حملة “حماية وطن” ضد مقاومة جنين.. الأمن الفلسطيني بثوب جيش لحد
تشهد جنين ومخيمها في شمال الضفة الغربية المحتلة تصعيدًا خطيرًا مستمراً، منذ إطلاق أجهزة أمن السلطة الفلسطينية عملية أمنية تحت عنوان “حماية وطن”، تستهدف مواقع المقاومة في المخيم، ما أدى إلى سقوط ثلاثة شهداء وأكثر من 33 إصابة، خلال أسبوع.
وفي دلالة على دفع السلطة بكامل ثقلها في محاربة المقاومة في جنين، أوفد الرئيس محمود عباس رئيس وزرائه محمد مصطفى للاجتماع بقادة الأجهزة الأمنية في المحافظة وحثهم على المزيد من الضرب بيد حديد ضد أي نشاط مقاوم.
تزامن ذلك مع إطلاق السلطة وحركة فتح أبواقها الإعلامية للتغطية على ما يجرى في جنين بالزعم أنها تستهدف “فئة خارجة عن القانون” في محاولة مفضوحة لتشويه المقاومة وعناصرها ومحاولة ضرب حضانتهم الشعبية.
وتذكر هذا المواقف للسلطة بجيش لبنان الجنوبي أو جيش لحد وهو ميليشيا تشكّلت بدعم من الاحتلال الإسرائيلي من أبناء القرى الجنوبية ووحدات منشقة من الجيش اللبناني.
وقد تم تأسيس هذه الميليشيا عام 1976 على يد أفراد من الجيش اللبناني في مدينة مرجعيون. وكان أغلب أعضائها من اللبنانيين المسيحيين وعدد قليل من المسلمين الذين كانت لهم مشاكل مع فصائل من المقاومة الفلسطينية التي سيطرت على جنوب لبنان في ذلك الحين.
وبعد الاجتياح الإسرائيلي عام 1978 الذي عرف بعملية الليطاني توسعت منطقة سيطرة هذا التشكيل من عملاء الاحتلال الإسرائيلي بحكم السيطرة الميدانية لجيش الاحتلال.
وقد أثارت الأحداث في جنين غضبًا شعبيًا واسعًا واستنكارات حادة في الشارع الفلسطيني عبر عنه الكُتّاب والمحللين الذين وصفوا العملية بالخيانة والتواطؤ مع الاحتلال الإسرائيلي.
صرّح الناطق باسم أمن السلطة، أنور رجب، بأن العملية هي المرحلة قبل الأخيرة من حملة “حماية وطن”، مدعيًا أنها تهدف إلى “استعادة السيطرة على المخيم”، لكن المحللين يشيرون إلى أن الهدف الحقيقي هو قمع المقاومة وإرضاء الاحتلال الإسرائيلي.
وخلال العملية، أطلقت أجهزة السلطة الرصاص على المنازل، ما تسبب في إصابة عدد من المواطنين بجروح متفاوتة، وهذه الانتهاكات زادت من حالة الغضب الشعبي تجاه السلطة.
وأسفرت العملية عن استشهاد القائد في كتيبة جنين يزيد جعايصة، بعد أن أطلقت أجهزة السلطة النار عليه، ما أدى إلى إصابته بجروح خطيرة تُرك ينزف بسببها حتى ارتقى شهيدًا.
التنسيق الأمني مع الاحتلال
ويتهم الكتّاب والمحللون السلطة بالتنسيق مع الاحتلال الإسرائيلي في هذه العملية، ما يجعلها امتدادًا لدور أمني وظيفي يخدم مصالح الاحتلال، وليس الشعب الفلسطيني.
وأشارت القناة 12 العبرية إلى أن هذه الحملة الأمنية تأتي ضمن خطة مشتركة مع الاحتلال الإسرائيلي.
وكشفت القناة أن قادة أجهزة السلطة تلقوا تعليمات مباشرة من مسؤولين إسرائيليين لإتمام العملية، مع تحذيرات من أن فشلهم سيؤدي إلى تدخل جيش الاحتلال الإسرائيلي مباشرة.
وقال التقرير العبري إن الاحتلال منح أجهزة السلطة مزيدًا من الوقت لتنفيذ الحملة في حال أظهرت “جدية” في استهداف خلايا المقاومة.
ردود الفعل الشعبية والإعلامية
وصف الكاتب السياسي ياسين عز الدين العملية بأنها خدمة مباشرة للاحتلال الإسرائيلي، قائلاً: “السلطة تريد أن تكون غزة بلا إسناد، والضفة بلا مقاومة، لتسهيل مشروع الضم الإسرائيلي”
ووصفت الكاتبة لمى خاطر الحملة بأنها “عار على السلطة”، مؤكدة أنها تهدف إلى تصفية المقاومة وإراحة الاحتلال من عبء مواجهتها.
وقال أحد المحللين السياسيين: “إن أماكن سيطرة السلطة في الضفة معروفة بضعفها أمام المستوطنين، لكن جنين كانت شوكة في خاصرة الاحتلال، واليوم، تحاول السلطة كسر هذه الشوكة تحت أنظار مجلس الوزراء الإسرائيلي (الكابينت) الذي يتابع العملية عن كثب”.
وتابع، لقد أصبح دور السلطة شرطياً لخدمة الاحتلال؛ تُقمع المقاومة ويُعتقل المقاومون، بينما تُترك المستوطنات تعبث فسادًا دون رادع.
وقال الكاتب محمد هنية ساخرًا: “على المقاومين تستقوون يا جيش لحد؟”، مشيرًا إلى أن السلطة ترفع شعارات وطنية كاذبة لتبرير خيانتها.
ويرى الشارع الفلسطيني أن السلطة تسعى لتصفية المقاومة بدلاً من مواجهة الاحتلال، وهو ما يزيد من الانقسام الداخلي ويعمّق أزمة الثقة بين الشعب والقيادة.
وتكشف العملية الأمنية في جنين حجم التواطؤ، وتؤكد أن التنسيق الأمني مع الاحتلال لم يعد يحمي سوى الاحتلال، بينما يعمّق الانقسام ويهدد النسيج الوطني.