المقاومة في غزة تفرض معادلتها وتورط الاحتلال بحرب استنزاف طويلة
تؤكد كافة المؤشرات أن فصائل المقاومة في قطاع غزة فرضت معادلتها على الأرض بعد عام كامل من حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية، وورطت دولة الاحتلال بحرب استنزاف طويلة.
وقد أبرزت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية نقلًا عن محللين وجنود إسرائيليين، أن تكتيكات حماس والمقاومة في القتال تجعل هزيمتها أمراً صعباً، حيث تملك القدرة على إطالة أمد الصراع بأساليب حرب العصابات.
وأكدت الصحيفة أن كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس تملك مقاتلين وذخيرة كافية لتوريط جيش الاحتلال بحرب طويلة وبطيئة لا فوز بها.
وشددت الصحيفة على أن تكتيكات الكر والفر سمحت للقسام وباقي فصائل المقاومة بإلحاق الأذى الكبير بجيش الاحتلال وتجنب الهزيمة رغم التفوق العسكري الساحق لدولة الاحتلال.
وتعتبر الحرب الإسرائيلية على غزة هي أطول حرب تخوضها دولة الاحتلال منذ إنشائها، ومع توسع الحرب الآن إلى لبنان يقول بعض الجنود إنهم يخشون أن يتم تجنيدهم في صراع آخر.
يعاني الجيش الإسرائيلي من استنزاف كبير للآليات القتالية مع تواصل المواجهات الميدانية مع فصائل المقاومة في غزة.
ولأول مرة في تاريخ الاحتلال، يستعين الجيش بالشركات الخاصة لإعادة تأهيل المدرعات ومركبات الجند المدمرة، وسط الاستنزاف الكبير للآليات القتالية والحاجة الملحة إليها.
وذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت العرية قبل أيام أن وزارة الدفاع ستطرح من خلال “إدارة المشتريات” مناقصة هي الأولى من نوعها أمام الشركات الخاصة، حول هذا الموضوع في الأشهر المقبلة.
وأفادت الصحيفة بأن إعادة التأهيل يشمل دبابات “ميركافا” ومركبات “تايجر” و”إيتان” المدرعة وغيرها، والتي ظل ترميمها وإعادة تأهيلها حصرياً من قبل مركز إعادة التأهيل والصيانة التابع لجيش الاحتلال “MSHA”.
وأشارت الصحيفة إلى أن مركز إعادة التأهيل والصيانة التابع للجيش لا يستطيع التعامل مع هذا الكم من الدبابات والمدرعات وناقلات الجند المعطوبة بهدف إصلاحها وإعادتها على الخدمة، من دون أن تكشف عن أعدادها.
ولفتت إلى أنه بسبب الحرب المستمرة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، هناك استنزاف كبير للغاية للمركبات القتالية المدرعة، التي تحتاج إلى صيانة وإصلاح، من أجل الحفاظ على استمرارية القتال، ومن أجل تلبية المهام الحالية، بدأ جيش الاحتلال بتوظيف المتقاعدين من المهنيين السابقين للمساعدة في الأعمال.
وإلى جانب الحاجة إلى الدبابات والمدرعات في ظل الحرب المستمرة، سيُطلب من الجيش مع نهاية الحرب، إعادة جميع المعدات إلى طاقتها الكاملة، وهي عملية ستستغرق عدة سنوات، ما جعل الجيش يتوصل إلى نتيجة مفادها أن نطاق المهمة يتطلب لأول مرة مشاركة أطراف خارجية.
آلاف الجنود يعانون الاضطرابات
يعاني الآلاف من الجنود الإسرائيليين المشاركين في حرب الاحتلال على قطاع غزة المستمرة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، من اضطرابات نفسية شديدة أدت في حالات عدة إلى الانتحار.
وتقول قيادة جيش الاحتلال إنها تقدم الرعاية لآلاف الجنود الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة أو الأمراض العقلية الناجمة عن الصدمات التي تعرضوا لها أثناء الحرب، ومن غير الواضح عدد الجنود الذين انتحروا، حيث لم يقدم الجيش رقماً رسمياً.
ورصدت شبكة CNN الأميركية، الآثار النفسية وانتشار حالات الانتحار بين الجنود العائدين من القتال في غزة.
وقال جنود للشبكة إنهم شهدوا “أهوالاً لا يمكن للعالم الخارجي فهمها بشكل كامل”، وتقدم رواياتهم لمحات نادرة عن وحشية الحرب، التي يرى منتقدو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه يريدها “بلا نهاية”، وعن الثمن غير المباشر الذي يدفعه الجنود المشاركون.
وقال أحد الأطباء في جيش الاحتلال بعد خدمته لأربعة أشهر في غزة: “الكثير منا خائفون للغاية من التجنيد مرة أخرى للمشاركة في حرب بلبنان. كثيرون منا لا يثقون بالحكومة في الوقت الحالي”.
انتحار قبل العودة إلى غزة
عاد جندي الاحتياط، إيليران مزراحي، وهو أب لأربعة أطفال ويبلغ من العمر 40 عاماً، بعد مشاركته في الحرب على غزة لمدة ستة أشهر إلى منزله شخصاً مختلفاً، وفقاً لما صرحت به عائلته وكان يعاني اضطراب ما بعد الصدمة وقبل أن يعاد إرساله للجبهة من جديد انتحر.
وقالت والدته: “لقد خرج من غزة، لكن غزة لم تخرج منه. ومات بعد ذلك بسبب الصدمة التي تعرض لها”.
قالت عائلة مزراحي إنه أمضى 186 يوماً في القطاع حتى أصيب في ركبته، ثم أصيب بتلف في السمع في فبراير/شباط الماضي عندما أصابت قذيفة سيارته، وتم نقله من غزة لتلقي العلاج.
وفي إبريل/نيسان تم تشخيص إصابته باضطراب ما بعد الصدمة، وتلقى جلسات علاج كلامية أسبوعية لكن العلاج لم ينفعه. وبينت والدته أنهم “لم يعرفوا كيف يعاملونهم (الجنود). قالوا (الجنود) إن الحرب كانت مختلفة تماماً. لقد رأوا أشياء لم يرها أحد من قبل في إسرائيل”.
ووصفت العائلة حالة ابنها بأنه كان يعاني أثناء إجازته من نوبات غضب وتعرق وأرق وانطواء اجتماعي، وكان يقول لهم إن “من كان معي في غزة فقط هم من يمكنهم فهم ما أمر به”. وأردفت شقيقته: “كان يقول دائماً: لن يفهم أحد ما رأيته”.
وبعد انتحار مزراحي ظهرت على وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو وصور للجندي الاحتياطي وهو يهدم منازل ومباني في غزة ويقف أمام هياكل مدمرة.
وكانت صحيفة هآرتس الإسرائيلية قد ذكرت أن 10 جنود انتحروا في الفترة ما بين 7 أكتوبر و11 مايو/أيار الماضيين، بحسب بيانات عسكرية حصلت عليها.
وقد تبين أن أكثر من ثلث الجنود الذين تم إبعادهم من القتال يعانون من مشاكل تتعلق بالصحة العقلية. ففي بيان صدر في أغسطس/آب الماضي، قالت إدارة إعادة التأهيل التابعة لوزارة الأمن الإسرائيلية إنه في كل شهر، يتم إبعاد أكثر من ألف جندي جريح جديد من القتال لتلقي العلاج، ويشكو 35% منهم حالتهم العقلية، بينما يعاني 27% منهم “رد فعل عقليا أو اضطراب ما بعد الصدمة”.
وأضافت أنه بحلول نهاية العام من المرجح أن يتم قبول 14 ألف مقاتل جريح لتلقي العلاج، ومن المتوقع أن يواجه حوالي 40% منهم مشاكل في الصحة العقلية.