شبكة أفيخاي” تروج لكسر المجاعة: حملة مصرية–أردنية لتبييض الخذلان

في ذروة الانهيار الإنساني المتفاقم في قطاع غزة، وفي وقتٍ بلغ فيه الجوع ذروته، خرج رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في غزة، خليل الحية، بخطاب وُصف بالقاسي في انتقاد الأنظمة العربية، لكنه صادق للشعوب لكسر المجاعة وإنهاء المقتلة الإسرائيلية في غزة.
دعا الحية إلى “تثوير الشارع العربي” ضد الخذلان الرسمي، موجها الدعوة صراحة إلى الشعوب لا الأنظمة، في ظل ثبوت تورط الحكومات العربية بالمشاركة في خنق القطاع، إن لم يكن بصمتها، فبأفعالها.
لكن اللافت، لم يكن فقط في ردود الفعل الرسمية المستاءة من خطابه، بل في الحملة الإعلامية الممنهجة التي انطلقت فورًا، تقودها شبكة “أفيخاي” الدعائية – وهي الشبكة الإعلامية الممتدة عبر حسابات ناطقين باسم الاحتلال، و”نشطاء” عرب مقربين من دوائر التطبيع، وصفحات محسوبة على أجهزة أمنية في دول مثل مصر والأردن.
فك الحصار “نجاح عربي”.. لا فشل دولي!
الهدف من تلك الحملة لم يكن الرد على مضمون خطاب الحية فحسب، بل السعي المحموم لإعادة صياغة المشهد بالكامل: من مشهد فشل رسمي مزرٍ في كسر الحصار ووقف المجاعة، إلى مشهد “نجاح دبلوماسي عربي” مزعوم في إدخال المساعدات، وتحقيق إنجازات كبرى على الأرض.
وبينما يتحدث الفلسطينيون في غزة عن إدخال 120 شاحنة في اليوم، في حين أن المطلوب هو 3000 شاحنة، راحت بعض القنوات الموالية للسلطات المصرية والأردنية تنقل بكل فخر عبارات مثل: “تم كسر الحصار”، “تدفقت المساعدات”، “انتهت المجاعة”، “مصر قادت المعركة الإنسانية”، بل وتحميل المقاومة مسؤولية استمرار معاناة القطاع، لا الاحتلال.
وبدلاً من التركيز على تجريم الاحتلال في استخدام سلاح التجويع، أو كشف العراقيل الإسرائيلية أمام تدفق المساعدات، واصلت هذه الشبكة حملتها ضد المقاومة، موجهةً سهامها نحو خليل الحية، الذي تجرّأ وفضح النفاق، ورفض الاكتفاء بالشكر البروتوكولي للأنظمة.
حماية الأنظمة وخدمة لإسرائيل
لم تمضِ ساعات على خطاب الحية، حتى بدأت حملة تحريض منظمة، وُصفت بأنها “أشد مما تطلقه بعض المنصات الإسرائيلية”، تُصوّره كـ”خائن للتحالفات”، و”رجل يسبّ من يطعم أهله”، وحتى “عميل للفوضى”. وظهرت عشرات الحسابات المرتبطة بـ”شبكة أفيخاي” وأذرعها على تويتر وفيسبوك وإنستغرام تروج لرواية موحدة:
“الحية يهاجم مصر والأردن بينما يتم إدخال الطعام عبر معبر رفح.”
“إسرائيل فتحت المعابر… وحماس تهاجم من يساعد.”
“التحريض على الشعوب يهدد الاستقرار العربي.”
لكن الغريب – أو بالأحرى الفاضح – أن هذه الحملة تتزامن مع استنزاف يومي لحياة الفلسطينيين، حيث تتواصل وفيات الأطفال والرضع بسبب الجوع والجفاف، وتُقصف شاحنات المساعدات، وتُمنع إدارتها بشكل مستقل.
فهل أصبحت الحقيقة جريمة؟ هل بات كشف التقاعس العربي “تحريضًا”، بينما الصمت عن الحصار الإسرائيلي فضيلة؟
دولة الاحتلال تبحث عن غطاء
ما لا يُقال علنًا هو أن الاحتلال الإسرائيلي هو المستفيد الأول من هذه الحملة: يريد أن يُروَّج بأن “غزة لم تعد جائعة”، وبأن “الضغط الدولي لم يعُد مبررًا”، وبأن “المعابر مفتوحة”، و”العرب فعلوا ما عليهم”.
هذا الترويج يخدم دولة الاحتلال في محاولتها لتخفيف الضغوط الغربية بشأن استخدام سلاح التجويع، ويمنحها متنفسًا لوقف تدفق الإدانة الدولية، بل وربما يُبعد شبح المحكمة الجنائية الدولية.
لذلك، فإن محاولة ضرب مصداقية خليل الحية أو أي صوت مقاوم لدى الشعوب العربية والإسلامية يفضح التواطؤ، بات هدفًا مباشرًا.
مصر والأردن في مرمى الغضب الشعبي
الأنظمة العربية المتورطة في هذا المشهد تعلم جيدًا أن الشعوب بدأت تفقد الثقة. ففي مصر، التي تغلق معبر رفح لأيام متتالية بحجة “الترتيبات الأمنية”، وتسمح بإدخال شحنات رمزية عبر شركات تحت إشراف المخابرات، بدأ الغضب يتصاعد.
وفي الأردن، الذي تستند منه طائرات مساعدات إماراتية محمولة بالكاميرات أكثر من الغذاء، بات الشارع يسأل: أين التضامن الحقيقي؟
لذلك، كانت الحملة ضد الحية ضرورية لهذه الأنظمة. لأنها ببساطة لم تعد تملك أي خطاب آخر يُقنع شعوبها. فالمقاومة التي يهاجمونها، هي من تبقى لتقول للعالم إن الشعوب لن تُخدع، ولن تنسى.
من يدافع عن غزة حقًا؟
سؤال مشروع في ظل الهجمة. من يقف اليوم مع غزة؟ من يرفض تلميع الصورة الرسمية في مقابل الجوع؟ من يصدح بالحقيقة في وجه المال والإعلام والسيطرة؟ قليلون، أبرزهم قادة المقاومة الذين اختاروا مخاطبة الشعوب لا الملوك، واختاروا الحقيقة لا المجاملة.
خليل الحية مارس دوره الطبيعي كقائد يقود شعبًا محاصرًا إلى الوعي والغضب، بدلًا من القبول بالموت مع الشكر.
في المقابل فإن منظومة “شبكة أفيخاي” أثبتت مجددا ليست مجرد جوقة تطبيعية بل أداة لترويج الأكاذيب نيابةً عن الاحتلال، وتستخدمها اليوم بعض الأنظمة لتبرئة ذاتها من جريمة الصمت أو المشاركة في خنق غزة. لكن الحقيقة أقوى من الأكاذيب.
فغزة ما زالت جائعة، والمعابر لم تُفتح كما يجب، والمجاعة لم تنتهِ – لا رغمًا عن الاحتلال فحسب، بل رغمًا عن الأنظمة المتخاذلة، وشبكاتها المروجة للكذب.