تحليلات واراء

مجموعة الأزمات الدولية: مأزق استراتيجي لإسرائيل في مواجهة حماس

أكدت مجموعة الأزمات الدولية “International Crisis Group” أن دولة الاحتلال الإسرائيلي تواجه مأزق استراتيجي مع حركة “حماس” وفصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة لتحقيق أهداف حرب الإبادة المستمرة منذ أكثر من عام.

وأبرزت المجموعة في بيان على موقعها الالكتروني، أن حملة التصعيد الإسرائيلي في شمال قطاع غزة، وهي الثالثة خلال اثني عشر شهراً، تعد إيذاناً ببدء مرحلة جديدة في الحرب التي دمرت القطاع الفلسطيني.

وذكرت المجموعة أنه على الرغم من تدهور القدرات العسكرية لفصائل المقاومة بشكل كبير، فإن “إسرائيل” لا تزال في مأزق استراتيجي مع حركة حماس.

إذ أظهرت الألوية المسلحة والهياكل الإدارية المحلية التابعة لحماس قدرة على الصمود، بحيث جددت صفوفها وعادت إلى الظهور في أعقاب الانسحابات الإسرائيلية.

وقد ارتفعت الخسائر المدنية، وتم تعليق تسليم المساعدات إلى أجزاء من الشمال لمدة ثلاثة أسابيع تقريبًا، مما أدى إلى تعميق الكارثة الإنسانية في الجيب. وفي الوقت نفسه، تعمل الضربات الإسرائيلية على تقليص المزيد من الأراضي إلى أنقاض.

عدوان شامل

مع تحول انتباه العالم جزئياً بسبب الحرب في لبنان واحتمال اندلاع حرب أخرى في إيران، وانتخابات الرئاسة الأميركية التي لم يتبق عليها سوى أسابيع قليلة، وسعت “إسرائيل” حملتها في غزة تحت مراقبة أقل.

وتهدد الخطوات التي تتخذها دولة الاحتلال بتغيير المشهد الديموغرافي إلى الأبد، وإخلاء أجزاء من الشمال من السكان مع إنشاء الجيش لمنطقة عازلة حول محيط غزة. ومن المرجح أن يكون الضغط الأميركي الحازم هو العامل الوحيد الذي قد يدفع رئيس الوزراء نتنياهو إلى إعادة النظر في نهجه.

وقد بدأ جيش الاحتلال في الأول من أكتوبر/تشرين الأول إصدار الأوامر إلى ما بين 300 ألف و400 ألف فلسطيني يعيشون الآن في الشمال، بعد أن كان عددهم 1.4 مليون نسمة قبل الحرب، بالانتقال إلى “منطقة إنسانية” محددة في الجنوب.

وقبل أسبوع واحد من غزوها، طبقت “إسرائيل” مجموعة من التدابير التي أوقفت عملياً دخول الغذاء والمياه والوقود والإمدادات الطبية إلى الشمال.

كما فرضت دولة الاحتلال متطلبات جمركية جديدة أدت في الواقع إلى قطع واردات المساعدات من الأردن، الذي كان في السابق المورد الأكثر موثوقية للمساعدات إلى شمال غزة.

كذلك قلصت “إسرائيل” الشحنات التجارية إلى الشمال، ما أدى إلى تفاقم النقص بالإمدادات الإنسانية بعد أن انخفض بالفعل عدد قوافل المساعدات الإنسانية القادمة من الجنوب بشكل حاد.

بموازاة ذلك أمر الجيش الإسرائيلي بإغلاق مرافق الرعاية الصحية في المنطقة، وتقسيم الشمال إلى أجزاء وإغلاق طرق الخروج، وخاصة من مخيم جباليا للاجئين شمال مدينة غزة.

رفض أوامر الإخلاء

في مواجهة ذلك رفضت الغالبية العظمى من سكان شمال قطاع غزة إخلاء منازلهم، إما لأنهم لم يتمكنوا من المغادرة أو لأنهم لا يعتقدون أن أي مكان في غزة آمن حقاً. وهم يفضلون المخاطرة في منازلهم أو بالقرب منها.

وقد أعرب العديد من سكان جباليا الذين اتصلت بهم مجموعة الأزمات الدولية عن نيتهم ​​في البقاء، مشيرين إلى مخاوفهم من الخطر في أماكن أخرى، وتقارير عن مقتل أشخاص على يد القوات الإسرائيلية على طول طرق الإخلاء.

وقال السكان إن الجيش حاصر جباليا أولاً، ثم هدم المباني وأقام سواتر ترابية بين الأحياء وداخلها، مما أدى في الواقع إلى تقسيم المنطقة وإقامة محيط حولها.

وبصرف النظر عن هذه العقبات، قال الأشخاص الذين تمت مقابلتهم، لقد أصبح من الخطير للغاية بالنسبة للمدنيين أن يغامروا بالخروج من منازلهم أو أماكن ملجأهم، حيث قال كثيرون إن القوات الإسرائيلية أطلقت النار على غير المقاتلين.

والخطوات المذكورة أعلاه، تشير إلى أن “إسرائيل” تستعد لعملية طويلة ذات أهداف أكثر اتساعاً. فقد نقلت فرقة مشاة كاملة ــ إلى الشمال.

وبعد عزل مخيم جباليا، بدأ الجيش في حفر ممر جديد يمتد من الشرق إلى الغرب (على غرار ممر نتساريم الذي أنشأه بالفعل، والذي يقسم القطاع تقريباً) إلى الشمال مباشرة من مدينة غزة. وعقد رئيس الوزراء نتنياهو مناقشة حول نقل المسؤولية عن توزيع الإغاثة من الأمم المتحدة إلى الجيش الإسرائيلي.

تفريغ الشمال

في الواقع، أثارت التدابير الإسرائيلية مجتمعة احتمالات مقلقة، قد تتصاعد بسرعة إلى هجوم يهدف إلى إفراغ الشمال من سكانه وتجويع المدنيين وكل من بقي خاضعًا.

وقد تم تداول مثل هذه المقترحات في “إسرائيل” وأبرزها “خطة الجنرالات “، التي صاغها مستشار الأمن القومي السابق جيورا إيلاند وبدعم من كبار الشخصيات في منتدى القادة والمقاتلين من أجل أمن إسرائيل، وهي جمعية تضم ضباطًا واحتياطيين متقاعدين.

وفقًا لهذا الاقتراح، سيتم منح السكان أسبوعًا للإخلاء، وبعد ذلك سيعلن الجيش المنطقة بأكملها منطقة عسكرية مغلقة ويضعها تحت حصار كامل.

ومن جانبه، يبدو أن نتنياهو يختبر حدود الهجوم على غزة دون اتخاذ قرار حاسم بشأن المدى الذي قد يصل إليه. فقد دفع باتجاه حملة عدوانية لكسر حماس دون أن يتصور نتيجة محددة، تاركاً لنفسه هامشاً للمناورة في انتظار التقييمات المبكرة للتقدم، والتطورات على جبهات الحرب الأخرى التي تخوضها “إسرائيل”، ومستوى المقاومة من جانب الولايات المتحدة وغيرها.

كارثة إنسانية

وبغض النظر عن المدى النهائي للهجوم، فإن النتائج مروعة بالفعل وقد تزداد سوءا، وخاصة مع وصول الشتاء.

وقد تفاقم الوضع المروع بسبب انقطاع المساعدات الإنسانية إلى المنطقة سواء من المعابر الشمالية مع إسرائيل أو من الأجزاء الجنوبية من القطاع.

قد هددت الإدارة الأمريكية في رسالة تم الإعلان عنها في صحف أمريكية وإسرائيلية، ضمناً بتعليق المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل إذا لم تتخذ خطوات لعكس الحصار المشدد على قطاع غزة في غضون 30 يومًا.

والرسالة، التي تم تسريبها إلى الصحافة، تعرب عن “قلق عميق إزاء تدهور الوضع الإنساني في غزة” وتطالب “بإجراءات عاجلة ومستدامة” لوقف التدهور.

يشير النص صراحة إلى القيود القانونية والسياسية الأمريكية الحالية على المساعدات العسكرية والحاجة إلى تقييم ما إذا كانت “إسرائيل” تمتثل للضمانات السابقة بشأن الوصول الإنساني وجهود الإغاثة التي تدعمها الولايات المتحدة.

إنها أقوى إشارة حتى الآن إلى أن إدارة بايدن قد تبدأ في فرض الأحكام في القانون والسياسة الأمريكية التي تشترط المساعدة العسكرية الأمريكية والأسلحة الأمريكية بعدم عرقلة المساعدات الإنسانية والامتثال لقانون الحرب.

لكن الفترة التي حددتها الرسالة والتي تبلغ ثلاثين يوماً للتدابير التصحيحية الإسرائيلية هي وقت لا تملكه غزة. فالشتاء يقترب بسرعة، وكان من المستحيل أثناء الصراع على السكان والعاملين في المجال الإنساني القيام بالاستعدادات الكافية، وخاصة بناء الملاجئ المؤقتة.

والشهر هو فترة طويلة بشكل خاص نظراً لأن المجاعة قد تحدث في غزة قبل أبريل/نيسان 2025، وفقاً لأحدث مراجعة من التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي، وهو المعيار الذهبي لتقييم المجاعة.

وتحدد هذه المراجعة، التي نشرت في 17 أكتوبر/تشرين الأول، شمال غزة ومحافظة رفح الجنوبية باعتبارها المناطق الأكثر عرضة للخطر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى