الإمارات في خدمة رفاهية الإسرائيليين في ذروة إبادة غزة

في وقت تُسحق غزة تحت القصف والحصار وسلاح التجويع، تكفلت شركات الطيران الإماراتية بإبقاء نافذة رفاهية الإسرائيليين مفتوحة على اتساعها.
وأكد تقرير اقتصادي إسرائيلي حديث أن الإمارات—وتحديدًا شركتي “فلاي دبي” و”الاتحاد للطيران”— واصلت تشغيل رحلات منتظمة إلى تل أبيب عندما انكفأ كثير من الناقلات العالمية، لتصبح “شريان حياة” للمسافرين الإسرائيليين في لحظة عزلة دولية متصاعدة.
وتم نشر التقرير المذكور بالتزامن مع الذكرى الخامسة لتوقيع اتفاقيات التطبيع (اتفاقيات إبراهام) بين أبو ظبي وتل أبيب، في تذكير عملي بأن التحالف السياسي تجسّد خطوطا جوية نشطة في قلب الحرب.
وبحسب التقرير تُسير “فلاي دبي” ما يقارب 70 رحلة أسبوعيًا (بمتوسط يصل إلى عشر رحلات يوميًا في مواسم الذروة)، وهو مستوى تشغيل يعكس قرارًا سياسيًا بقدر ما هو تجاري.
أما “الاتحاد” فتابعت تشغيل رحلتين إلى ثلاث رحلات يوميًا وفق الجداول المعلنة.
وفي حين أوقفت “طيران الإمارات” رحلاتها المباشرة، ظلت حاضرة عبر شراكة “الرمز المشترك” التي تحمل رقم رحلات “EK” على رحلات “فلاي دبي” نفسها، ما يجعل شبكة دبي التشغيلية عمليًا قناة مضمونةً للوصول إلى تل أبيب وذلك في معمار لوجستي يبقي التطبيع فعّالًا وهو يتغذى من الحرب.
تفاصيل الرحلات الإماراتية لإسرائيل
وتظهر الأرقام الإسرائيلية الرسمية الأثر بوضوح: في أغسطس/آب الماضي نقلت الشركات الإماراتية مجتمعة نحو 128,500 مسافر، أي 5.83% من إجمالي حركة المسافرين، واضعة الإمارات في المرتبة الرابعة على جدول الدول من حيث حركة الركاب عبر بن غوريون.
وللمقارنة، كانت الشركات التركية—قبل الحرب—تستحوذ على 13.5% من الحركة في الشهر نفسه عام 2023، أي أكثر من 382 ألف مسافر، وهو فراغ ضخم لم تستطع الإمارات ملأه كميًا، لكنها ملأته سياسيًا ورمزيًا عبر كسر طوق العزلة.
ولم يكن هذا ممكنا لولا “البنية التحتية” التي وفرتها اتفاقيات التطبيع وما تلاها من فتح للمجالات الجوية: السعودية أعلنت منذ 2022 فتح أجوائها لجميع الشركات، بما في ذلك الرحلات من وإلى دولة الاحتلال، كما سمحت البحرين بعبور الرحلات بين إسرائيل والإمارات.
ثم أضافت عمان في 2023 فتح أجوائها، فقصُرت المسافات إلى آسيا وانخفضت كُلف التشغيل. هكذا تحولت دبي وأبوظبي إلى محوري ربط بديلين عندما غابت إسطنبول—التي كانت تاريخيًا البوابة الأولى للإسرائيليين.
في الجهة المقابلة، كانت الصورة عالميةً قاتمة: موجات متكررة من تعليق الرحلات أو تأجيل استئنافها من شركات أوروبية وأميركية وآسيوية لأسباب أمنية وسياسية، قبل أن يعود بعضها تدريجيًا وعلى استحياء.
في هذا السياق بالذات اكتسب التزام الناقلات الإماراتية معنى سياسيا مضاعفًا: ليس فقط استمرار الربط الجوي، بل توفير “ممر مضمون” عندما تُغلق أبواب أخرى. الرسالة العملية: لا عزلة على دولة الاحتلال ما دامت أبواب الإمارات مفتوحة.
التطبيع الإماراتي الإسرائيلي
يبرز مراقبون أن هذا الدور لا يمكن اعتباره مجرد “قرار شركات” كون أن تشغيل خطوط رحلات بهذا الاتساع في لحظة عالية المخاطر لا يحدث بمعزل عن قرار سيادي وحسابات استراتيجية.
لذا، يصبح سؤال الأولويات واجبًا: هل مقدَّمٌ في أبوظبي الحفاظ على عوائد الحركة الجوية والعلاقات الوليدة مع تل أبيب أم احترام الحد الأدنى من الاعتبارات الإنسانية في لحظة يتعرّض فيها المدنيون في غزة لتجويع ممنهج وقصف مستمر؟.
ويذكر أن جميع التغطيات الغربية وهي تراجع حصيلة خمس سنوات من “اتفاقات أبراهام” تُقر بأن تلك العلاقات تعاظمت اقتصاديًا وأمنيًا مع تجاهل بنيوي لحقوق الفلسطينيين، وأن الحرب على غزة جعلت هذا التجاهل فجًا ومرئيًا أخلاقيًا.
فالنتيجة العملية على الأرض واضحة: استمرار الرحلات الإماراتية، منع تحول العزلة الجوية الإسرائيلية إلى حقيقة مكتملة، بحيث منحت الإمارات تل أبيب “متنفسًا” لوجستيًا في ذروة الإدانة العالمية، ورسخت أن التطبيع ليس بيانًا سياسيًا بل خدمة مستمرة تتكيّف مع الحرب.