
يتكشف يومًا بعد يوم الدور الذي تلعبه السلطة الفلسطينية من خلال أجهزتها الأمنية ومؤسساتها المختلفة، في خدمة المخططات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني.
وأحدث هذه الأدوار تجلى في اجتماع نُسق مع السلطة الفلسطينية، دعت خلاله الإدارة المدنية الإسرائيلية شخصيات من مدينة جنين لمناقشة إعادة فتح المحال التجارية وعودة النشاط الاقتصادي، إلى جانب تعبيد الطرق التي دمرها العدوان المستمر.
وتأتي هذه المساعي في إطار خطة إسرائيلية تهدف إلى “تحويل المخيم إلى حي من أحياء مدينة جنين”، وهو ما قوبل برفض فلسطيني قاطع، وفق ما أكده رئيس الغرفة التجارية في جنين، عمار أبو بكر، الذي شدد على رفضه أي خطوات من شأنها تطبيع الحياة تحت الاحتلال.
إعادة الحياة الاقتصادية في جنين
وعُقد الاجتماع في مقر الإدارة المدنية الإسرائيلية بمعسكر “سالم”، حيث حضره مدير الارتباط الفلسطيني في جنين وائل بزور، إلى جانب رئيسي الغرفة التجارية والبلدية.
ووفقًا لعمار أبو بكر، فإن الاحتلال طلب لقاءه مع رئيس البلدية مباشرة، لكنهما أصرا على أن تتم الاجتماعات عبر القنوات الرسمية الفلسطينية، وهو ما دفع الارتباط الفلسطيني إلى تنسيق اللقاء.
وخلال الاجتماع، أوضح ضباط الإدارة المدنية الإسرائيلية أنهم سيبقون في جنين، وعرضوا السماح بإعادة فتح المحال التجارية، لكن أبو بكر رفض الطلب قائلًا: “لا يمكننا دعوة الناس لاستئناف الحياة بشكل طبيعي بينما العمليات العسكرية مستمرة في المدينة”.
مخطط الاحتلال لتصفية مخيم جنين
ولم يقتصر الأمر على الاقتصاد، بل شمل أيضًا محاولات الاحتلال لتعبيد الشوارع التي دمرها، حيث طرح مسؤولون إسرائيليون فكرة إعادة تأهيل الطرق الرئيسية مثل شارع الناصرة بالتنسيق مع الإدارة المدنية الإسرائيلية، وفي حال عدم توفر إمكانيات لدى البلدية، ستتولى الإدارة المدنية التعاقد مع شركة لتنفيذ المشروع.
ولكن الجانب الفلسطيني ردّ على هذا الطرح بتحدٍّ واضح، مؤكدًا أن المسؤول عن هذا الملف هو السلطة الفلسطينية، وليس الاحتلال، وطالبوا بأن تُحوَّل الأموال المحتجزة لدى الاحتلال إلى السلطة، لتقوم بدورها في إعادة إعمار ما دمرته آلة الحرب الإسرائيلية.
وفيما يتعلق بالمخيم، أشار أبو بكر إلى أن الاحتلال لم يتطرق أبدًا إلى تعبيد الشوارع التي جُرفت داخله، بل أوضحوا أن العملية العسكرية ستستمر إلى أجل غير مسمى، وأن نصف سكان المخيم لن يتمكنوا من العودة بعد الدمار الهائل الذي لحق به، ما يعكس نية الاحتلال فرض واقع جديد على المخيم وجعله جزءًا من مدينة جنين.
إعادة تشكيل جنين
وكشفت صحيفة “هآرتس” العبرية أن ما يجري في مخيم جنين هذه المرة يختلف عن العمليات السابقة، إذ أن الجيش الإسرائيلي لا يكتفي بهدم المباني كما فعل في الماضي، بل يتبع خطة مدروسة ومصادق عليها من القيادة السياسية، تهدف إلى تغيير البنية الديموغرافية للمخيم، عبر تفريغه من سكانه وإعادة تشكيله.
وفي تأكيد على هذا التوجه، صرّح وزير الجيش الإسرائيلي يسرائيل كاتس، خلال اقتحامه مخيم جنين قبل أسبوعين، بأن “الجيش سيبقى في المخيم حتى بعد انتهاء العملية”، وهو ما يعكس استراتيجية طويلة الأمد لفرض السيطرة على المنطقة.
أما قائد لواء “منشيه” في جيش الاحتلال، أيوب كيوف، فأوضح أن الهدف من هذه العملية هو “إنهاء كتيبة جنين” وإعادة تشكيل المنطقة بحيث يصبح بإمكان الجيش الإسرائيلي القول بثقة إن المقاومة في جنين لم تعد فعالة.
العدوان على جنين
رغم استمرار عمليات الاقتحام اليومية، يزعم الاحتلال أنه يحاول “الحفاظ على الروتين قدر الإمكان في المدن الفلسطينية”، فيما يركز نشاطه العسكري داخل المخيمات.
ولكن الحقيقة على الأرض تكشف أن هذه الادعاءات ليست سوى غطاء لمخطط أوسع، يهدف إلى السيطرة على جنين وإحداث تغيير جذري في وضع المخيم، بما يخدم المشروع الاستيطاني الإسرائيلي.