مؤشرات وخيمة على الاقتصاد الفلسطيني بفعل حرب الإبادة الإسرائيلية
ستؤدي حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية المستمرة منذ 14 شهرا إلى مؤشرات وخيمة على الاقتصاد الفلسطيني وتأثير كارثي يهدد بإغراقه في أزمة “غير مسبوقة الحجم” بحسب أحدث تقارير البنك الدولي.
ومن المتوقع أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للأراضي الفلسطينية بنسبة 26 في المائة هذا العام، وهو أكبر انخفاض في النشاط الاقتصادي منذ عقدين من الزمن، بحسب تقرير للبنك الدولي.
في حين انكمش اقتصاد غزة بنسبة 86% في النصف الأول من عام 2024، انكمش اقتصاد الضفة الغربية بنسبة 23%.
وفي غزة، انخفض دخل الفرد السنوي من 2328 دولاراً في عام 1994 إلى أقل من 200 دولار اليوم.
قال تقرير البنك الدولي إن الحرب تسببت في تدمير البنية التحتية، وارتفاع معدلات البطالة، وارتفاع الأسعار، وانهيار الخدمات الأساسية في الأراضي الفلسطينية.
وأضاف التقرير أن “الصراع دخل عامه الثاني، ويواصل الفلسطينيون تحمل مستوى غير مسبوق من الصدمات والعنف والصعوبات الاقتصادية وعدم اليقين”.
وقد أدت الحرب التي قتلت أكثر من 45 ألف شخص وأصابت أكثر من 106 آلاف منذ أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي إلى نزوح ما يقرب من 1.9 مليون شخص، أو حوالي 90% من سكان غزة.
وقال التقرير إن النشاط الاقتصادي في غزة توقف تقريبا، مضيفا أن مساهمته في الاقتصاد الفلسطيني الإجمالي انخفضت من 17 في المائة إلى 3.5 في المائة فقط، على الرغم من أنها موطن لـ 40 في المائة من سكان الأراضي الفلسطينية.
وقدر التقرير أن 66 في المائة من الشركات في غزة قد دمرت تماما، في حين لحقت أضرار جزئية بنحو 22 في المائة، مما ترك القطاع التجاري على وشك الانهيار.
وقد أدت تداعيات الحرب إلى تدمير سوق العمل، وخاصة في غزة، حيث ارتفع معدل البطالة إلى أكثر من 80 في المائة.
وفي الضفة الغربية، ارتفع معدل البطالة إلى 35%، بسبب القيود المفروضة على الوصول إلى أسواق العمل الإسرائيلية والاضطرابات في النشاط الاقتصادي المحلي.
واعتبارًا من النصف الأول من العام، بلغ معدل البطالة الإجمالي للأراضي الفلسطينية 51%، وهو رقم قياسي.
كفاح من أجل البقاء
وقد أدى انهيار سوق العمل إلى ارتفاع معدلات العمل غير الرسمي، بما في ذلك البيع في الشوارع والعمل غير المنتظم، حيث تكافح الأسر من أجل البقاء.
وارتفعت أسعار المواد الغذائية، حيث ارتفعت تكلفة المواد الأساسية بنسبة 448% في أكتوبر/تشرين الأول مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي. وارتفعت تكاليف الوقود خلال تلك الفترة بنسبة 207%، بسبب انقطاع سلسلة التوريد والاختناقات اللوجستية الناجمة عن الصراع.
وقال البنك الدولي إن نقص السلع الأساسية دفع آلاف الأسر إلى براثن الفقر. وأضاف أن “الوصول غير المنتظم والقيود ونهب السلع التي تدخل غزة ساهم في انعدام الأمن الغذائي بمستويات غير مسبوقة”.
كما تم تدمير البنية التحتية للاتصالات في غزة. وقال التقرير: “إن تدمير البنية التحتية في غزة أدى إلى انقطاع واسع النطاق في الاتصال بالهاتف المحمول والإنترنت، مما أدى إلى تعطيل خدمات الاتصالات الحيوية، بما في ذلك خدمات الاستجابة للطوارئ وإنقاذ الأرواح، وتفاقم الصعوبات التي يواجهها المدنيون”.
ولجأت شركات الاتصالات إلى تركيب أبراج اتصالات على الشاحنات وتقديم مكالمات مجانية وحزم بيانات للسكان المتضررين. ورغم هذه الجهود، تظل الغالبية العظمى من سكان غزة معزولين رقميًا، ولا يستطيعون الوصول إلى خدمات الاتصالات.
كما يعاني القطاع المالي، الذي كان تاريخياً أحد الركائز الأكثر مرونة في الاقتصاد الفلسطيني، من ضغوط شديدة. ورغم أن البنوك الفلسطينية لا تزال تتمتع برأس مال جيد، حيث بلغت نسبة كفاية رأس المال 16.1% اعتباراً من يونيو/حزيران، فإن القطاع يواجه مخاطر متزايدة، وفقاً للبنك الدولي.
وذكر التقرير أن البنوك اتخذت إجراءات لتعزيز المرونة بشكل أكبر، مع إصدار بعضها لرأس مال جديد، ليصل إجمالي أموالها الخاصة إلى 2.1 مليار دولار.
ولكن كل فروع البنوك وأجهزة الصراف الآلي في غزة تقريبا لم تعد تعمل، حيث دمر 33 من بين 57 من المكاتب الرئيسية وفروع البنوك، وتضرر 19 فرعا آخر جزئيا. وقال البنك الدولي “إن نقص السيولة النقدية المتزايد أدى إلى انخفاض القدرة الشرائية، مما أدى إلى عمليات سحب في السوق السوداء مع عمولات عالية”.
وفي الوقت نفسه، بلغت احتياجات السلطة الفلسطينية من التمويل بعد المساعدات وزيادة اقتطاعات عائدات المقاصة 1.04 مليار دولار للفترة من يناير/كانون الثاني إلى أكتوبر/تشرين الأول.
ونتيجة لهذا، اضطرت السلطة الفلسطينية إلى خفض رواتب القطاع العام، ودفعت للعمال 60 إلى 70 في المائة فقط من أجورهم الكاملة منذ أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي. وقال التقرير إن هذا أدى إلى إضعاف الإنفاق الأسري، وتباطؤ الاستهلاك، وتأجيج السخط الاجتماعي.
وتعتمد السلطة الفلسطينية الآن بشكل كبير على الاقتراض من البنوك المحلية وتأجيل المدفوعات للموردين من القطاع الخاص وصناديق التقاعد.
وحذر البنك الدولي من أن الصراع كان له تأثير اقتصادي أكبر على الأراضي الفلسطينية من أي أزمة سابقة، بما في ذلك الانتفاضة الثانية (2000-2005)، والانقسام السياسي الداخلي عام 2006، وحرب غزة عام 2014 وجائحة كوفيد-19.