شبكة “أفيخاي” ودول التطبيع العربي في خدمة حرب الدعاية الإسرائيلية

في الساعات الأولى من يوم 13 يونيو/حزيران 2025، حين شنّت دولة الاحتلال الإسرائيلي ضربة جوية مباشرة ضد مواقع إيرانية، كانت المعركة تجري على جبهة أخرى غير مرئية: جبهة حرب الدعاية والترهيب النفسي.
هذه الجبهة لم تقتصر على الجهات الإسرائيلية الرسمية، بل شهدت استنفارًا منسقًا من شبكة “أفيخاي” الإلكترونية، المدعومة من وحدة “لاهف 433” التابعة للشرطة الإسرائيلية، إضافة إلى وحدة “أمان” الاستخباراتية المتخصصة بالحرب النفسية.
الأخطر، أن هذا الجهد لم يكن محليًا فحسب، بل جرى بالتعاون الكامل مع “غرف عمليات إلكترونية” في دول التطبيع العربي، وعلى رأسها الإمارات والسعودية والبحرين.
تحالف رقمي لدعم العدوان
لم يكن تصريح وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر مجرد جملة عابرة حين قال: “نُدير المعركة على كل المستويات، ومنها الإعلامية والسوشيال ميديا… ونجاح حملة الرأي العام خلال العملية ضد إيران تم بالتعاون مع شركائنا الإعلاميين”.
فهذه العبارة تكشف صراحةً عن أحد أهم أركان الاستراتيجية الإسرائيلية الحديثة: كسب الرأي العام العربي عبر أدوات عربية.
وبحسب مصادر مطلعة في بيئة رصد المعلومات الرقمية، فقد تم تشغيل فرق إلكترونية ضخمة، بالتنسيق مع وحدات إسرائيلية مختصة، لإنشاء موجات متزامنة من التفاعل الموجه، تشمل رفع وسوم داعمة لإسرائيل، والترويج لسردية “حق الدفاع المشروع”.
يضاف إلى ذلك تسويق التفوق العسكري الإسرائيلي بوصفه ضمانة لأمن واستقرار الشرق الأوسط، وهو خطاب تكرر على لسان حسابات تحمل أسماء خليجية أو عربية، لكنها في الواقع تدار من داخل غرف عمليات رقمية على صلة بإسرائيل.
غرف عمليات إلكترونية مشتركة
تشير المعطيات إلى أن “غرفة العمليات الإلكترونية” المركزية لهذه الحملة كانت في أبوظبي، بالتنسيق مع فرق فرعية في الرياض والمنامة، وتعمل جميعها بتنسيق مباشر مع فريق إسرائيلي مدمج من وحدة “لاهف 433” والجيش الإسرائيلي ووزارة الخارجية.
وتولت هذه الفرق إدارة ما يشبه “حملة رأي عام رقمية” هدفها تضليل الجمهور العربي وتحريف مسار النقاش العام، خاصة على منصات تويتر (X) وإنستغرام.
وتضمنت الأدوات المستخدمة:
إنشاء حسابات وهمية بأسماء عربية، خصوصًا خليجية، تستخدم لهجات محلية ومفردات دينية لتبدو طبيعية.
نشر تغريدات تشيد بقوة إسرائيل، وتروّج لها كـ”ضمانة للأمن الإقليمي”.
رفع وسوم ذات طابع “عروبي”، مثل “الخليج مع إسرائيل”، و”إسرائيل تدافع عنا”، وغيرها من العناوين المضللة.
الردود المنسقة على منشورات الجيش الإسرائيلي، وخاصة حساب الناطق باسمه أفيخاي أدرعي، والتي تغصّ بإشادات مزيّفة من حسابات تبدو “عربية”، لكنها مدارة بشكل مركزي.
شبكة أفيخاي: ذراع الحرب النفسية
تُعد شبكة “أفيخاي” امتدادًا رقميًا للحرب النفسية الإسرائيلية، وقد توسعت بشكل كبير منذ اتفاقيات التطبيع، حيث باتت تضم حسابات ناطقة بالعربية تُدار من مكاتب إسرائيلية وخليجية، وتعمل على ترويج السرديات الإسرائيلية بواجهة عربية.
الهدف الأساسي من هذه الشبكة هو تسويق الاحتلال بوصفه “شريكًا للعرب”، وتشويه خصوم دولة الاحتلال خاصة فصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية، وطمس الجرائم الإسرائيلية في غزة والضفة وسوريا، من خلال خطاب هجومي ناعم يركّز على ما تسميه “القواسم المشتركة بين إسرائيل والعرب”، مثل مواجهة إيران أو “الإرهاب الإسلامي المتطرف”.
لكن في لحظة الحرب مع إيران، تحوّلت الشبكة إلى منصة تعبئة دعائية، عملت على تضخيم الضربة الإسرائيلية وتصويرها كنصر استراتيجي للعرب ضد “الخطر الفارسي”، بل ذهبت بعض الحسابات الموالية للتطبيع إلى حد اعتبار الضربة “ضربة وقائية لحماية الخليج”.
الوجه الآخر للتطبيع: هيمنة رقمية
تكشف هذه الحملة عن تحول خطير في معنى التطبيع العربي مع دولة الاحتلال.
فلم يعد الأمر يقتصر على علاقات سياسية أو اقتصادية، بل أصبح يشمل التعاون في الحرب النفسية ضد الرأي العام العربي، وتسخير الجيوش الإلكترونية لخدمة السردية الصهيونية، ضد الخصوم الإقليميين، بل وضد الشعب الفلسطيني نفسه.
لقد أصبحت بعض دول التطبيع العربي شركاء فاعلين في تبييض جرائم إسرائيل، ليس فقط عبر القنوات الدبلوماسية، بل أيضًا عبر الحملات الرقمية الممنهجة.
وتُظهر بيانات رصد التفاعل أن مئات الحسابات التي استخدمت وسومًا مؤيدة لإسرائيل انطلقت من دول الخليج، وتمكنت من تصدر الترند في عدة بلدان، ما يشير إلى استخدام تقنيات مدفوعة، وربما تسهيلات من بعض إدارات المنصات نفسها.
بين البروباغندا والتحالف الأمني
الحملة الدعائية لم تكن فقط محاولة لكسب الرأي العام، بل جزء من تحالف أمني عميق يتمدد بين إسرائيل ودول التطبيع.
فالحرب على إيران باتت ميدانًا لتكريس شراكات رقمية وأمنية، تقوم على العداء المشترك لطهران، لكنها تُستثمر في النهاية لخدمة المشروع الإسرائيلي الأوسع: تثبيت هيمنته في المنطقة، وتهميش القضية الفلسطينية، وقلب بوصلة العداء العربي بعيدًا عن الاحتلال.
وفي ظل صمت الشعوب، وتواطؤ الإعلام الرسمي، وغياب المواقف العربية المستقلة، تتحول الحرب النفسية إلى أحد أهم أسلحة الاحتلال، وهي سلاح يجد في دول التطبيع البيئة المثالية للعمل والانتشار والتأثير.
التطبيع يقتل الحقيقة
تكشف الحملة الأخيرة أن التطبيع العربي لم يقتل القضية الفلسطينية فقط، بل قتل الحقيقة.
فحين تنخرط جيوش إلكترونية عربية في تلميع العدوان الإسرائيلي، يصبح من الصعب على الرأي العام التمييز بين الحقيقة والدعاية.
وحين يُستخدم المواطن العربي كوقود في ماكينة ترويج دولة الاحتلال، فإن الاحتلال لا يعود بحاجة حتى لجيشه الإعلامي، بل يجد في التطبيع طوق نجاة دعائي، يمكّنه من ارتكاب الجرائم وتصدير صورة المنتصر العادل.
ويؤكد مراقبون أن ما جرى منذ 13 يونيو ليس مجرد عملية عسكرية ضد إيران، بل نموذج جديد لتحالف بين القوة العسكرية والهيمنة الإعلامية، يتم فيه توظيف العرب لخدمة دولة الاحتلال، ويُمنح فيه الاحتلال أدوات التأثير في وعي الجماهير العربية، تحت مسمى “الشراكة الإقليمية”.
وفي خضم ذلك، يغيب الصوت الفلسطيني، وتُدفن الحقيقة تحت ركام التغريدات المضلّلة، في معركة لا تقل خطورة عن الحرب بالرصاص.