تحليلات واراء

إعلام السلطة وفتح يتجند مجددًا لخدمة الحرب النفسية الإسرائيلية

أثار تقرير نشرته إذاعة “أجيال” التابعة لإعلام السلطة الفلسطينية وحركة “فتح” عاصفة من الانتقادات الواسعة بعد أن تناول، في سياق بدا مقصودًا لخدمة الحرب النفسية الإسرائيلية، تساؤلات حول “كيفية قضاء أهل غزة أوقاتهم الأخيرة قبل التهجير القسري”.

وأكد المنتقدون أن هذا الخطاب من إذاعة أجيال لم يأتِ في فراغ، بل يتسق مع سلسلة طويلة من الانخراط الإعلامي الذي تقدمه مؤسسات السلطة في الضفة الغربية، والذي كثيرًا ما انسجم مع السردية الإسرائيلية في محاولة تقويض صمود أهل غزة، وتشويه صورة المقاومة، وبث الإحباط في صفوف الشعب الفلسطيني.

ويشير هؤلاء إلى أن هذه الممارسة الإعلامية ليست مجرد “اجتهاد صحفي فردي”، بل هي جزء من اصطفاف سياسي محسوب، يجعل من إعلام السلطة وحركة فتح شريكًا في الحرب النفسية التي تشنها إسرائيل ضد غزة، في لحظة تاريخية يتعرض فيها القطاع لإبادة جماعية وحصار خانق مستمر منذ أكثر من 22 شهرًا.

إعلام يتماهى مع الاحتلال

توقيت التقرير الصادر عن إذاعة “أجيال” ليس بريئًا. ففي وقت يعيش فيه أكثر من مليوني فلسطيني في غزة مأساة إنسانية متصاعدة، بين مجاعة متفشية وقصف يومي وتهجير داخلي قسري، يختار إعلام السلطة أن يطرح تساؤلات حول “الأوقات الأخيرة قبل الرحيل”.

وبحسب مختصين إعلاميين فإن مثل هذا الخطاب يخدم مباشرة الدعاية الإسرائيلية التي تريد ترسيخ فكرة أن التهجير بات أمرًا حتميًا لا مفر منه، وبالتالي يسهم في ضرب الروح المعنوية للفلسطينيين، بدل أن يساندهم في معركتهم الوجودية.

وقد درجت دولة الاحتلال منذ بداية الحرب على استخدام الحرب النفسية كسلاح موازٍ لسلاح الطائرات والمدافع. وهي تروّج لخطابات الهزيمة واليأس عبر قنوات إعلامية مختلفة.

غير أن الخطير هو أن هذه الحرب تجد من يتبناها داخل البيت الفلسطيني ذاته، عبر منصات تابعة للسلطة وفتح، الأمر الذي يعكس تواطؤًا سياسيًا وأمنيًا لا يمكن فصله عن طبيعة العلاقة القائمة بين قيادة السلطة والاحتلال.

السلطة الفلسطينية ويكيبيديا

يفترض أن دور الإعلام الفلسطيني أن يكون في هذه اللحظة التاريخية دورًا وطنيًا تعبويًا، يرفع من معنويات الناس ويعزز تمسكهم بأرضهم ويكشف جرائم الاحتلال للعالم. لكن ما نشهده هو العكس تمامًا.

إذاعة “أجيال” ووسائل إعلام أخرى مرتبطة بالسلطة وحركة فتح تمارس خطابًا قائمًا على التضليل والترهيب:

تضليل من خلال إعادة تدوير سرديات إسرائيلية عن أن غزة هي المسؤولة عن مصيرها، وأن المقاومة تجلب الويلات على المدنيين.

وترهيب عبر التشكيك بجدوى الصمود، والإيحاء بأن التهجير قادم لا محالة، وأن على الناس الاستعداد للنهاية.

بهذا، يتحول الإعلام إلى أداة ضغط نفسي على الجمهور، بدل أن يكون وسيلة للدفاع عن قضيته.

السلطة والمقاومة على طرفي نقيض

لا يمكن قراءة هذا الانخراط الإعلامي بعيدًا عن الصراع السياسي العميق بين السلطة الفلسطينية وفصائل المقاومة. فمنذ بدء حرب الإبادة لم تتوقف محاولات السلطة وفتح عن تحميل المقاومة مسؤولية الحصار والمعاناة، متجاهلة حقيقة أن الاحتلال هو من يفرض حصارًا خانقًا على غزة ويمارس القتل والتهجير الجماعي.

وعلى مدار أشهر حرب الإبادة، بدا أن تجد السلطة في رام الله وجدت فرصة لتعزيز سرديتها بأن “مغامرات المقاومة” هي التي قادت القطاع إلى هذه الكارثة.

لكن خطورة هذا الموقف أنه يأتي متطابقًا مع الموقف الإسرائيلي، ما يجعل من إعلام السلطة امتدادًا موضوعيًا للدعاية الإسرائيلية بدل أن يكون خطًا دفاعيًا عن حقوق الفلسطينيين.

الحرب النفسية على أهل غزة

تعد الحرب النفسية جزء من الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية والهدف دائمًا هو إضعاف الإرادة الشعبية، ودفع الفلسطينيين إلى الاستسلام أو قبول التهجير.

وحين تنخرط إذاعة فلسطينية تابعة للسلطة في هذا المسار، فإنها تضاعف أثر الحرب النفسية، لأن الرسالة حين تأتي من “بيت الداخل” تحمل مصداقية مضاعفة بالنسبة للمستهدفين.

والفلسطيني الغزي الذي يسمع من إعلام السلطة أن تهجيره بات وشيكًا سيشعر أن هذا ليس مجرد خطاب إسرائيلي، بل قناعة عامة، وهو ما يزيد من الضغط النفسي عليه وعلى عائلته.

في المقابل فإن المسؤولية الوطنية لأي وسيلة إعلام فلسطينية هي فضح جرائم الاحتلال، والدفاع عن حقوق الشعب، وتعزيز الروح الوطنية الجامعة. لكن إعلام السلطة اختار مسارًا آخر: خدمة الأجندة السياسية لفصيل معين على حساب المصلحة الوطنية العليا.

هذا الانحراف يضعف الموقف الفلسطيني أمام العالم، ويمنح الاحتلال هدية مجانية، إذ يمكنه الإشارة إلى هذه المواد الإعلامية باعتبارها “شهادات من الداخل” على صحة دعايته. وبهذا، يصبح إعلام السلطة شريكًا في حصار غزة وإبادة شعبها، لا مجرد متفرج.

وعليه فإن تقرير إذاعة “أجيال” لم يكن زلة عابرة، بل مؤشر على توجه متجذر في إعلام السلطة وفتح، يقوم على التجنيد المتكرر لخدمة السردية الإسرائيلية، على حساب الدم الفلسطيني ومعاناة غزة.

وفي لحظة تاريخية يخوض فيها الشعب الفلسطيني معركة وجودية ضد حرب إبادة ممنهجة، يصبح من المخزي أن يتحول إعلام يفترض أنه فلسطيني إلى أداة ترهيب نفسي، بدل أن يكون منصة للدفاع عن حق الشعب في الحياة والحرية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى