خمسة أعوام على التطبيع… الإمارات تبيع دماء الفلسطينيين في سوق المصالح مع الاحتلال

بعد خمسة أعوام على توقيع اتفاقيات أبراهام، تكشف تجربة الإمارات العربية المتحدة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي عن نموذج فجّ في التنكّر لدماء الفلسطينيين مقابل مكاسب سياسية واقتصادية وأمنية ضيقة.
فبينما غرق قطاع غزة في حرب إبادة معلنة، حافظت أبوظبي على موقعها كأقرب حليف عربي لتل أبيب، بل وواصلت تطوير العلاقات، غير آبهة بتصاعد الغضب الشعبي العربي والانهيار الإنساني غير المسبوق في القطاع.
شراكة لا تهتز رغم المجازر
منذ بداية العدوان على غزة، سارعت بعض الدول العربية، ولو شكلياً، إلى تخفيض مستوى علاقاتها الدبلوماسية مع دولة الاحتلال، واستدعاء سفرائها أو تجميد بعض أشكال التعاون.
لكن الإمارات، على النقيض، أبقت السفير الإسرائيلي في أبوظبي، وواصلت اللقاءات العلنية بين وزراء الخارجية، ونمّت التجارة، وعززت التعاون الأمني والعسكري، بما في ذلك مبيعات السلاح.
هذه المواقف تعكس تمسكاً بخيار التطبيع، حتى وهو ملوّث بدماء آلاف الضحايا في غزة.
تقدّم أبوظبي خطاباً تبريرياً مزدوجاً: فهي تدّعي أن الحفاظ على العلاقات مع دولة الاحتلال يتيح لها “خدمة الفلسطينيين” وتحقيق إنجازات إنسانية لا يمكن الوصول إليها دون هذه الصلة، لكنها عملياً تستخدم هذا الغطاء لإحكام نفوذها في غزة ما بعد الحرب، ومنافسة قطر أو أي أطراف إقليمية أخرى على دور في إعادة الإعمار.
الإنسانية على طريقة أبوظبي
تفاخر الإمارات بأنها “اللاعب العربي الأكثر انخراطاً إنسانياً” في غزة، حتى أكثر من مصر. لكن هذا الانخراط لا يُلغي حقيقة أن اليد التي ترسل المساعدات هي ذاتها التي تصافح من يقتل الفلسطينيين، في مشهد فجّ من ازدواجية المعايير.
فالمساعدات التي تقدَّم تحت عدسات الكاميرات لا تمحو التواطؤ السياسي والأمني مع المعتدي.
تراهن القيادة الإماراتية على أن الجمع بين المساعدات والتطبيع سيُعيد ترميم صورتها لدى الرأي العام العربي، لكن الاستطلاعات والتقارير الميدانية تشير إلى العكس: الصورة الدولية والإقليمية للإمارات تضررت بشدة، وسفاراتها باتت هدفاً للاحتجاجات، ومواطنوها يتعرضون لمضايقات في بعض الدول العربية.
رهان فاشل على سحق المقاومة
من الأسباب الجوهرية لتمسك أبوظبي بالتطبيع، رؤيتها لفصائل المقاومة كتهديد أمني وأيديولوجي. لذلك كانت الإمارات تراهن على أن دولة الاحتلال ستنهي وجود حركة حماس بسرعة وبكفاءة، ما يحقق هدفين: تصفية فصيل تعتبره معادياً لها، وتعزيز مكانتها كحليف موثوق للولايات المتحدة وتل أبيب.
لكن هذا الرهان فشل. فبعد 22 شهرا من القصف والقتل والحصار، ما زالت فصائل المقاومة وحماس قائمة، بل إن استمرارها رغم شدة الهجمة قد يمنح زخماً جديداً لحركات الإسلام السياسي التي تخشاها الإمارات.
النتيجة: أبوظبي وجدت نفسها شريكاً علنياً في حرب لم تحقق أهدافها المعلنة، لكنها خلفت كارثة إنسانية شوهت صورة كل من ساندها أو تغاضى عنها.
الصورة أمام الشارع العربي
منذ 2020، حاولت أبوظبي تسويق اتفاقيات أبراهام كـ“سلام دافئ” يفتح مجالات التجارة والسياحة والتكنولوجيا، ويُدخل دولة الاحتلال إلى الفضاء العام العربي بلا حرج.
لكن غزة قلبت هذه المعادلة رأساً على عقب. فالمشاهد اليومية للقصف والمجازر والتجويع جعلت أي تقارب مع إسرائيل يبدو – في نظر الشعوب – خيانة مباشرة لدماء الأبرياء.
الانتقادات داخل الإمارات نفسها، وإن بقيت محدودة بفعل القبضة الأمنية، تعكس وعياً متزايداً بأن الكلفة المعنوية والسياسية للتطبيع تتصاعد. وبدلاً من مراجعة المسار، تصر القيادة على التمسك به، مراهِنة على قدرتها على “التحكم بالسردية” داخلياً وشراء الصمت خارجياً.