو سمرة.
إثر الواقعة قامت عائلة أبو سمرة بالتحفظ على عنصر الشرطة “إبراهيم عوني شلدان” والذي اتهمته العائلة بالتسبب في مقتل الشاب “عبد الرحمن”، وقاموا بإعدامه أمام المارة، بعد أن أحرقوا سيارته، فأعلنت الشرطة في غزة عبر صفحتها على “فيسبوك” أنها بدأت التحقيق في الحادث، وتوعدت بمعاقبة الجناة.
جرت عمليات تداول مكثفة لفيديو قتل الشرطي “إبراهيم عوني شلدان” من حسابات داخل قطاع غزة على موقع (X)-تويتر سابقا-، إذ بدأ التداول في الساعة الخامسة عصر يوم الثلاثاء 1 أبريل/نيسان بتوقيت فلسطين، فيما رصد فريقنا 248 منشورًا حتى الساعة 11:59 من مساء ذات اليوم، تناولت جميعها فيديو الإعدام الميداني للشرطي وردود أفعال حوله، بينما حملت عديد المنشورات خطاب كراهية ورسائل تحريضية ضد حركة حماس.
تحليل المنشورات من حيث المحتوى ولغة الخطاب المستخدمة انقسم بين منشورات رافضة لقتل الشرطي والتي مثلت 32% من المنشورات المرصودة في ذلك الوقت، وبين منشورات تضامنية مع عائلة أبو سمرة تحمل تبريرًا لعملية قتل الشرطي وتحمل توجهات معارضة بشكل مباشر لحركة حماس، والتي مثلت 41% من المنشورات، بينما كانت 27% من المنشورات ذات طابع تحريضي، حملت خطاب كراهية تجاه حركة حماس في قطاع غزة، ودعوات مباشرة وغير مباشرة للمواطنين والعشائر في غزة لمواجهة حركة حماس والترويج لـ”الحرب الأهلية”.
رسائل التحريض
“غزة .. نحو الحرب الأهلية”.. “ندعوا عائلات دير البلح للاصطفاف مع عائلة أبو سمرة”.. “حماس لا تفهم إلا بلغة القوة”.. عبارات عدة تم استخدامها حملت رسائل واضحة للتحريض على المواجهة الداخلية مع حماس في قطاع غزة، ورغم أن نحو 102 تغريدة تم نشرها في أول 7 ساعات عقب الحادث، تناولت فيديو إعدام الشرطي حملت رسائل تبرير لعملية القتل أو الدفاع عن عائلة “أبو سمرة” ودعت للتظاهر ضد حماس، إلا أن تحليل مضمونها لم يكن يحتوى على رسائل تحريضية ضد أعضاء الحركة أو دعوات للمواجهة المسلحة داخل غزة، واتسمت رسائلها بمعارضة ممارسات الشرطة وممارسات حركة حماس، لكنها خلت من أي مصطلحات أو دعوات تحريضية.
عمل فريق عملنا على تتبع المنشورات ذات الطابع التحريضي، والتي بلغت 66 منشورًا تحريضيا تم نشرهم في أول 7 ساعات من واقعة قتل الشرطي، ووجدنا أن 8 حسابات كانت نشطة بشكل كبير في رسائل التحريض خلال الساعات الأولى من الحادث.
قام فريق عملنا بتحليل محتوى الحسابات ال8، واستمر رصد المحتوى للحسابات على مدار 4 أيام، بدءا من يوم 1 أبريل/نيسان الساعة الخامسة عصرا بتوقيت فلسطين، وحتى الخامسة عصر يوم 4 أبريل/نيسان.
كشف التحليل أن الحسابات ال8 نشطت في تمرير رسائل تحريضية ضد حركة حماس في قطاع غزة بشكل أكبر من النشر حول أي قضية أخرى في تلك الفترة رغم استمرار القصف الإسرائيلي خلال تلك الآونة بشكل كبير.
وهو ما دفعنا لتعميق البحث حول ذات الحسابات لفترة أطول تصل إلى الأول من مارس/آذار 2025، وهو ما كشف أن تلك الحسابات الثمانية مترابطة من حيث تداول ذات المضامين، أو من حيث التفاعل فيما بينها، إذ بلغ حجم إعادة التغريد بين تلك الحسابات خلال شهر 120 تفاعلًا، كان الحساب الرئيسي الذي يتفاعل معه الجميع ويطلق المضامين التحريضية أولا هو حساب “مصطفى عصفور”.
حساب مصطفى عصفور، نشر خلال الفترة من 1 – 4 أبريل/نيسان 32 تغريدة، نحو 94% منها تهدف للتحريض ضد حركة حماس أو الهجوم عليها، بينما 3% فقط من التغريدات تناولت أخبار الحرب، و3% حول مضامين أخرى.
ويظهر تحليل الحسابات الـ8 إن حساب “مصطفى عصفور” يعد من الحسابات المركزية المحركة لحملة التحريض، إذ دأبت الحسابات الأخرى على إعادة نشر تغريداته بشكل يومي.
وبتحليل الحساب، تبين أنه يتم متابعته من عدد من القوائم الإسرائيلية على موقع (X)، منها قوائم: פיד פוליטיקה – Israel Reports – עזה – חדשות פלסטינים.
نشط أيضا حساب باسم “معن الفرا” في الحملة التحريضية ضد حركة حماس في ذات الفترة، إذ من بين 28 تغريدة نشرها، كانت 46.4% منها تركز على مهاجمة حماس، بينما 25% منها تناولت تطورات الحرب، و7% من المنشورات حرضت على إبلاغ “إسرائيل” عن أماكن الأسرى الإسرائيليين وأماكن قيادات حركة حماس، فضلا عن الترويج للهجرة خارج قطاع غزة، وتناولت 21% من التغريدات مضامين أخرى.
كما نشط حساب باسم “ 𝔾𝕒𝕫𝕒 || 𝕊 𓂆 𝒪𝐵 ” في نشر خطاب كراهية وتحريض، إذ من بين 68 تغريدة نشرها خلال الأيام الأربعة الأولى من أبريل، كانت 72% من التغريدات تحريضية ضد حماس أو تهاجمها، بينما ما يزيد عن 20% فقط من التغريدات تناولت التطورات الميدانية للحرب، ونحو 7% من التغريدات تناولت قضايا أخرى.
ومن بين الحسابات التي نشطت في حملة التحريض حسابا يحمل اسم زاهر ابو حسين، والذي نشر خلال تلك الفترة 136 تغريدة، كان 37.5% منها مخصصا للتحريض ضد حركة حماس بقطاع غزة، فضلًا عن الترويج لمعلومات مضللة من بينها وجود اشتباكات بين حماس وعائلة أبو سمرة، قبل أن تتضح الرواية الأصلية التي راح ضحيتها الشاب “عبد الرحمن أبو سمرة” دون وجود اشتباكات.
بينما 37.5% من تغريداته كانت عن متابعات الحرب والنازحين، فيما نحو 3% فقط من تغريدات وجه فيها انتقادات ل”إسرائيل” وتوثيق جرائمها، و 22% عن أمور أخرى متعددة.
ونشر حساب باسم “SAM” نحو 56 تغريدة خلال تلك الفترة، 62.5% منها ركزت على مهاجمة حماس أو التحريض عليها، بينما 3.6% منها ركزت على توثيق جرائم “إسرائيل”، ونحو 9% ركزت على تطورات الحرب، و25% حملت مضامين أخرى.
ونشر حساب باسم “ابو الحسن” 63 تغريدة في ذلك الوقت، ركزت 60% منها على الهجوم على حماس أو التحريض عليها، بينما 16% من التغريدات ركزت على تطورات أخبار الحرب، و5% من التغريدات عملت على توثيق الجرائم الإسرائيلية، و19% منها ركزت على مضامين أخرى.
ونشر حساب باسم “MUSTAFA KR” نحو 27 تغريدة في الأيام الأربعة الأولى من أبريل، ركزت 55.6% منها على مهاجمة حماس والتحريض عليها، بينما 11% من التغريدات ركزت على توثيق الجرائم الإسرائيلية، ونحو 15% من التغريدات ركزت على تطورات الحرب، بينما نحو 18% من التغريدات تناولت مضامين أخرى.
ونشر حساب باسم “Thαҽܓܛܟ” 22 تغريدة في تلك الفترة، ركزت 45.5% منها على مهاجمة حماس، بينما 45.5% من التغريدات ركزت على تطورات الحرب، و9% من التغريدات تناولت مضامين أخرى.
ما علاقة الحسابات الأكثر نشاطا في التحريض بـ”حركة فتح”؟
تتبعنا نشاط الحسابات الثمانية، وكشفت الأدوات أن النشاط والنشر على تلك الحسابات هو نشاط بشري على الغالب وليس نشاطا آليا.
وهو ما قادنا إلى المرحلة الثانية من تتبع خلفيات أصحاب تلك الحسابات؛ ليكشف التحليل أن العامل المشترك بينهم هو الانحياز إلى حركة فتح.
إذ كشف تحليل الحسابات أن أصحابها دأبوا على الترويج لحركة فتح وإنجازاتها وتاريخها، مقابل الهجوم على حركة حماس. كما يظهر المحتوى الخاص بهم تأييد وولاء لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، في سياق الدفاع عن سياساته وتحركاته وإبراز مواقفه المختلفة.
أظهر تحليل النشاط الرقمي في أعقاب حادثة مقتل الشرطي في غزة، كيف يمكن أن تتحول منصات التواصل الاجتماعي إلى مساحة لانتشار خطاب الكراهية والتحريض، خاصة في ظل التوترات السياسية الداخلية.
تشير البيانات إلى أن جزءًا من هذا الخطاب تم تداوله من حسابات تُظهر توجهات سياسية واضحة، استغلت الحادثة في تصعيد الخطاب ضد أطراف بعينها داخل القطاع، ما ساهم في رفع حدة الانقسام في الخطاب العام خلال فترة الحرب.
وتسلط هذه الحالة الضوء على الدور المتنامي لمنصات التواصل في التأثير على الرأي العام، لا سيما في أوقات الأزمات، وعلى أهمية التحقق من المعلومات المتداولة، ومراقبة المحتوى الذي قد يسهم في زيادة التوتر المجتمعي، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
المصدر: شبكة نون