تحليلات واراء

خمسة دروس مستفادة للنضال الفلسطيني في خضم الحرب على غزة

في خضم حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية المستمرة منذ عام، تبرز خمسة دروس رئيسية مستفادة من النضال الفلسطيني والكفاح الوطني الذي لا يلين للاحتلال الإسرائيلي.

وقد تم النظر إلى العام المنقضي من الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة، والغارات الدموية في الضفة الغربية، إلى حد كبير من حيث نتائجها الإنسانية المروعة: قتل عشرات الآلاف من المدنيين، ومحو غزة، وتدمير الضفة الغربية.

وفي حين أن الحاجة الإنسانية الملحة يجب أن تشكل أولوية، فإن عوامل أخرى تستحق أيضا النظر فيها، خاصة مع إحياء الذكرى السنوية الأولى لحرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة.

ورغم أن عمليات القتل الجماعي لم تنته بعد، فإن هناك عدة استنتاجات يمكن استخلاصها بالفعل بشأن العواقب طويلة الأمد للحرب.

أولا، على الرغم من الاحتلال العسكري والحصار والإخفاقات العديدة لقياداتهم، يظل الفلسطينيون واعيين سياسيا يتمتعون بقدرة قوية على الصمود والتحدي ضد الاحتلال.

ويعد هذا الصمود نتاج المرونة الجماعية وقوة الفلسطينيين العاديين في غزة وفي جميع أنحاء فلسطين المحتلة.

كانت الحرب في غزة لتبدو مختلفة لو انهار المجتمع الفلسطيني في مواجهة آلة الحرب، أو انقسم إلى فصائل مقاتلة، أو أصيب باليأس في مواجهة ضغوط مستحيلة ــ الحرب، والدمار غير المسبوق، والمجاعة الحادة، وما إلى ذلك.

إن هذه الحقيقة وحدها تطمئننا إلى أن مصير الشعب الفلسطيني لن يكون مصير الإبادة أو حتى التهميش، بل الاستمرارية وحتى الرخاء في المستقبل.

ثانياً، إن المجتمعات العربية، على الرغم من انشغالها بصراعاتها وتحدياتها الاجتماعية والسياسية، تظل متحدة في النظر إلى القضية الفلسطينية باعتبارها أولوية عربية قصوى. وقد سمح هذا للعديد من الحكومات العربية بتكرار موقفها بشأن مركزية القضية الفلسطينية.

ورغم أن الظروف الراهنة قد تمنع بعض المجتمعات العربية، في الوقت الراهن، من المشاركة المباشرة في تحويل ولائها لفلسطين إلى دعم ملموس وعملي، فإن المستقبل سيثبت أن المركز المتجدد لفلسطين في الخطابات السياسية والشعبية العربية سيكون له ثقله وقيمته الخاصة.

وينطبق المنطق نفسه على الأمة الإسلامية، التي لم تكن متحدة قط حول قضية واحدة منذ عقود من الزمان كما هي الآن متحدة حول فلسطين. ويمكن الشعور بهذا في جميع البلدان الإسلامية، وبين المجتمعات الإسلامية في جميع أنحاء العالم، وخاصة في الغرب.

إن المستقبل سوف يكشف المزيد عن معنى عودة فلسطين إلى أحضان العرب والمسلمين، ولكن من الممكن استنتاج أن صمود الشعب الفلسطيني أعاد تركيز الاهتمام مرة أخرى على فلسطين باعتبارها القضية الأولى لكل العرب والمسلمين.

ثالثا، على الرغم من أن القانون الدولي لا يزال غير فعال كما كان دائما، فإن الحرب الدموية في فلسطين تخلق انقسامات بين الجنوب العالمي والشمال العالمي.

فالشمال العالمي، باستثناءات قليلة، يظل مصرا على تكرار الشعارات القديمة حول “حق (إسرائيل) في الدفاع عن نفسها”، في حين يتجاهل كل الحقوق الفلسطينية.

ومع ذلك، فإن العديد من البلدان في أفريقيا والشرق الأوسط وأميركا الجنوبية وأماكن أخرى أصبحت أكثر صوتا وجرأة في مطالبها بتحقيق العدالة للفلسطينيين، والتطبيق المتساوي للقانون الدولي.

لقد أدت الثورة السياسية في الجنوب العالمي بالفعل إلى اتخاذ إجراءات بطيئة ولكن جادة من قبل محكمة العدل الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية، ومؤخرا الجمعية العامة للأمم المتحدة أيضا.

في السابع عشر من سبتمبر/أيلول، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً حدد موعداً نهائياً فعلياً لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.

وكان القرار وموعده النهائي “الذي لا يتجاوز 12 شهراً”، بمثابة إعلان باطلة لاغية لجميع الإجراءات التي نفذتها إسرائيل بشكل غير قانوني في الأراضي المحتلة، بما في ذلك جميع المستوطنات وضم الأراضي الفلسطينية وكل ما تبقى.

رابعاً، لقد تأثر جيل كامل من الناس في مختلف أنحاء العالم بالعرض المروع الذي شهدته غزة. وسوف تظل الصور المروعة، والتوسلات اليائسة من جانب الأطفال الذين فقدوا آباءهم، والدمار الذي لا يصدق، وفشل النظام الدولي في وقف أي من هذا، محفورة في الذاكرة الجماعية للعالم لسنوات عديدة قادمة.

وهذا يعني أن حدود التضامن العالمي مع فلسطين سوف تكسر أخيراً حدود الشرق الأوسط إلى فضاءات جغرافية وثقافية جديدة ومتنامية، وأن فلسطين لن تظل، على الأقل في الغرب، مجرد نقاش سياسي أو موضوع أكاديمي.

ولعل الوعي العالمي الجديد الذي تطور حول النضال الفلسطيني قد حقق بالفعل الكتلة الحرجة المطلوبة، والتي سوف تؤدي مع مرور الوقت إلى التحول النموذجي المنشود: العدالة للشعب الفلسطيني.

وأخيرا، علمنا عام واحد من الحرب أنه في حين أن القوة النارية المتفوقة قد تحدد النتائج السياسية في الأمد القريب، فإن أي كمية من الأسلحة لا يمكنها على الإطلاق أن تكسر إرادة أمة تعهدت باستعادة كرامتها والفوز بحريتها، مهما كان الثمن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى