تحقيق أمريكي: عصابات نهب المساعدات في غزة تعمل في مناطق السيطرة الإسرائيلية
أكد تحقيق نشرته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، أن عصابات نهب المساعدات في غزة تعمل في مناطق تحت سيطرة قوات الاحتلال الإسرائيلي في القطاع الذي يتعرض لحرب إبادة جماعية منذ أكثر من 13 شهرا.
وأظهرت مذكرة أممية حصلت عليها الصحيفة أن عصابات نهب المساعدات “تستفيد من تسامح سلبي إن لم يكن دعماً نشطاً” أو “حماية” من الجيش الإسرائيلي.
ومع تفاقم أزمة الجوع في غزة، تقوم عصابات منظمة بسرقة معظم المساعدات التي تسمح “إسرائيل” بدخولها إلى القطاع، حيث تعمل بحرية في مناطق خاضعة لسيطرة جيش الاحتلال وفقاً لمسؤولي مجموعات الإغاثة، وعمال إنسانيين، وشركات نقل وشهود عيان.
وصرح المسؤولون بأن النهب الإجرامي أصبح العائق الأكبر أمام توزيع المساعدات في جنوب غزة، الذي يضم الغالبية العظمى من الفلسطينيين النازحين.
وقال عمال الإغاثة وشركات النقل إن مجموعات مسلحة من اللصوص قتلوا وضربوا وخطفوا سائقي شاحنات المساعدات في المنطقة المحيطة بمعبر كرم أبو سالم التجاري، وهو نقطة الدخول الرئيسية إلى جنوب غزة.
يقول السكان إن اللصوص، الذين أداروا عمليات تهريب سجائر طوال هذا العام، أصبحوا الآن يسرقون الطعام وإمدادات أخرى، وهم مرتبطون بعائلات إجرامية محلية.
وذكرت مذكرة داخلية للأمم المتحدة حصلت عليها صحيفة واشنطن بوست أن العصابات “قد تستفيد من تسامح سلبي إن لم يكن دعماً نشطاً” أو “حماية” من الجيش الإسرائيلي. وأشارت المذكرة إلى أن أحد قادة العصابات أنشأ “مجمعاً عسكرياً” في منطقة “مقيدة وخاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي.”
وقالت منظمات الإغاثة إن السلطات الإسرائيلية رفضت معظم طلباتها لتحسين إجراءات حماية القوافل، بما في ذلك مطالب بطرق أكثر أماناً، ومزيد من نقاط العبور المفتوحة، والسماح للشرطة المدنية في غزة بحماية الشاحنات.
وأشار عمال الإغاثة ومسؤولو الأمم المتحدة وسائقو الشاحنات إلى أن القوات الإسرائيلية، التي كانت على مرأى من الهجمات، فشلت في عدة مناسبات في التدخل أثناء عمليات النهب.
نهب قوافل المساعدات
في أحدث حادثة كبيرة، تم نهب 98 شاحنة من أصل 109 تحمل مساعدات غذائية تابعة للأمم المتحدة كانت قد دخلت من معبر كرم أبو سالم، وذلك من قبل رجال مسلحين ليلة السبت، وفقاً لوكالات الأمم المتحدة الإنسانية ورجل الأعمال الغزي، أدهم شحيبر، الذي كانت ثماني شاحنات من قافلته ضمن القافلة المنهوبة.
وقال شحيبر إن اللصوص أطلقوا النار على الشاحنات واحتجزوا سائقاً لساعات. وقالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) إن الهجوم تسبب في “إصابات في صفوف الناقلين” و”أضرار واسعة للمركبات.”
وقال منسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مهند هادي، إن “إسرائيل” بصفتها القوة المحتلة، فهي مسؤولة عن ضمان حماية المنطقة وتأمينها.
شهادات متعددة
استندت واشنطن بوست إلى أكثر من 20 مقابلة مع ممثلين من منظمات إغاثة دولية، ورجال أعمال فلسطينيين يعملون في نقل البضائع، وشهود على الهجمات التي استهدفت القوافل الإنسانية.
تحدث الكثيرون بشرط عدم الكشف عن هويتهم لتجنب تعريض وصولهم إلى غزة أو سلامة موظفيهم للخطر.
كما راجعت الصحيفة وثائق غير منشورة سابقاً من الأمم المتحدة حول حجم أزمة النهب، وتحدثت مع زعيم العصابة الذي تعتقد مجموعات الإغاثة أنه المسؤول الرئيسي عن الهجمات.
وذكرت الصحيفة أن ما بدأ في الربيع كظاهرة عشوائية إلى حد كبير من مدنيين يائسين يسرقون من الشاحنات أصبح الآن، وفقاً لمنظمات الإغاثة، مؤسسة إجرامية منظمة، حيث أصبحت العصابات المسؤولة أكثر عنفاً وقوة بفضل دعم الاحتلال.
هذا الأمر أدى إلى تعقيد الجهود لإيصال الطعام ومستلزمات النظافة والإمدادات الشتوية إلى مليوني نازح يعانون من الجوع، مع اقتراب فصل الشتاء.
في أكتوبر، انخفضت كمية المساعدات التي تصل إلى غزة إلى أدنى مستوياتها منذ المراحل المبكرة من الحرب، حتى مع مطالبة المسؤولين الأميركيين لإسرائيل بزيادة تدفق المساعدات إلى القطاع، محذرين من أن عدم القيام بذلك قد يؤدي إلى خفض الدعم العسكري الأميركي لإسرائيل.
وبينما يظل خطر المجاعة أكثر حدة في الشمال، وجدت لجنة مدعومة من الأمم المتحدة هذا الشهر أن السكان في جميع أنحاء القطاع يواجهون انعداماً حاداً للأمن الغذائي.
النهب يتحول إلى العقبة الأبرز
ومع ضغط واشنطن على “إسرائيل” للسماح بدخول مزيد من الشاحنات إلى غزة، أصبح النهب العقبة الأكبر أمام توزيع المساعدات المحدودة التي تدخل القطاع، وفقاً لمسؤول أميركي.
وأكد المسؤول أن حركة حماس أو أي من فصائل المقاومة ليست وراء هذه الهجمات على قوافل المساعدات، وهو تقييم يتفق عليه العاملون على الأرض بشكل واسع.
وقال مسؤول في إحدى المنظمات الدولية الكبرى للإغاثة: “لم نرَ أي تدخل فعلي من حماس في أي من برامجنا، سواء في الشمال أو الجنوب.”
ظهور العصابات والجريمة المنظمة
عمد الاحتلال في حربه الشاملة على غزة إلى الاستهداف الممنهج لضباط الشرطة المدنية الذين كانوا يحرسون قوافل المساعدات الإنسانية، بزعم ارتباطهم بحركة حماس والمقاومة.
وبدأ المدنيون اليائسون والمجرمون في مهاجمة الشاحنات لسرقة الإمدادات، مما تسبب في تباطؤ عمليات التسليم. في البداية، وفقاً للعاملين في الإغاثة، كان العديد من اللصوص من الأشخاص الجوعى الذين يحاولون إطعام عائلاتهم.
وفي مايو الماضي، أغلقت سلطات الاحتلال معبر رفح الحدودي مع مصر – الذي كان شريان الحياة الرئيسي لغزة – ما قلل عدد شاحنات المساعدات التي يمكنها دخول القطاع.
وتحولت معظم حركة المرور الإنسانية إلى معبر كرم أبو سالم الإسرائيلي، الذي يؤدي إلى جزء من جنوب غزة حيث تسيطر عائلات بدوية قوية، بعضها متورط في الجريمة المنظمة.
وأشار مسؤولو الأمم المتحدة إلى أنهم طلبوا مراراً من السلطات الإسرائيلية اتخاذ إجراءات للتخفيف من أزمة النهب، لكن المناقشات لم تحقق أي نتائج.
في الصيف، خسرت الأمم المتحدة والمنظمات الدولية للإغاثة ما قيمته 25.5 مليون دولار من المساعدات الإنسانية بسبب النهب، وفقاً لعرض تقديمي أعدته الأمم المتحدة في 28 أكتوبر وحصلت عليه الصحيفة.
وفقاً للعرض التقديمي، الذي قدمته منظمة “أوتشا” لمجموعة تضم وكالات الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية ودول مانحة مثل الولايات المتحدة، تمت سرقة ما يقرب من نصف المساعدات الغذائية التي نقلها برنامج الأغذية العالمي عبر الطريق الجنوبي لغزة.
وقد كانت العصابات، في السابق، تتخلص من المساعدات على الطريق ليأخذها المدنيون بعد العثور على السجائر المخفية، وفقاً لما قاله أحد العاملين في الإغاثة الدولية.
لكن الآن، “في كثير من الحالات يقومون باختطاف الشاحنة بأكملها ونقلها إلى مستودع” لإعادة بيع الطعام والإمدادات الأخرى بأسعار باهظة في السوق السوداء.
وقال جورجيوس بيتروبولوس، رئيس مكتب غزة في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية: “العنف الآن أصبح أكثر وضوحاً مقارنة بما كان عليه قبل شهرين. السائقون الذين نوظفهم يُضربون، يُعذبون، ويُقتلون.”