خبراء: الاحتلال خطط منذ البداية لخرق اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

أكد خبراء وناشطون دوليون أن الاحتلال الإسرائيلي خطط منذ البداية لخرق اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بهدف استئناف حرب الإبادة الجماعية، منتقدين إخفاق الحكومات الغربية والنظام القانوني الدولي في لجم جرائم الاحتلال.
جاء ذلك خلال ندوة عقدتها المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا لمناقشة قطع الاحتلال الإسرائيلي المساعدات الإنسانية عن غزة وخرق وقف إطلاق النار وسعي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لاستئناف حرب الإبادة.
وركزت الندوة على سياسات التجويع المتعمدة التي تنتهجها إسرائيل، وعدوانها المستمر على الفلسطينيين، وناقشت إخفاق الحكومات الغربية والنظام القانوني الدولي في لجم جرائم الاحتلال، والحاجة الملحة إلى تحرك عالمي لمحاسبة “إسرائيل”.
وقال ميكو بيليد رئيس دار الحرية الفلسطيني في العاصمة الأمريكية واشنطن، خلال الندوة، إن الانتهاك الإسرائيلي لوقف إطلاق النار في غزة كان متوقعًا تمامًا وليس مفاجئًا، لافتًا أنها كانت تخطط منذ البداية لخرقه.
وأبرز أن لدى “إسرائيل” تاريخ طويل في انتهاك الاتفاقيات منذ نشأتها، مما يجعل أفعالها غير مفاجئة.
وأشار إلى أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي المعين حديثًا أوضح أن الإبادة الجماعية لم تنته وأن مهمة قتل الفلسطينيين في غزة لا تزال مستمرة.
ووفقًا لبيليد، فإن نية قيادة “إسرائيل” كانت واضحة تمامًا بشأن مواصلة عدوانها، مؤكدة أن عمليات قتل الفلسطينيين لم ولن تتوقف.
وأوضح بيليد أن “إسرائيل” وافقت على اتفاق وقف إطلاق النار بصورة مؤقتة فقط لأنها كانت بحاجة إلى الموازنة بين تأمين إطلاق سراح بعض الأسرى والاستجابة لمطالب تحالفها الحكومي الذي يدعم إلى حد كبير استمرار قتل الفلسطينيين.
وأكد بيليد أن المذابح المستمرة للفلسطينيين يمكن وقفها بسهولة، ومع ذلك استمرت لأن المجتمع الدولي يرفض التدخل.
كما أدان بيليد التقاعس العالمي، مؤكداً أن العالم لم يهتم قط بوقف الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الذي تمارسه “إسرائيل” في فلسطين، والذي استمر لما يقرب من قرن من الزمان.
وفي تعليقه على الجهود الدولية لتقديم المساعدات، رفض بيليد هذه الجهود باعتبارها مصممة لخدمة المصالح الإسرائيلية بدلاً من مساعدة الفلسطينيين بصدق.
وشدد على أن الحل الحقيقي سيكون تفكيك “معسكر الاعتقال” في قطاع غزة، ومنح الفلسطينيين حرية الحركة، وضمان وصولهم إلى الموارد الوفيرة خارج القطاع مباشرة.
كما ندد بتواطؤ المجتمع الدولي في الحفاظ على الحصار من خلال السماح لإسرائيل بإملاء شروط الإغاثة، قائلاً إنه طالما يقبل العالم السيطرة الإسرائيلية على حياة الفلسطينيين، فإن الإبادة الجماعية ستستمر.
وأكد بيليد أن الطريقة الوحيدة لوقف الفظائع التي ترتكبها “إسرائيل” هي من خلال العقوبات الدولية الشديدة، بما في ذلك حظر الأسلحة الكامل، والمقاطعة الاقتصادية والدبلوماسية، والحظر المطلق على مشاركة إسرائيل في الأحداث الرياضية والأكاديمية والثقافية.
وأضاف بأن التاريخ أثبت أن التفاوض مع مرتكب الإبادة الجماعية أمر غير مجدٍ، مشبهًا الوضع بمحاولة التفاوض مع هتلر بينما كانت المحرقة مستمرة، مشددًا على أن دولة الفصل العنصري في “إسرائيل” هي السبب الجذري للمعاناة ويجب تفكيكها لإنهاء الإبادة الجماعية.
وفي معرض حديثه عن التصريحات الأخيرة التي أدلى بها دونالد ترامب، رفض بيليد هذه التصريحات باعتبارها مسرحيات لا معنى لها ولا تعمل إلا على تعزيز موافقة الحكومة الأمريكية منذ فترة طويلة على تصرفات “إسرائيل”.
وذكر أن الحكومة الإسرائيلية لم تكن بحاجة أبدًا إلى ضوء أخضر من ترامب، حيث أقرت الولايات المتحدة بالفعل الإبادة الجماعية. وأشار إلى أنه إذا كان هناك اهتمام حقيقي بتأمين إطلاق سراح الأسرى، فكان بإمكان “إسرائيل” أن تفعل ذلك منذ فترة طويلة من خلال تحرير الآلاف من السجناء الفلسطينيين الذين تحتجزهم في ظروف وحشية.
وتابع أن الضغط يُمارس دائمًا على الفلسطينيين وليس على مرتكبي الجرائم الفعليين – إسرائيل نفسها. واختتم بيليد حديثه مؤكدا أن “إسرائيل” لا تريد إطلاق سراح أسراها، حيث إن استمرار أسرهم يخدم أجندتها الأوسع في تبرير جرائم الحرب المستمرة.
حرب غزة جزء من الاستعمار الاستيطاني
أكد جيف هالبر رئيس اللجنة الإسرائيلية ضد هدم المنازل (ICAHD)، أن الأحداث الجارية في غزة لا يمكن النظر إليها بمعزل عن غيرها ويجب أن تُفهم ضمن الإطار الأوسع للاستعمار الاستيطاني الصهيوني.
وقال هالبر إن الاستعمار الاستيطاني ليس مجرد شعار أو اتهام، بل هو نظام موثق جيداً يتبع بنية ومنطق واضحين، كما رأينا في حالات تاريخية مختلفة مثل الولايات المتحدة، وكندا، وجنوب إفريقيا، والجزائر.
وأوضح أن إسرائيل حققت بالفعل السيطرة الكاملة على كل فلسطين التاريخية، من النهر إلى البحر، وهي تتحرك الآن نحو المرحلة النهائية من مشروعها الاستعماري الاستيطاني: التطبيع.
وحدد هالبر ثلاث مراحل متشابكة للاستعمار الاستيطاني الصهيوني، الأولى كانت تهجير السكان الفلسطينيين، والذي استمر منذ عام 1948 ويستمر إلى اليوم بسرقة الأراضي في الضفة الغربية.
والثانية كانت قمع المقاومة الفلسطينية من خلال المجازر والسيطرة العسكرية، لافتًا أن هذه هي المرحلة التي تسعى إليها “إسرائيل” بقوة الآن، كما يتضح من حربها على غزة ودفعها لمزيد من قمع الفلسطينيين في الضفة الغربية.
أما المرحلة الثالثة فهي التطبيع، حيث يتم إضفاء الشرعية على نظام الفصل العنصري الإسرائيلي عالميًا، ومحو فلسطين من الأجندة السياسية. ويتحقق ذلك من خلال التطبيع الدبلوماسي مع الدول العربية، وإعادة تسمية الأراضي الفلسطينية بأسماء عبرية، ودمج المشروع الاستيطاني الاستعماري الإسرائيلي في النظام الدولي كواقع لا رجعة فيه.
وفي تعليقه على الحملة العسكرية الإسرائيلية، أبرز هالبر أن التهجير القسري والإبادة الجماعية في غزة لم تكن أفعالاً عشوائية، بل متأصلة في منطق الاستعمار الاستيطاني الصهيوني.
وأشار إلى أن خطة نتنياهو للقضاء التام على الوجود الفلسطيني في غزة قد رددها ترامب الآن، لكن هذه الفكرة كانت دائمًا جزءًا من استراتيجية إسرائيل طويلة المدى.
كما شدد جيف هالبر على دور الدول العربية ومسؤوليتها في الإبادة الجماعية المستمرة، وذكر أن تصرفات الولايات المتحدة و”إسرائيل” كانت متوقعة وأن ترامب ونتنياهو والقوى الغربية كانوا يفعلون -في هذه الحرب- ببساطة ما فعلوه دائمًا.
ومع ذلك، فإن الفشل الحقيقي يقع على عاتق الحكومات العربية، وخاصة تلك التي تطبع العلاقات مع إسرائيل، مؤكدًا أن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر ودول عربية أخرى لعبت دورًا حاسمًا في تمكين الفصل العنصري والإبادة الجماعية لإسرائيل من خلال التوافق مع الأجندة الأمريكية الإسرائيلية بدلاً من مقاومتها.
وأكد هالبر أن التطبيع السعودي شبه الكامل مع “إسرائيل” من شأنه أن يختم مصير فلسطين، مما يجعل مقاومة هذا الاستعمار الاستيطاني أكثر صعوبة. ودعا إلى الضغط على الحكومات العربية لوقف التعاون مع إسرائيل، لأن هذا هو المكان الذي يجب أن يركز فيه النشطاء والمجتمع العالمي جهودهم بدلاً من توقع التغيير من “إسرائيل” أو الولايات المتحدة، التي وصفها بأنها محصنة ضد الضغوط.
تناول البروفيسور حاييم بريشيث الأستاذ في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية، الخطر الحقيقي لقرارات وتصريحات ترامب والتي اعتبر أنها لا تكمن فقط في طبيعتها غير المنتظمة، ولكن في حقيقة أنها تقوض القانون الدولي.
وأكد أنه في حين أن القانون الدولي لم يكن قويًا بما يكفي، إلا أنه الآن في حالة انهيار كامل. وذكر أن القرارات التي اتخذتها محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية لا معنى لها فعليًا، حيث لا تنوي “إسرائيل” الامتثال لأي أحكام صادرة عن هذه الهيئات.
وشدد بريشيث على أن القانون الدولي لا يكون فعالًا إلا عندما يتم فرضه من خلال العقوبات، ومع ذلك لم تواجه “إسرائيل” أي عقوبات على الرغم من انتهاك القانون الدولي كل عام منذ إنشائها في عام 1948.
وأشار إلى أن هذا يجعل “إسرائيل” فريدة من نوعها بين الدول، حيث لم تنتهك أي دولة أخرى القانون الدولي باستمرار دون عواقب.
وفي مقارنة بين الوضع في فلسطين وأوكرانيا، سلط بريشيث الضوء على المعايير المزدوجة للغرب، مُشيرًا إلى أنه في غضون أسبوع من غزو روسيا لأوكرانيا، وُضعت روسيا تحت عقوبات قاسية، وعلى النقيض من ذلك، لم تواجه “إسرائيل” عقوبات قط، حتى في أعقاب الإبادة الجماعية المستمرة في غزة.
وأضاف أنه تحت حكم ترامب – الرئيس الأمريكي الأكثر خطورة – وفي وجود نتنياهو، تتمتع “إسرائيل” الآن بقدر أعظم من الإفلات من العقاب، مما يجعل فرض العقوبات أقل احتمالية، مُحذرًا من أن نتنياهو، على عكس ترامب، سيفتح بالفعل “أبواب الجحيم” بمواصلة الحرب، بغض النظر عن الاحتجاج الدولي.
ودعا البروفيسور بريشيث إلى تعليق عضوية “إسرائيل” في الأمم المتحدة، على غرار طرد جنوب إفريقيا في عهد الفصل العنصري من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1974.
وأكد أنه بما أن الفصل العنصري جريمة معترف بها بموجب القانون الدولي، فإن الإطار القانوني نفسه الذي انطبق على جنوب إفريقيا يجب أن ينطبق الآن على دولة الاحتلال.
وبالحديث عن عملية إعادة إعمار غزة، انتقد البروفيسور بريشيث المبادرة التي تقودها الدول العربية لجمع الأموال لإعادة البناء وأصر على أن المسؤولين عن تدمير غزة – “إسرائيل” وداعميها الغربيين – يجب أن يتحملوا المسؤولية المالية.
وأبرز أن القانون الدولي يلزم مرتكبي جرائم الحرب بتعويض ضحاياهم، وهذا يعني أن عبء إعادة الإعمار لا ينبغي أن يقع على عاتق الفلسطينيين أو الدول المحايدة، بل على “إسرائيل” والولايات المتحدة والحكومات الأوروبية التي زودت إسرائيل بالأسلحة والدعم السياسي، باعتباره التزامًا قانونيًا بموجب القانون الدولي، وليس مجرد نداء أخلاقي.
واختتم البروفيسور بريشيث كلمته بتحذير صارخ: إذا فشل المجتمع الدولي في التحرك الآن، فسوف يفقد -إلى الأبد- كل مصداقيته عندما يتعلق الأمر بالقانون الدولي.
ووصف الإبادة الجماعية في غزة بأنها فظائع مرئية عالميًا وموثقة إعلاميًا ويدعمها 97٪ من المجتمع الإسرائيلي، مما يجعلها واحدة من أكثر الحالات وضوحًا لدولة ترتكب فظائع جماعية بدعم شعبي.
طوفان الأقصى ورد الفعل
أكدت أليشيا كوتسوليريس مديرة الاتصالات في منظمة “شركاء من أجل فلسطين”، أن هجوم طوفان الأقصى للمقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر 2023 لم تكن كما تدعي الحكومة الإسرائيلية وداعميها “فعل” بل رد فعل لسنوات من القمع الإسرائيلي.
وقالت إن الحصار المفروض على غزة، والمستمر منذ قرابة 18 عامًا، والاحتلال العسكري الإسرائيلي للضفة الغربية لعقود من الزمن خلق الظروف التي أدت إلى السابع من أكتوبر.
وأكدت أن المرء ليس بحاجة إلى أن يكون خبيرًا سياسيًا لفهم هذا الواقع أو التوصل لهذا الاستنتاج، مشيرة إلى أنه لو لم يخضع الفلسطينيون للحكم العسكري والعقاب الجماعي لعقود من الزمن، لما حدث السابع من أكتوبر.
وأشارت إلى أن الأوامر العسكرية في الضفة الغربية المحتلة، والتي كانت سارية منذ عام 1967، من المفترض أن تكون مؤقتة، ولكنها أصبحت أداة دائمة للقمع، تحكم حتى الجوانب البسيطة من حياة الفلسطينيين، مثل المحاصيل التي يُسمح لهم بزراعتها.
كما أكدت أن المسلمين الفلسطينيين ليسوا فقط من يواجهون القمع الإسرائيلي، بل والمسيحيين الفلسطينيين أيضًا يتعرضون بنفس القدر لسياسات الفصل العنصري الإسرائيلية، مشيرة إلى أن العديد من المدن التي يتم ذكرها بشكل متكرر في التغطية الإخبارية الغربية – مثل القدس وبيت لحم والناصرة وأريحا – تشكل مركزًا للتاريخ المسيحي.
وفي تعليقها على الضحايا منذ السابع من أكتوبر، ذكرت أليسيا أن القصف الإسرائيلي يستهدف المدنيين بشكل ساحق، حيث تتعرض المدارس والمستشفيات والمساجد والكنائس ومخيمات اللاجئين للهجوم، مما أسفر عن قتل ما يزيد عن 70٪ من النساء والأطفال.
ثم انتقلت أليسيا إلى التحول المتزايد في الرأي العام داخل الولايات المتحدة، مشيرة إلى أن المواطنين العاديين يشعرون بغضب متزايد إزاء دور حكومتهم في تمكين الإبادة الجماعية.
وأوضحت أنه بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، لم يعد الناس مضطرين إلى الاعتماد على وسائل الإعلام الغربية المتحيزة – يمكنهم رؤية الإبادة الجماعية في الوقت الحقيقي. وقد أدى هذا إلى زيادة في النشاط، حيث يضغط المزيد من الأميركيين على المسؤولين المنتخبين لوقف دعم جرائم الحرب الإسرائيلية.