تحليلات واراء

الاحتلال يهين الدول العربية: المطلوب علنا وكلاء وليس شركاء

مصر نموذج صارخ للابتزاز الإسرائيلي

بينا تحاول أنظمة عربية رسمية منذ سنوات تقديم نفسها كشركاء للولايات المتحدة ولدولة الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة، فإن تل أبيب لا تفوت فرصة لإهانة العواصم العربية والتعامل معها علنا باعتبارها مجرد وكلاء فقط.

هذا النهج الإسرائيلي برز مؤخرا بشكل صارخ مع مصر، حيث وصل تبجح دولة الاحتلال الإسرائيلي، حكومةً ومعارضةً، وقوف يائير لبيد يحدد لمصر دورها في غزة، مقترحاً، في فاعلية مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات حول اليوم التالي للحرب، أن تدير مصر القطاع ثماني سنوات في مقابل إلغاء الديون الخارجية (155 مليار دولار).

وينطلق هذا التوجه الذي لبيد من تصور أن القاهرة ستستجيب إرضاءً للاحتلال وتجاوزاً للأزمة الاقتصادية، وأن سكان غزة بلا إرادة حرة بعد صدمة العدوان، غير أن القوى الدولية ستضخ أموالاً طائلةً بعد الحرب دعماً لإسرائيل.

وربما ما دار في جلسة نقاش استغرقت ساعةً يعكس أصداء ما يدور من فِكَر وتصورات لدى دوائر صنع القرار بشأن مصر، ومواقفها من الحرب ومستقبل القطاع، في ضوء طبيعة النظام ووضعه داخلياً ومركزه في الشرق الأوسط.

يقول الباحث في جامعة القاهرة عصام شعبان، إن اقتراح لبيد يعد مهماً لفهم التوجهات الإسرائيلية، ونظرة أغلب ساستها إلى دور القاهرة في هذه المرحلة؛ الوصاية على القطاع؛ والمساهمة في إعادة الاستقرار؛ وحفظ أمن الحدود.

وبحسب شعبان يستند هذا التصور إلى وجود شراكة بدأت مع اتفاقية السلام، وتدفع إلى جانب طبيعة النظام السياسي إلى تولي الدور الأكبر في رسم مستقبل غزة بما يلبي أهداف تل أبيب، عبر مخطط التهجير، لتكون مصر دولةَ عبور أو توطين.

ويطرح لبيد مهام القاهرة؛ إعادة تأهيل غزة لكيلا تكون مصدر خطر؛ والسيطرة على الحدود؛ وتسهيل إبعاد الفصائل الفلسطينية، ليس عن العملية السياسة فحسب، لكن عن القطاع ككل، ما يعنى تغير الخرائط السياسية والجغرافية هدفاً نهائياً للعدوان، لا يمكن تحقيقه بالقوة العسكرية.

وبعد أقل من أسبوع من طرح لبيد ما سماه “الحل المصري”، ظهر رئيس حزب “إسرائيل بيتنا”، أفيغدور ليبرمان، الذي شغل حقائب وزارية، منها الخارجية والجيش، ليطالب بفتح الحدود تطبيقاً لمشروع التهجير، في مقايضةٍ تربط المساعدات الأميركية بموافقة مصر، وإذا لم تستجب للدور على واشنطن مراجعة إطار العلاقات بين البلدَين.

وإن كان ليبرمان يراهن على الضغوط الأميركية، فإنه يتفق مع لبيد بشأن تأثيرات الأزمة الاقتصادية، التي ستدفع إلى التعاون، وتمنح الاستقرار للطرفَين، فيما يصور التهجير، وإدارة مصر القطاع، فرصةً وصفقةً رابحةً ضمن شراكة استراتيجية ممتدة، لكنها في الواقع مشبوهة، وخيار يمثل ورطةً مليئةً بالفخاخ، تفرض أجندة إسرائيل فيزيد من هيمنتها، ويضر في النهاية بمصالح مصر.

ويقترب هذا الطرح من نهج نتنياهو، بما في ذلك قراره تعليق دخول المساعدات (منذ 3 مارس/ آذار الحالي)، ابتزازاً بسلاح التجويع في مقابل الأسرى حالياً، وغداً يمكن الدفع إلى إخلاء القطاع، وإن لم يستطع، فإن البديل خلق واقع سياسي جديد يسمح لإسرائيل بالتدخل عسكرياً في القطاع كما الضفة الغربية.

وذلك كله يتطلب استمرار الضغط، لإيجاد دور عربي يعيد الاستقرار على أرضية الإذعان، والتسليم بأنه لا حلول أخرى ممكنة، لا طرح عربياً حول الأعمار، ولا قبول بلجنة مستقلة من تكنوقراط تتولى الأعمال وإدارة القطاع.

ويظل عنصر حصار غزة عاملَ ضغط غير محتمل ضمن أشكال حرب الإبادة، كما تقول حركة حماس في بيان لها، وتطالب مع السلطة الفلسطينية مجلس الأمن بالتدخل.

ويرى شعبان أن تل أبيب تستغل التطورات على الأرض لتضع شروطاً جديدةً وتنتهج عمليات الابتزاز ضد كل الأطراف التي تعارض خطواتها، صورةً للحرب الشاملة، حتى من دون آليات عسكرية، وهي على استعداد لتوسيع دائرة الاستهداف، حسب حالة الفرز في المواقف بين دول الإقليم، وانعكست في مُخرجات “قمة فلسطين”، التي انعقدت في القاهرة، وكانت رداً على التهجير من دون الدخول في مواجهة مع ترامب.

ويتضح الهدف النهائي للابتزاز، الذي تمارسه تل أبيب بسلاح الحرب أو بمفرداتها، كما التهجير والتجويع، وهو إضعاف الشعب الفلسطيني، وجعله وحيداً ومحاصراً، بما يمكن إسرائيل من فرض شروطها.

ويتزامن ذلك مع خطوات إعادة تعيين الحدود مع سورية ولبنان، والشروع في إقامة حواجز عسكرية مع الأردن، ضمن سياسة أمنية لا تستهدف تحقيق الأمن وحسب، ولكن أيضاً جعل الأطراف تحت ضغوط تهديد مصالحها وحدودها، وهي ضمن استراتيجية هجومية متكاملة، دبلوماسياً وعسكرياً، إلى جانب العوامل الاقتصادية.

وإجمالاً، يتمادى الاحتلال في نهجه العدواني، ويريد أن تلعب القاهرة دور الشريك الأمني، لحل معضلات تقابله من دون دفع أثمان التدخل المباشر، وهو تصور العقلية الاستعمارية التي ترى في الآخرين شركاء، لكن في صورة وكلاء، لتنفيذ مهام.

وهو طرح يكشف تعالياً وعنجهيةً، هو زائف أيضاً، يتجاهل تداعيات العدوان على الأطراف العربية كلها، حتى تلك التي ترى في إبعاد المقاومة الفلسطينية حلاً.

ذلك أن الحرب على غزة، بما فيها من توحش شهده العالم، جعلت دولة الاحتلال محل رفض من الشعوب، وتوسع نطاق العدوان خارج الأراضي الفلسطينية زاد من عوامل تعارض المصالح بين إسرائيل والقوى الإقليمية، بما في ذلك القاهرة، التي اتضح باليقين أن “إسرائيل” ليست شريك سلام، بل مصدر خطر دائم، خصوصاً مع احتلال محور صلاح الدين، والتحريض ضد مصر، بدعوى احتجاز الغزيين، وغل يدها في إيصال مساعدات الإغاثة.

ويبقى القول إن هذه المحطة من عجرفة وابتزاز باتفاقية السلام والأزمة الاقتصادية وأمن الحدود، ليس محطةً عابرة ومؤقتة، بل جزء من سلوك مستدام للاحتلال، وقت الصراع، وفى جولات التفاوض، ولم يكن يجري ذلك، وبهذه الصورة، لو وجدت “إسرائيل” مواقفَ جادة ضد العدوان، عدوانها الفادح على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى