تحليلات واراء

خطة ترامب–نتنياهو: فرض الاستسلام بغطاء إنساني لتكريس الاحتلال

يجمع مراقبون على أن خطة ترامب–نتنياهو المقترحة لا تمثل مقترحاً سياسياً محايداً ولا مخرجاً إنسانياً من المأساة في غزة، بل وصفة تستهدف فرض الاستسلام بغطاء إنساني لتكريس الاحتلال الإسرائيلي وتحويل الحقوق الفلسطينية الأساسية إلى دفاتر شروط قابلة للتفريغ تدريجياً.

ففي جوهرها، تقضي الخطة بأن حفظ حياة سكان غزة وعودة الأسرى مرهونان بتفكيك القدرة السياسية والعسكرية الفلسطينية، وتُسلم إدارة شؤون غزة لمؤسسات دولية يقودها من كان على طول التاريخ شريكاً سياسياً ومؤسسياً في سياسات الإقصاء.

أولاً: مهلة الـ72 ساعة كآلية ابتزاز سياسية

المطلب بعودة جميع الرهائن خلال 72 ساعة من إعلان وقف إطلاق النار يبدو إنسانياً في الظاهر، لكنه في التطبيق يتحول إلى آلية ضغط لا إنقاذ، لأن وقف الأعمال القتالية يصبح مشروطاً بامتثالٍ فوريّ لشروط الأمن والسياسة التي تفرضها الجهة المعلن عنها، وليس بضمانات ملزمة للاحتلال أو الآليات الدولية المستقلة.

بهذا تتحوّل ورقة الأسرى الأحياء منهم والأموات، إلى ورقة ابتزاز تُستخدم لفرض تنازلات استراتيجية على الفلسطينيين.

ثانياً: إدارة دولية بوصاية خارجية

تقترح الخطة مجلس إدارة دولي ومجلس سلام ترأسه شخصيات دولية بارزة وتضع الإدارة الفعلية لغزة تحت إشراف خارجي، بمن فيهم أسماء أثارت الجدل السياسي سابقاً.

وهذا الطرح ليس مجرد إدارة فنية مؤقتة؛ إنه إعادة توزيع للسلطة من الشعب إلى منتدًى دولي، وبذلك يُقصي الفلسطينيين من ممارسة حقهم في تقرير المصير ويشرعن وصاية تُموّه الاحتلال بصيغة جديدة، مع العلم أن التاريخ الدولي يعلّم أن «الانتدابات المؤقتة» كثيراً ما تطول وتتحول إلى نماذج حكم تستنزف السيادة المحلية.

ثالثاً: نزع السلاح كشرط أساسي لإعادة الاستقرار

من شروط الخطة تفكيك البنى العسكرية للمقاومة ونزع سلاحها قبل أو كشرط لاستعادة الحياة الطبيعية، بينما لا يوجد بند حازم يضمن انسحاب الاحتلال أو محاسبة مرتكبي الجرائم.

هذا الشرط يفكّر أمنياً بمنظور أحادي: من يملك السلاح يُحكم، ومن يُسلّح نفسه يُعاقَب، أما الاحتلال فلا يُجرد من أدواته ولا يُحاسب على جرائمه. إزالة قدرة الدفاع دون بديل سياسي يعني ترك السكان بلا حماية حقيقية في ظل احتلال يملك الإمكانات والنية للحفاظ على هيمنته.

رابعاً: تحويل المساعدات إلى غطاء لتركيع المدنيين

إعلان ضخّ مساعدات واسعة يُقابَل بشروط وصول مرتبطة بـ”مناطق خالية من الإرهاب” أو التزام أمني، يعني أن الغذاء والدواء يتحوّلان إلى أدوات تفاوض وسيطرة.

ويخالف هذا التلاعب بالعمل الإنساني مبادئ الحياد والإنسانية، ويُعيد سيناريوهات التجويع والابتزاز التي سبق أن رافقت الحصار. جعل الاحتياجات الأساسية رهناً بالتزام سياسي هو ابتزاز منظّم لا حل إنسانيًا.

خامساً: احتمال التهجير “الطوعي”

مقترحات إعادة الإعمار ومشاريع اقتصادية كبرى مصحوبة بتصريحات سابقة عن “نقل مستقبلي” أو خلق مناطق اقتصادية خاصة تفتح باباً واسعاً أمام سياسات نزوح مُقنَّع أو إعادة توزيع للسكان لصالح مشاريع استغلالية.

ويؤكد المراقبون أن أي مشروع يُبنى على إخلاء مدنيين أو على تحويلهم إلى “عمالة رخيصة” خارج إطار السيادة الوطنية هو غطاء لإعادة تشكيل السكّان والفضاء السياسي لصالح جهات خارجية.

سادساً: شرعنة الإفلات من المساءلة

سياسياً، تمنح الخطة قيادات متهمة بجرائم فرصةَ إعادة إنتاج مشروعية داخلية ودولية عبر نتائج ظرفية (إفراج أسرى، مشاريع إعادة إعمار) من دون مساءلة فعلية عن الانتهاكات.

وتحوّل هذه الديناميكية المساءلة إلى عملة مساومة تُؤخر العدالة وتضع نهايةً افتراضية للمساءلة الدولية وحقوق الضحايا.

وبالمجمل فإن ما يُعرض باسم “خطة سلام” هو في الحقيقة خارطة لإعادة إنتاج الاحتلال بوسائل مؤسساتية، لصالح من يملكون القوة وإزاء شعب مُنهك ومُشرَد.

ويؤكد المراقبون أن الحل الحقيقي يجب أن يبدأ بوقف فوري لا مشروط للعدوان، بآليات محاسبة دولية فعلية، وبعودة الحق الفلسطيني في تقرير مصيره — لا بوصفه بنداً مؤجلاً — وإلا فكل خطاب إنساني عن الإعمار سيبقى غطاءً لتكريس الهيمنة ونهب الحقوق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى